لم تقتصر عبادة إيزيس على مصر القديمة فحسب، بل انتشر تأثير هذه الآلهة الأنثى ليشمل العالمين اليوناني والروماني أيضاً، وقيل إنها أثرت كذلك على بعض الممارسات المسيحية.. تعالوا نعرفكم أكثر على إلهة السحر والحكمة والسماء والأرض، التي أحيت زوجها بعد الموت.
إيزيس.. الإلهة التي أحيت زوجها من الموت
يرتبط اسم إيزيس بالأمومة والعطاء والإخلاص، فإضافة إلى كونها أم الإله حورس التي كرست حياتها لرعايته، فهي أيضاً زوجة أوزيريس المخلصة التي لملمت أشلاءه وأحيته بعد الموت.
تقول الأساطير إن إيزيس هي ابنة "جب" إله الأرض و"نوت" آلهة السماء، ولها ثلاثة أخوة هم أوزوريس وست ونيفنتيس.
نشأت علاقة حب بين أوزوريس وإيزيس وتزوجا، حيث كان زواج الإخوة شائعاً ليس فقط في الميثولوجيا المصرية إنما في العائلات الحاكمة في مصر القديمة أيضاً.
لكن ست، وهو الأخ الشرير لأوزوريس، كان يمقته كثيراً فقتله وقطع أوصاله ثم رمى كل أشلائه في أنحاء متفرقة من وادي النيل.
حزنت إيزيس على زوجها حزناً شديداً وراحت تبحث عن أشلائه وتجمعها، ومن الجدير بالذكر أن المصريين القدماء بنوا معابد في كل مكان قيل إنه ضم قطعة من جسد أوزوريس.
وفي نهاية المطاف بعد أن انتهت إيزيس من تجميع أشلاء زوجها، قامت بإعادة إحيائه من جديد، حيث يقال إنها تمكنت من ذلك عن طريق "حبها" لزوجها و"حزنها" عليه، إضافة إلى تلاوة بعض التعويذات السحرية على أشلاء أوزوريس.
احتوت النصوص الجنائزية على بعض أحاديث إيزيس التي عبرت فيها عن حزنها على موت زوجها وعن اشتياقها له وحتى عن غضبها بسبب تركه لها. ووفقاً للأسطورة فقد لعبت كل هذه المشاعر دوراً في بعث أوزوريس، وهكذا استطاعت إيزيس أن تبث الروح ثانية في زوجها لتجامعه وتضع بعدها ابنهما الإله حورس الذي أخذ بثأر أبيه من عمه الشرير، أما أوزوريس فلم يعش في الحياة الدنيا بعد إعادة إحيائه إنما انتقل إلى العالم السفلي ليصبح هناك إلهاً للبعث والحساب.
وتشير التقديرات إلى أن إيزيس ذكرت للمرة الأولى بالمملكة المصرية القديمة في أسطورة أوزوريس في الفترة ما بين 2686 و2181 قبل الميلاد.
وغالباً ما يتم تصوير إيزيس على شكل أُنثى بشريَّة تلبس ما يشبه العرش على رأسها، وخلال حقبة المملكة الحديثة، أصبحت إيزيس تصور وهي تلبس ملابس الإلهة حتحور، إذ تم رسمها كأنثى بشرية على رأسها قرص شمس بين قرني بقرة.
إيزيس.. إلهة السحر وأم الموتى والملوك
تعتبر إيزيس جزءاً من التاسوع المقدس في الديانة المصرية القديمة، والتاسوع المقدس هو سلالة تنحدر جميعها من الإله الخالق آتوم أو رع.
أما عن دور إيزيس، فكان يعتقد أنها ترشد الموتى إلى الحياة الآخرة، وتساعدهم تماماً كما ساعدت زوجها أوزوريس، عن طريق إعادة إحيائه. ومثل الآلهة حتحور وغيرها، اعتبرت إيزيس أماً للموتى توفر لهم الحماية والتغذية.
فضلاً عن ذلك كانت إيزيس تعتبر الأم الإلهية للملوك والفراعنة فقد كان ملك مصر يعتبر تجسيداً للإله حورس على الأرض، وبما أنها أم الإله حورس، فكانت إيزيس تعتبر أيضاً أماً للملوك.
كذلك اعتبرت إيزيس آلهة للسحر، فقد عرفت بقواها السحرية كما عرفت بذكائها ودهائها، وبفضل هذه الميزات كانت توصف بأنها "أمهر من مليون إله"، وقد استخدمت إيزيس في كثير من الأحيان قواها السحرية لحماية ابنها الإله حورس من عمه الشرير سيت، كما كرست هذه القوى لمحاربة سيت.
ويقال إنها في إحدى المرات استخدمت السحر لتخلق ثعباناً قوياً ليلدغ الإله رع، وهو إله أكبر وأعظم منها، وبعد أن لدغه الثعبان عرضت عليه إيزيس أن تشفيه من السم باستخدام قوتها السحرية شرط أن يخبرها باسمه الحقيقي السري الذي يمتلك كل من يعرفه قوة غير متناهية، وتحت الضغط أخبرها رع باسمه السري ونقلته بدورها لابنها حورس كي يمتلك قوة يدعم بها ملكه.
ويؤمن المصريون الذين يعبدون إيزيس بأن تعويذاتها السحرية قادرة على شفاء مرضاهم، كما كان لهذه التعويذات دور أساسي في طقوس الدفن وفي الترانيم الملكية.
الإلهة الأم، سيدة السماء
من خلال علاقة إيزيس بابنها حورس وحمايتها له، باتت تعتبر رمزاً للعطف الأمومي، فقد كرست حياتها لحماية ابنها من ست وعدَّة مخاطر أخرى كالثعابين والعقارب والأمراض.
وفقاً لبعض النصوص، فقد سافرت إيزيس بين البشر طالبةً مساعدتهم؛ لحماية ابنها بعد ولادة صعبة وعسيرة. وسافر سبعة آلهة من العقارب معها لحمايتها والذين انتقموا من امرأة غنية رفضت مساعدة إيزيس عن طريق لدغ ابنها، لكن إيزيس تدخلت لشفاء الطفل البرئ. ومن ثم ساهمت سمعة إيزيس كإلهة عطوفة تحاول تخفيف معاناة البشر، في حصولها على شعبية واسعة بمصر القديمة.
وتقول إحدى الأساطير إن إيزيس بقيت واقفة إلى جانب ابنها حورس على الرغم من الخلافات التي كانت تدب بينهما في بعض الأحيان، ووفقاً لإحدى القصص، قام حورس في إحدى المرات بقطع رأس أمه، مما اضطرها إلى استبدال رأسها برأس بقرة، ولم يمنعها ذلك من الوقوف دائماً إلى جانب ابنها.
ولم تقتصر قوة إيزيس على جانبها الأمومي فقط، ففي كثير من الحقبات تم اعتبارها سيدة السماء والأرض، وإلهة الكون التي تحمي مصر وملوكها، حتى إن بعض الترانيم من العصر البطلمي تطلق على إيزيس لقب "الجوهر الجميل لكل الآلهة".
إيزيس.. مصدر إلهام للثقافات الأخرى
في الألفية الأولى قبل الميلاد أصبح إيزيس وأوزوريس أكثر الآلهة المصرية عبادة، وأخذت إيزيس العديد من سمات الآلهة الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنها بقيت معبودة في مصر القديمة فترة طويلة للغاية حتى إنها كانت واحدة من أواخر الآلهة القديمة التي توقّف المصريون عن عبادتها.
بدأ حكام مصر وحكام جيرانها جنوباً في النوبة بناء المعابد المكرسة خصوصاً لإيزيس، كما كان معبدها في "فيلة" أحد أهم المراكز الدينية للمصريين والنوبيين على حد سواء.
وكان المصريون يقدسون القوى السحرية التي تملكها إيزيس والتي تجعلها أقوى من بقية الآلهة، فهي التي تحمي المملكة من أعدائها، وتحكم السماوات والأرض.
وفي الفترة الهلنستية (323-30 قبل الميلاد) عندما حكم اليونانيون مصر، عبَد المصريون واليونانيون أيضاً إيزيس، إضافة إلى إله جديدٍ اسمه سيرابيس. وانتشرت عبادتهما في عالم البحر المتوسط الأوسع.
وأسبغ اليونانيون على إيزيس بعض السمات التي تميزت بها الآلهة اليونانية، مثل اختراع الزواج وحماية السفن في البحر.
ومع استيعاب روما للثقافة الهلنستية في القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت عبادة إيزيس جزءاً من الديانة الرومانية. وعلى الرغم من أن عبَدتها كانوا أقلية في الإمبراطورية الرومانية، فإنهم كانوا منتشرين في كل أرجائها.
ومع بداية انتشار المسيحية في القرنين الرابع والخامس الميلادي، انتهت عبادة إيزيس، لكن يُعتقد أن صورة إيزيس مع الرضيع حورس كانت مصدر إلهام للمسيحيين في نسج صورة مريم مع طفلها يسوع، وفقاً لما ورد في موقع britannica. ويقال أيضاً إنها أثرت على بعض المعتقدات والممارسات المسيحية مثل تبجيل مريم، إلا أن دلائل هذا التأثير لا تزال موضع خلاف.