بحلول سبتمبر/أيلول 1943، لم تكن الحرب العالمية الثانية تسير على ما يرام بالنسبة للزعيم الألماني أودولف هتلر، حيث تعرّضت القوات الألمانية في شمال إفريقيا إلى الكثير من الضربات، كما تعرضت المدن الألمانية بشكل روتيني للقصف من قبل القاذفات الأمريكية خلال النهار والقاذفات البريطانية في الليل.
وأخيراً نجحت قوات التحالف في النزول بجزيرة صقلية الإيطالية، ما أجبر إيطاليا على الخروج من الحرب والاستسلام للحلفاء، كما ألقت الحكومة الإيطالية الجديدة القبض على رئيس الحكومة السابق بينيتو موسوليني، الحليف الإيطالي الرئيسي لألمانيا بأوامر من ملك إيطاليا، الأمر الذي أغضب هتلر كثيراً.
كان هتلر يرى في قرار اعتقال صديقه موسوليني حدثاً من الممكن أن يتكرر معه شخصياً، لذلك كان على هتلر اتخاذ قرار جريء بخصوص حليفه موسوليني.
وبعكس هتلر، الذي كان يحكم ألمانيا بقبضة حديدية، كان موسوليني مشاركاً في الحكم من قبل الملك الإيطالي ومجلسه، اللذين كانا يهددان موسوليني في فترة حكمه.
هتلر يخشى من مصير موسوليني
في الليلة بين 24 و25 يوليو/تموز 1943، وبعد أسابيع قليلة من غزو قوات الحلفاء لصقلية وقصف العاصمة الإيطالية روما، صوّت المجلس الإيطالي الكبير للفاشية على اقتراح بحجب الثقة ضد موسوليني، وقام الملك باستبداله بالمارشال بيترو بادوليو، ثمّ أصدر أوامره للشرطة الإيطالية باعتقاله.
عندما تلقى هتلر خبر اعتقال حليفه موسوليني كان الزعيم الألماني غاضباً بشدّة، فقد كان قد التقى بموسوليني في 19 يوليو/تموز، أي قبل 5 أيامٍ من اعتقاله.
وعلى الفور أصدر هتلر أوامره بإنقاذ موسوليني من الأسر وتسليمه إلى ألمانيا، وقام هتلر بإسناد الأمر إلى الضابط أوتو سكورزيني، وأطلقت على العملية اسم عملية البلوط، بحسب ما ورد في تقرير لـ ww2db.
تم تكليف سكورزيني بإيجاد وإنقاذ موسوليني، كما طلب منه السيطرة على روما إذا سنحت له الفرصة.
قام معتقلو موسوليني بتغيير مكان اعتقاله في الكثير من المرّات، أولاً في بونزا، ثم في لا مادالينا، وكملاها (جزيرتان صغيرتان في البحر التيراني)، بينما كان أوتو سكورزيني يتعقبُّ مكان اعتقاله.
في 8 سبتمبر/أيلول 1943، استسلمت إيطاليا علناً لقوات الحلفاء، وزادت مخاوف الألمان من تسليم الإيطاليين موسوليني إلى الحلفاء، فتضاعفت جهود سكورزيني من أجل إيجاد مكان اعتقال موسوليني وتنفيذ عملية إنقاذه وتسليمه إلى ألمانيا.
أخيراً تأكد سكورزيني بأنّ موسوليني متواجدٌ في معتقل في فندق غران ساسو، ليخبر قائده الرائد هارالد مورس بالبدء في التخطيط لعملية الإنقاذ.
قرر سكورزيني إجراء عملية الإنقاذ بطائرة شراعية؛ حيث كانت الجبال المحيطة شديدة الانحدار بالنسبة لهجوم المظليين. عند التحديق في الصور الجوية، قرر سكورزيني أن يهبط بالطائرات الشراعية فيما يبدو أنه منطقة مسطحة خلف الفندق.
كانت القوة الهجومية التي حدّدها سكورزيني تتألف من 12 طائرة شراعية DFS 230 مع القوات الألمانية المحمولة جواً، و16 عنصراً من وحدة العمليات الخاصة الألمانية.
على الجانب الإيطالي، قام حوالي 100 من رجال الشرطة الإيطاليين بحراسة الفندق نفسه، بينما قام 100 آخرون بحراسة محطة التلفريك السفلية.
عملية البلوط لإنقاذ موسوليني
وفقاً لـhistory، كان على الألمان شن الغارة في الساعة الـ7 صباح يوم 12 سبتمبر/أيلول 1943، لكن الطائرات الشراعية وصلت متأخرة وتأخر الإقلاع حتى الساعة الـ13 ظهراً، كما تحطمت اثنتان من الطائرات الشراعية عند الإقلاع، وقوة الهجوم بعشرة طائراتٍ فقط. علم سكورزيني أن الحقل الذي حدّده لهبوط الطائرات الشراعية خلف الفندق لم يكن مستوياً، بل كان منحدراً مرتفعاً بشكل حاد، تتناثر فيه الصخور.
بينما أمر قائد المظلات الألماني الرائد هانز مورس بإجهاض العلية من الأساس، أمر سكورزيني الطائرات الشراعية بمحاولة الهبوط على مساحة صغيرة أمام الفندق.
تحطمت طائرة شراعية واحدة أثناء الهبوط، وهبط سكورزيني بمهارة على بُعد 30 قدماً فقط من مدخل الفندق. كان على مرسى والمظليين تغطية الطرق ومنع أي قوات تحاول دخول المنطقة. كان سكورزيني معه الجنرال فرديناندو سوليتي، الذي كان يتحدث الإيطالية، فقام بحثّ الإيطاليين الذين فاق عددهم على الألمان، على عدم إطلاق النار.
بعد دقائق من نزوله من الطائرة الشراعية أمام الفندق، كان سكورزيني يقف أمام موسوليني، وأخبره بأنّ "الفهرر أرسلني لتحريرك".
عانق موسوليني الضابط الألماني سكورزيني وقال: "علمت أن صديقي أدولف هتلر لن يتركني في حالة ترنح"، طوال تلك العملية لم يتمّ إطلاق رصاصة واحدة!
نظرًا لأن الطريق إلى روما كان يعتبر خطيراًللغاية وكان المظليين الألمان مسلحين بشكل خفيف جداً، فقد تمّ التخطيط لوجود طائرة صغيرة قصيرة للهبوط في الفندق ونقل موسوليني إلى روما.
كانت الطائرة المخصصة للعملية تسع لثلاثة أفراد فقط، مع ذلك خاطر سكورزيني، وقام بصعود الطائرة والقيام شخصياً بمرافقة موسوليني إلى إيطاليا.
مع الوزن الزائد كادت طائرة موسوليني أن تقع في الطريق، لولا الخبرة الكبيرة التي تمتّع بها سائقها.
نجح سكورزيني في إيصال موسوليني إلى روما، ومن تمّ إلى برلين، قبل أن يستقرّ سكورزيني في فيينا بعد أن نجح في قيادة عملية البلوط نجاحاً تاماً دون إطلاق رصاصة واحدة!
هتلر يعيد صديقه موسوليني إلى السلطة مجدداً
صُدم هتلر برؤية صديقه القديم في 14 سبتمبر/أيلول يمخبئه السري في الغابات خارج بلدة راستنبرغ، كان مظهر موسوليني مثيراً للشفقة، حيث خسر مقداراً ملحوظاً من وزنه منذ آخر مرة التقى فيها مع الزعيم الألماني.
أثناء وجوده في فيينا، تلقى سكورزيني مكالمة من هتلر شخصياً، قام هتلر بترقية رجل SS إلى الرائد، ومنحه وسام الفرسان، قال له "اليوم، قمت بمهمة سوف يسجلها التاريخ".
استراح موسوليني لفترة قصيرة، قبل أن يكلفه هتلر بمسؤولية المنطقة التي يسيطر عليها الفاشيون في شمال إيطاليا؛ حيث أطلق النار على العديد من الأشخاص الذين أطاحوا به، وشكّلأ حكومة فاشية جديدة.
ولكن في 27 أبريل/نيسان 1945، وأثناء محاولته التسلل إلى سويسرا وهو يرتدي زي جندي ألماني، تم القبض عليه مع عشيقته، كلارا بيتاتشي، من قبل ثوار إيطاليين، لم يعط هؤلاء الثوار لموسوليني وقتاً هذه المرة، فقد تم إطلاق النار عليه رفقة عشيقته، وتعليقهما في ساحة المدينة في ميلانو، وضرب جثتيهما بالأحذية. أما هتلر فقد كان يعيش لحظات صعبة، فبعد يومين من إعدام موسوليني انتحر الزعيم الألماني.