احتضن ملعب نيلسون مانديلا ببراقي، بالجزائر العاصمة، حفل ومباراة افتتاح بطولة كأس إفريقيا للمحليين في نسختها السابعة، ويتساءل الكثيرون عن سبب تسمية هذا الملعب باسم الزعيم الإفريقي الراحل، لكن وراء التسمية علاقة وثيقة بين الرجل الذي حارب نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا والجزائر، خصوصاً في فترة حرب التحرير الجزائرية.
مانديلا ينضمّ إلى الثورة الجزائرية ويتلقى تدريبه العسكري في جبال الجزائر
خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، انخرطت كل من جنوب إفريقيا والجزائر في معارك شديدة من أجل الاستقلال عن الاستعمار، كانت جنوب إفريقيا لا تزال تحت نظام الفصل العنصري، حيث تم تقييد حقوق الأغلبية غير البيضاء بشدة، بينما كانت الجزائر تحارب بشدة من أجل استرجاع حريتها من الاحتلال الفرنسي، وأعطت مثالاً على المقاومة أصبح عنواناً للفخر في كلّ العالم حينها.
تأثر مانديلا، الذي كان آنذاك زعيم المؤتمر الوطني الإفريقي، بشدة بالثورة الجزائرية وحركات الاستقلال في دول إفريقية أخرى، كان يرى نضال الجزائريين ودول إفريقية أخرى كجزء من نضال أكبر من أجل الحرية والتحرر لجميع الشعوب المضطهدة، وكان يستوحي نضاله في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري من تضحيات الشعب الجزائري وشجاعته في كفاحه من أجل طرد الاحتلال الفرنسي عن بلاده.
في صيف عام 1961، قام مانديلا برحلة سرية إلى الجزائر، حيث التقى بقادة جبهة التحرير الوطني، الحزب السياسي الذي قاد الثورة الجزائرية. خلال هذه الرحلة، قام مانديلا بزيارة وحدات جيش التحرير الجزائري في مدينة وجدة المغربية، التي كانت ترابط على الحدود، قبل أن يدخل إلى الجزائر رفقة عناصر من المؤتمر الوطني الإفريقي لتلقي تدريباتهم العسكرية داخل الجزائر.
طوال تلك السنة، تلقّى مانديلا ورفاقه تدريباً على حرب العصابات، ما ساعده ورفاقه في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على تطوير تكتيكات أكثر فاعلية لمحاربة حكومة الفصل العنصري.
وبعد استقلال الجزائر، وعودة مانديلا إلى جنوب إفريقيا من أجل مقاومة نظام الفصل العنصري، أعاد المناضل الجنوب إفريقي إرسال العديد من دفعات مقاتلي حزبه للتدريب بالجزائر على القتال.
مانديلا.. الثورة الجزائرية هي من صنعتني
أعجب مانديلا كثيراً بالثورة الجزائرية، واعتبرها المثال الذي يجب الاحتذاء به بجنوب إفريقيا من أجل إنهاء نظام الفصل العنصري، ويذكر نيلسون مانديلا في مذكراته التي كتبها بعنوان "الدرب الطويل نحو الحرية" بأنه استلهم قيم الحرية من الثورة الجزائرية، وأنّ هذه الأخيرة مَن صنعت منه رجلاً. وكتب مانديلا يقول: "الثورة الجزائرية هي النموذج الأقرب لثورتنا، كون المجاهدين الجزائريين واجهوا جالية مهمة من المستعمرين البيض، الذين كانوا يحكمون أغلبية الأهالي".
ويضيف مانديلا في مذكراته عن جيش التحرير الوطني الجزائري، "كانوا جيشاً مغواراً يضم محاربين كسبوا رتبهم في خضم الحروب، وكانوا مولعين بالحرب والاستراتيجية القتالية أكثر منه بالزي العسكري والاستعراضات العسكرية"، وكتب مانديلا "كنت أعلم أن قواتنا تشبه أكثر جنود الجزائر، وكنت آمل أن يحاربوا بمثل هذه البسالة".
انقطعت علاقة مانديلا بالجزائر بعد سنة 1962، وذلك بعد أن تمَّت إعادة اعتقاله بتهمة قيامه بنشاطٍ عسكري لقلبِ نظام الحكم والقضاء على حكومة التمييز العنصري، والسّعي لإحداث فوضى في البلاد عن طريق دعم تنظيمات مسلحة، وصدر في عام 1964 حكم ينص على سجن نيلسون مانديلا مدى الحياة، وتم نقله إلى سجن يقع في جزيرة روبين، حيث قضى مدة 18 سنة، مُعظمها كانت في الأشغال الشاقة.
أوّل دولة يزورها مانديلا بعد خروجه من السجن كانت الجزائر
بقي نيسلسون مانديلا في السجن 28 سنة كاملة، وكانت الجزائر أول بلد يزوره مانديلا بعد إطلاق سراحه من السجن عام 1990. كانت هذه بادرة عرفان رمزية، أراد من خلالها الاعتراف بالإلهام الذي منحته إياه الثورة الجزائرية، والدعم الذي قدمه الجزائريون ضد نظام الفصل العنصري.
وبعد وفاته سنة 2013، أعلنت الحكومة الجزائرية الحداد الوطني لمدة ثمانية أيام، وهو شرف مخصص فقط لرؤساء الجزائر.
الجزائر تطلق اسم مانديلا على ملعب براقي
استمرت العلاقة الوثيقة بين جنوب إفريقيا والجزائر لفترة طويلة بعد انتهاء الفصل العنصري، مع تعاون البلدين بشكل وثيق من خلال العمل معاً لتعزيز السلام والديمقراطية والتنمية في القارة، وبلغت ذروتها في قرار تسمية أحد ملاعب الجزائر العصرية باسم بطل مناهضة الفصل العنصري نيلسون مانديلا.
ويقع ملعب نيلسون مانديلا في ضواحي مدينة براقي بالعاصمة الجزائرية، ويتسع الملعب لـ40 ألف متفرج، وافتُتح رسمياً الخميس 12 يناير/كانون الثاني 2023، بحضور الرئيس الجزائري ورئيس الفيفا ورئيس الكاف.
وخلال التدشين أبرز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تاريخ علاقة نيلسون مانديلا بالجزائر، وتقدير الجزائر لهذه الشخصية الإفريقية العالمية، لتطلق اسمه على الملعب الذي سيكون له دورٌ في ارتقاء الرياضة الإفريقية حسب السلطات الجزائرية.