يشكلون 6% من مجموع السكان، واستطاعوا تحقيق العديد من النجاحات منذ وصولهم إلى "العالم الجديد" في القرن التاسع عشر.. نتحدث عن العرب في البرازيل والذين يبلغ عددهم قرابة 11.6 مليون، معظمهم من لبنان وسوريا، فكيف وصل هؤلاء المهاجريون إلى البرازيل؟ ولماذا اختاروا أكبر دولة في أمريكا اللاتينية لتكون وجهتهم؟ وإلى أي مدى استطاعوا الاندماج في المجتمع البرازيلي؟
العرب في البرازيل.. بداية الهجرة
وفقاً للمؤرخين فقد بدأت هجرة العرب إلى البرازيل في أواسط القرن التاسع عشر. في البداية اقتصر الأمر على العائلات اللبنانية والسورية ثم توالت هجرة العرب من جنسيات أخرى إلى البرازيل. وفي حين يذكر بعض المؤرخين أن أول عائلة عربية حطت رحالها في البرازيل كانت عائلة لبنانية هاجرت إلى مدينة ريو دي جانيرو عام 1835.
مع ذلك يرجح بعض الباحثين وجود علاقة أقدم بين العرب والبرازيل تعود إلى القرنين السادس والسابع عشر، حيث يقول المؤرخ البرازيلي ذو الأصول العربية روبرتو قطب، إن العرب وصلوا إلى البرازيل منذ سنوات اكتشافها الأولى حتى إن المؤرخين ذكروا أسماء أشخاص عرب كانوا على متن رحلات البحار البرتغالي بيدرو ألفاريس كابرال، الذي وصل إلى البرازيل عام 1500.
فضلاً عن ذلك يؤكد العديد من المؤرخين أن اللغة العربية كانت منتشرة في العديد من المدن البرازيلية منذ القرن السابع عشر، ويعود سبب انتشارها إلى العبيد الأفارقة الذين استقدمهم البرتغاليون إلى البلاد من مناطق عربية مسلمة.
استقلال البرازيل وعلاقات جديدة مع العرب
عندما حط البحار البرتغالي بيدرو ألفاريس كابرال رحاله في البرازيل للمرة الأولى عام 1500، كان السكان الأصليون لهذه البلاد عبارة عن قبائل متفرقة، الأمر الذي سهّل على البرتغاليين استعمار هذه البلاد المكتشفة حديثاً، حيث بدأ الاستعمار البرتغالي للبرازيل عام 1549.
ولم تنل البرازيل استقلالها بشكل رسمي حتى عام 1822. أما عن علاقة العرب بالبرازيل، فقد تغيرت بشكل جذري مع وصول الإمبراطور البرازيلي دوم بيدرو الثاني إلى السلطة، كان الإمبراطور واسع المعرفة مُحباً للاطلاع، ورغم أن لغته الأصلية هي البرتغالية فإنه أراد تعلم اللغات المحكية في بلاده ومن بينها اللغة العربية.
لم يكتفِ الإمبراطور بتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، بل شرع كذلك في ترجمة رواية ألف ليلة وليلة إلى البرتغالية.
ليس هذا فحسب، بل عمد الإمبراطور البرازيلي أيضاً إلى زيارة بعض البلدان العربية، فزار مصر ولبنان وفلسطين وسوريا في الفترة ما بين عامي 1871 و1877، ولم تكن تلك الزيارات لأهداف سياسية بقدر ما كانت لأهداف ثقافية ترمي إلى التعرف على شعوب وثقافة المنطقة العربية.
كان اهتمام الإمبراطور دوم بيدرو الثاني بالثقافة العربية أحد أبرز العوامل التي شجعت الهجرة إلى البرازيل، التي كانت بمثابة "عالم جديد" بالنسبة للعرب آنذاك.
لماذا هاجر العرب إلى البرازيل؟
على الرغم من العلاقات القديمة بين العرب والبرازيل فإن الهجرة الحقيقية لم تبدأ حتى القرن التاسع عشر، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، أبرزها تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلدان العربية في تلك الفترة التي بدأت فيها الإمبراطورية العثمانية بالتهاوي.
وجدير بالذكر أن المهاجرين العرب إلى البرازيل آنذاك كانوا من رعايا الدولة العثمانية، لذلك أطلق عليهم البرازيليون لقب "توركو" أي "التركي"، ولا يزال هذا اللقب ملاصقاً لهم إلى اليوم.
كذلك فإن الحروب والنزاعات التي تتالت في المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية دفعت كثيراً من الشباب للهجرة إلى أوروبا عموماً، وكانت الحرب الأهلية اللبنانية العاملَ الأكبر الذي ساهم في هجرة عدد كبير من العائلات إلى البرازيل، التي فتحت أبوابها أمام المهاجرين ومنحتهم كثيراً من الامتيازات والتسهيلات.
وأحد الامتيازات التي حصلت عليها العائلات العربية المهاجرة، منح أرض لكل عائلة بهدف زراعتها واستثمارها، وبحكم خبرة السوريين واللبنانيين والفلسطينيين في مجال الزراعة فقد كانوا من أوائل الجنسيات العربية التي هاجرت واستقرت في البرازيل.
البصمة العربية في البرازيل
اندمج المهاجرون العرب في المجتمع البرازيلي، واستثمروا في المجالات كافة هناك، واستطاعوا ترك بصمتهم التي لا تزال واضحة إلى اليوم.
ففي مجال السياسة على سبيل المثال، تقلد العرب العديد من المناصب السياسية المهمة في البرازيل، فأصبحوا حكام ولايات ووزراء وأعضاء في البرلمانات ونواب رؤساء الجمهورية، حتى إن المهاجر من أصول لبنانية "ميشيل تامر" استطاع الوصول إلى كرسي الرئاسة عام 2016.
أيضاً تجد في البرازيل عدداً من الأطباء المهرة الذين أسسوا عدداً من المستشفيات، أبرزها "المشفى السوري اللبناني" الذي يعتبر من أبرز المستشفيات في أمريكا اللاتينية.
علاوة على ذلك، شهدت البرازيل دخول الأدب العربي إلى البلاد، وترجمت العديد من الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة البرتغالية. وظهر العديد من المؤلفين العرب المعروفين مثل الأديب المصري الحائز جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ، في كتالوجات دور النشر البرازيلية، وفقاً لموقع middle east monitor.
برع العرب أيضاًَ في مجال التجارة والزراعة، وحققوا نجاحات فردية هائلة في هذه المجالات، وأسسوا نوادي رياضية خاصة بهم، فتجد في البرازيل على سبيل المثال النادي السوري لكرة القدم، ونادي جبل لبنان، وغيرهما.
وبالتأكيد غزت المأكولات العربية المائدة البرازيلية، فإذا زرت البرازيل يوماً فستجد ما يحلو لك من أصناف الطعام العربي في كل مكان.
حي العرب في البرازيل
تجد اليوم العديد من الشوارع والأحياء التي تحمل أسماء شخصيات أو دول عربية في البرازيل، فلدينا على سبيل المثال شارع "ماريا معلوف" و"سليم فرح" و"شارع الجمهورية اللبنانية" و"جادة فلسطين" وغيرها.
لكن الحي العربي الأكثر عراقة هو "حي العرب"، فبعد أن زار الإمبراطور البرازيلي دوم بيدرو الثاني عدداً من المناطق العربية بدأ العرب يتوافدون بكثرة إلى البرازيل التي احتوتهم وفتحت لهم أبوابها، وأسس معظمهم محال تجارية خاصة بهم في الحي الملاصق لشارع "25 مارس" (حيث إن هذا التاريخ يوافق ذكرى التوقيع على أول دستور برازيلي عام 1824).
ومع مرور الزمن تحوّل هذا الحي إلى أكبر مركز تجاري في البرازيل، وشاعت تسميته باسم "حي العرب"؛ لكثرة وجودهم وتأثيرهم فيه.
وفي عام 2008 اختير تاريخ 25 مارس/آذار ليكون أيضاً اليوم الوطني للجالية العربية في البرازيل، وهو يوم للاحتفاء بهذه الجالية التي قدمت العديد من الإنجازات للبلاد.
العرب في البرازيل.. أرقام وإحصائيات
لا تزال البرازيل إلى اليوم وجهة للعديد من المهاجرين العرب خاصة بعد الربيع العربي، لا سيما أنها تمنح الجنسية للمواليد على أراضيها، كما تمنح لأهالي هؤلاء المواليد الإقامة الدائمة.
في إحصائية نشرتها الغرفة التجارية العربية البرازيلية عام 2020، تبين أن العرب يشكلون نسبة 6% من مجموع سكان البرازيل، إذ يبلغ عددهم قرابة 11.61 مليون عربي ومتحدر من أصول عربية.
وقال القائمون على الدراسة الإحصائية إن هامش الخطأ يعادل نسبة 2%، وبالتالي نستطيع أن نقول على وجه الدقة، إن عدد أبناء الجالية العربية في البرازيل يتراوح بين 9.52 مليون شخص و13.69 مليون.
وبينت الدراسة الإحصائية أن أبناء الجالية العربية ينتمون إلى 12 بلداً عربياً. إذ تبلغ نسبة المتحدرين من أصل لبناني 27%، وسوري 13%، ومغربي 6%، وسعودي 6%، ومصري 5%، وفلسطيني 5%، وجزائري 3%، وأردني 3%، وليبي 3%، وصومالي 3%، وبحريني 1%، وقطري 1%.
أما بالنسبة للمجموعات الدينية التي تنتمي إليها الجالية، فيشكل أتباع الديانة المسيحية من كاثوليك وأرثوذوكس وإنجيليين نسبة 43% من المجموع، بينما يشكل المسلمون نسبة 16%. وقد قال 23% إنهم يعتنقون أدياناً أخرى، أو لا يتبعون أي ديانة على الإطلاق.