لطالما كان ماضي استعباد أمريكا للمواطنين السود، من ذوي الأصول الإفريقية، من الأحداث المؤلمة والمؤسفة في تاريخ الولايات المتحدة القديم.
إلا أن أحد مشاهد هذا التاريخ الطويل من الاستعباد فاق كل التوقعات والمنطق، حتى بات مصطلح "إيغبو" مثالاً للدلالة على قدر التضحية الذي يمكن أن يقدمه الإنسان في سبيل أن يحيا حياة حرة وكريمة.
ففي واقعة أثير حولها الكثير من اللغط والتكهنات في المواثيق التاريخية، أقدم عشرات الأشخاص من ذوي الأصول الإفريقية على إغراق أنفسهم طواعيةً، في مشهد من الانتحار الجماعي، وذلك في سبيل الفرار من قيد العبودية، ومخاوف العيش تحت أسر الأسياد البيض لأمريكا في سنوات دولتها الجديدة، وهي الواقعة التي باتت تُعرف بـ"رسو الإيغبو".
الإيغبو وواقعة الانتحار الجماعي للفكاك من الأسر والعبودية
في واقعة "رسو الإيغبو" عام 1803، مات ما يقرب من 75 أسيراً من المنطقة الإفريقية التي باتت تُعرف اليوم بنيجيريا، نتيجة انتحار جماعي أقدموا عليه عند وصولهم لشواطئ دنبار كريك، بولاية جورجيا الأمريكية، وذلك هرباً من مواجهة الحياة في السلاسل وتحت ذل الأسياد.
ففي تلك الفترة، ولمئات السنين، تم اختطاف المستعبَدَين من إفريقيا، وحشرهم على متن سفن العبيد بأعداد كبيرة، ونقلهم إلى الأمريكتين.
ولكن في عام 1803 تحديداً، قاتل 75 من الإيغبو وغيرهم من سكان غرب إفريقيا من نيجيريا الحديثة، في واقعة تُعرف باسم "إيغبو لاندينغ" أو "رسو الإيغبو"، في إشارة للحظة رسو المواطنين الأفارقة على الشاطئ قبل إقدامهم على الانتحار.
فبعد بيعهم في مدينة سافانا، بولاية جورجيا، وإجبارهم على ركوب سفينة متجهة إلى جزيرة سانت سيمونز، ثار الأسرى ودخلوا في موجة من الشغب والهياج. وبالفعل تغلبوا على تجار الرقيق الذين كانوا على متن السفينة، واستولوا عليها، ورسوا بها في منطقة دنبار كريك القريبة.
ثم اتخذ الأسرى خياراً مؤلماً، وجدوا أنه أهون الخيارات أمامهم، وبدلاً من الاستسلام للأسياد وتجار العبيد المنتظرين على الشاطئ، ساروا في اتجاه الماء مجدداً وأغرقوا أنفسهم، في انتحار جماعي يراه الكثيرون اليوم مثالاً قوياً على أعمال المقاومة الجماعية المناهضة للاستعباد.
بيع العبيد لتجار الرقيق وإجبارهم على الإبحار لأمريكا
بحلول الوقت الذي حدثت فيه الواقعة عام 1803، كانت تجارة الرقيق في الأمريكتين مستمرة منذ ما يقرب من 200 عام. فقد تم اختطاف الملايين من الرجال والنساء الأصحاء من إفريقيا وإرسالهم إلى العالم الجديد والدولة الأمريكية الشابة، حيث عملوا تحت ظروف قاسية في المزارع على طول الساحل الجنوبي، وفقاً لموقع History للتاريخ.
وقد كانت الرحلة من دول إفريقيا إلى العالم الجديد رحلة شاقة ومضنية.
كما تم إجبار الأسرى على البقاء في مخازن وأقبية تحت سطح السفينة، التي عادة ما كانت ضيقة ومنخفضة للغاية، لدرجة أنهم غالباً كانوا لا يستطيعون الوقوف منتصبي القامة، وكان يتم تقييدهم بالسلاسل والأغلال الحديدية منعاً لأي عصيان.
نتيجة لظروف النقل السيئة والرحلة القاسية ونقل أعداد أكبر مما تحتمله السفن وسلامتها، فقد توفي الآلاف نتيجة للاختناق وسوء التغذية والمرض، بينما تعرض آخرون للتعذيب والقتل على يد طواقم السفن.
وقد كان العديد من هؤلاء الأسرى من الإيغبو، وهم العرقيات الإفريقية التي تسكن سواحل دولة نيجيريا اليوم.
إذ يشير المؤرخ دوغلاس ب. في كتاب له بعنوان "الإيغبو في فرجينيا" إلى أنه من بين 37 ألف إفريقي وصلوا إلى فرجينيا من كالابار، وهي المنطقة الواقعة في نيجيريا حالياً، خلال القرن الثامن عشر، كان هناك 30 ألفاً من الإيغبو.
وكان سرعان ما يتم بيع وشراء مئات الآلاف من الإيغبو، الذين تمكنوا من النجاة من الرحلة على مر السنين كعبيد على الشواطئ الأمريكية. لكن في عام 1803، قاومت مجموعة منهم ببسالة يذكرها التاريخ حتى اليوم.
التمرد والانقلاب على التجار والبحارة
في مايو/أيار 1803، يوضح موقع Black Past للتاريخ وحقوق المواطنين من ذوي الأصول الإفريقية، أن سفينة عبيد تسمى (واندرر- Wanderer) نقلت عشرات الإيغبو وغيرهم من أسرى غرب إفريقيا إلى سافانا، بولاية جورجيا.
ومثل الأجيال التي سبقتهم تم بيع ما يقرب من 75 منهم إلى تجار الرقيق عند الرسو. وهناك دفع الأمريكي جون كوبر وتوماس سبالدينج حوالي 100 دولار نظير الشخص الواحد، ثم أجبروهم على ركوب سفينة أخرى تُدعى (يورك- York)، متجهة إلى جزيرة سانت سيمونز بولاية جورجيا.
لكن الأسرى قاوموا، وقرّروا رفض الانصياع والاستسلام، حيث انتفضوا ضد خاطفيهم وأغرقوهم، وأرسوا السفينة في دنبار كريك في جزيرة سانت سيمونز.
وهناك، مع انتظار العبيد على الشواطئ، قرر العديد من الإيغبو السير في مياه دنبار كريك وإنهاء حياتهم، بدلاً من الاستسلام لحياة العبودية.
ويوضح المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأمريكيين من أصل إفريقي، أنه لاحقاً تم انتشال جثث 13 شخصاً في وقت لاحق من الماء. بينما تم أسر بعض الذين نجوا وبيعوا كعبيد مجدداً، بينما بقي آخرون في عداد المفقودين.