عند تأسيس المنتخب البرازيلي لكرة القدم، سنة 1914، كان البرازيليون يرتدون ملابس بيضاء بالكامل مع ياقات زرقاء، وهو الطقم الذي استمرّ معهم في العقود المتتالية، ولم يظهر الزي الحالي لمنتخب السيليساو، والذي يحتوي الألوان الصفراء والزرقاء والخضراء، سوى بعد مونديال 1950، الذي استضافته البرازيل، وشهد هزيمة مروعة لرفقاء النجم فرياكا في ملعب ماراكانا، وهي المأساة التي سمّيت باسم "ماراكانازو".
وبعد تلك المأساة جاء شاب برازيلي اسمه "بيليه"، ليجعل القميص الجديد للسيليساو الأشهر في تاريخ لعبة كرة القدم، فما قصة الألوان الصفراء والخضراء والزرقاء التي تزيّن القميص البرازيلي؟
لماذا غيّرت البرازيل قميصها من اللون الأبيض إلى الألوان الصفراء والخضراء والزرقاء؟
في سنة 1914، لعب منتخب البرازيل أوّل مباراة له في تاريخه، كانت تلك المباراة ضد نادي إكستر سيتي الإنجليزي، وهي المباراة التي انتهت بفوز منتخب البرازيل بثنائية نظيفة، كان الزي الذي لعب به البرازيليون في تلك المباراة عبارة عن ملابس بيضاء بالكامل مع ياقة زرقاء.
رافق الزي الأبيض مع الياقة الزرقاء المنتخبَ البرازيلي في مشاركاته في كأس العالم في نسخه لأعوام 1930، و1934، و1938، ونسخ كوبا أمريكا خلال تلك الفترة، وكان البرازيليون ينتظرون بشغف النسخة الرابعة من كأس العالم، والتي تحتضنها البرازيل من أجل التتويج بأوّل كأس.
دخل منتخب السامبا مونديال 1950 على أرضه بزيه الأبيض، وكان على بُعد تعادلٍ واحدٍ في مباراته الأخيرة أمام منتخب الأوروغواي للتتويج بكأس العالم.
وأمام 200 ألف شخص احتشدوا في ملعب الماراكانا للاحتفال بالتتويج باللقب، وهو الرقم الذي لا يزال أكبر نسبة حضور على الإطلاق في مباراة كرة قدم، باغت منتخب الأوروغواي البرازيليين بهدف قاتل قبل نهاية المباراة بـ11 دقيقة، لتفوز الأوروغواي باللقب الثاني لها على الأراضي البرازيلية، أمام صدمة برازيلية هائلة، حيث أطلق على تلك المباراة سيئة الذكرى للبرازيليين اسم مأساة ماراكانازو.
حمّل البرازيليون الزي الأبيض مسؤولية تلك المأساة، كونه كان لا يحمل الألوان الوطنية للعلم البرازيلي، فقرروا تغييره لنسيان مأساة ماراكانازو، وذلك حسب BBC.
ومن أجل ذلك، أجرت صحيفة Correio da Manhã، التي تتخذ من ريو مقراً لها، في سنة 1953، مسابقة للجماهير لإرسال تصميمات قمصان كرة قدم برازيلية جديدة، تشبه علم البلاد، تحلّ محلّ القميص غير المحظوظ.
بحسب الصحيفة، تنافس أكثر من 300 مصمم على تصميم القميص الجديد، ونصت قواعد المسابقة على أن المصممين يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار المجموعة الكاملة من القميص إلى السراويل القصيرة والجوارب، بالإضافة إلى ذلك نصّت القواعد على إمكانية تطبيق التصميم الفائز على أطقم رياضات أخرى.
كان الفائز في المسابقة هو الشاب ألدر جارسيا شلي، البالغ من العمر 19 عاماً، الذي كان يعمل رساماً لصحيفة محلية في بيلوتاس بجنوب البرازيل، وأطلق على التصميم اسم قميص "كانارينهو".
جاء شلي بتصميم قميص باللون الأصفر والأخضر، مع شورت أزرق وأبيض، وهو التصميم الذي فاز على إثره شلي بجائزة بما يعادل 20 ألف ريال برازيلي، وتدريب داخلي في صحيفة Correio da Manhã.
في 14 مارس/آذار 1954، ظهر القميص البرازيلي الجديد إلى العلن لأوّل مرة حين فازت البرازيل على تشيلي بهدف لصفر.
لماذا اختيرت الألوان الصفراء والخضراء والزرقاء في تصميم القميص البرازيلي؟
عند إطلاق مسابقة لتصميم قميص جديد للمنتخب البرازيلي، تم وضع قاعدة أساسية في الاختيار، وهي ألوان العلم البرازيلي، وبالتالي فإنّ أصل الألوان المجسدة حالياً للقميص البرازيلي مستوحاة من علم إمبراطورية البرازيل، التي تأسست عام 1822، عندما أعلنت استقلالها عن البرتغال، لكن كيف وصلت تلك الألوان إلى العلم؟
حسب الموسوعة البريطانية، تم تصميم هذا العلم الجديد من خلال دمج ألوان إمبراطور وإمبراطورة البرازيل، كان الإمبراطور البرازيلي بيدرو الأول، ينتمي إلى منزل براغانزا، الذي كان يرمز إليه باللون الأخضر- نوع من التنين- لتمثيل القديس جورج، بينما كانت الإمبراطورة ماريا ليوبولدينا- التي كانت أخت زوجة نابليون- من منزل هابسبورغ، الذي كانت ألوانه الأسود والأصفر، ومن ذلك أصبح علم الإمبراطورية البرازيلية الأصفر والأخضر، وفي وسطه شعار النبالة الإمبراطوري.
لكن ماذا عن اللون الأزرق؟ في عام 1889، تخلت البرازيل عن نظامها الملكي، وأصبحت جمهورية، وبالتالي كان لا بد من إزالة شعار النبالة الإمبراطوري في وسط العلم القديم.
تم استبدالها بدائرة زرقاء مليئة بالنجوم البيضاء، لتمثل سماء ليل ريو دي جانيرو في الـ15 من نوفمبر/تشرين الثاني 1889، اليوم الذي أصبحت فيه البرازيل جمهورية، كما تمثل كل نجمة في الدائرة الزرقاء محافظة فيدرالية للبرازيل، مع حجمها المطابق للحجم الجغرافي للمنطقة.
وهكذا وُلد علم جديد للجمهورية البرازيلية، مع تغيير طفيف في لونه القديم الأخضر والأصفر، وشعار جديد- Ordem e Progresso، الذي يعني النظام والتقدم، كانت هذه ألوان تصميم ألدر شلي لقميص منتخب البرازيل في كأس العالم 1954 وإلى اليوم.
بيليه جعل القميص البرازيلي الأكثر شهرة في العالم
بعد أربع سنوات فقط من تغييره من الأبيض إلى الألوان الأصفر والأخضر والأزرق، بدأ شاب برازيلي المسيرة الكروية، التي جعلت القميص البرازيلي أكثر زي رياضي مشهور في العالم، كان ذلك الشاب اسمه بالطبع "بيليه".
في سنّ 17 عاماً فقط، قاد بيليه بالقميص الجديد منتخب السيليساو إلى نهائي كأس العالم 1958، وسجّل هدفين في مرمى السويد، لتنتهي المباراة بفوز البرازيل 5-2، وفقد بيليه الوعي مع صافرة النهاية.
استمرّ توهج البرازيل بقميصها الجديد في مونديال تشيلي 1962، حين تمكن بيليه مرة ثانية من قيادة السامبا للفوز باللقب الثاني على التوالي.
حقّق القميص البرازيلي مكانة أسطورية في مونديال المكسيك عام 1970، عندما تم بث كأس العالم بالألوان لأول مرة، فقد نجح رفقاء الراحل بيليه في الفوز بجميع مبارياتهم، وتحقيق الكأس الثالثة للبرازيليين، كان منتخب البرازيل 1970 من أحسن أجيال كرة القدم، بفضل طريقة اللعب الإنسانية والجميلة التي طبعها رفقاء بيليه.
وهكذا أصبح بيليه وزملاؤه في الفريق باللون الأصفر والأخضر والأزرق مرتبطين بشكل لا نهائي بفكرة اللعبة الجميلة، وهي عبارة روج لها بيليه بنفسه.
استمرت نجاحات البرازيل في كأس العالم بالقميص الأصفر والأخضر والأزرق، حيث نجحوا في الفوز بمونديال 1994 و2002، وخسروا نهائي 1998 أمام فرنسا.