على عكس العديد من الثقافات والمجتمعات الأخرى من حول العالم، تتمتع المرأة الأمازيغية بمكانة شديدة الأهمية في المجتمع الأمازيغي التقليدي في مختلف دول المغرب العربي.
اضطهاد المرأة في المجتمعات قديماً
تاريخياً، مُنحت المرأة مستويات متفاوتة من الاحترام في فترات تاريخية مختلفة وثقافات وديانات مختلفة. في عالم ما قبل الإسلام، على سبيل المثال، كانت النساء يُعتبرن من الدرجة الثانية في تسلسل البشر، وكان يُنظر إليهن كرموز للعار والخزي، حتى وصلن أحياناً لممارسات مثل وأد المواليد من الإناث ودفنهن وهن لا يزلن على قيد الحياة.
وفي العالم الغربي، كان يُنظر إلى النساء مثل الممتلكات كالمنازل أو قطع الأرض أو المواشي، أو كنّ يعتبرن ساحرات ومشعوذات، أكثر ميلاً للإصابة بالأمراض الغريبة والمس الشيطاني والجنون.
وبحسب موقع Morocco World News المغربي، وصل الأمر إلى ابتكار أقوال شعبية في العصور المظلمة مثلاً، تدلل على مدى هشاشة وضعف المرأة، وميلها إلى أن تصبح سبباً للخراب لمن حولها، كما تصورها مقولة "النساء أقرب إلى الشيطان منها إلى الماء المقدس".
بينما في بعض المجتمعات الآسيوية، اعتُبرت النساء رمزاً لسوء الحظ في بعض الثقافات. كما يقول المثل الكوري "إذا لم تضرب امرأتك لمدة ثلاثة أيام فإنها تصبح ثعلباً".
دور قيادي للمرأة الأمازيغية عبر التاريخ
على عكس معظم الثقافات، لطالما كانت المرأة الأمازيغية من أهم عوامل بناء الحضارات في دول شمال إفريقيا، إذ لعبت النساء أدواراً قيادية بارزة، بما في ذلك القيادات العسكرية والتربية والبناء الديني والروحي للمجتمع، حتى أصبحت واحدة ضمن الآلهة الأمازيغية.
كانت النساء في حضارات شمال إفريقيا التي يسكنها الأمازيغ البربر تسمى "تمغارت"، وهي مرادفة لكلمة "زعيم" في اللغة العربية.
وعلى مر التاريخ، كانت النساء الأمازيغيات مسؤولات دوماً عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو حتى الدينية لأسرتها ومجتمعها، فكانت مصدراً للحياة والازدهار والبركة.
الآلهة الأمازيغيات تقديساً للنساء
بملاحظة مكانة المرأة الأمازيغية في المجتمع، يتضح تقديسها في العديد من الأدوار التي لعبتها، ودليل على ذلك وجود ثلاثة أمثلة من النساء الأمازيغيات، اللواتي مثّلن مكانة المرأة في التاريخ الأمازيغي:
1- تانيت
على عكس العديد من المجتمعات القديمة، تم تبجيل النساء، ليس فقط كبشر عاديين في المجتمع الأمازيغي، ولكن أيضاً كآلهة. فكان الأمازيغ في قرطاج، تونس اليوم، يعبدون إلهة أنثى تدعى "تانيت" حوالي سنة 400 قبل الميلاد. وقد كانت تُعتبر رمزاً للرخاء والخصوبة والحب.
ويشير المؤرخون إلى أن العسكريين الأمازيغيين مارسوا طقوساً معينة، تكريماً لها بشكل خاص لتحصيل البركة. وسط اعتقادات بأن اسم تونس الحالي، وأثينا اليونانية، هما تصريفات لاسم هذه الإلهة بعد تحريفها في اللغة تقديراً لدور المرأة الأمازيغية.
تتجلى "تانيت" في الثقافة والأساطير الأمازيغية من خلال التحف والتماثيل والتمائم والآثار والفسيفساء والزخارف الأمازيغية. وكان الرمز الشهير الذي يشير إلى "تانيت" هو مثلث تعلوه دائرة تفصل بين الشكلين، وخط أفقي يشبه نسبياً مفتاح الحياة في الحضارة المصرية القديمة.
2- تين هينان
كما يسميها الأمازيغ الأصليون في أزواد والمناطق المحيطة بها، مثل بعض مدن مالي ونيجيريا وليبيا والجزائر، تعني "تين حانين" أو "تينهينان" أو "تامنو غالت"، "هي التي في الخيام" أو "القائدة"، وكانت تعتبر الأم الروحية لقبائل الطوارق.
وبالتالي، يُفسر اسم تين حانين بـ"أم القبيلة" أو "ملكة المخيم"، وقد لعبت هذه الإلهة دوراً كبيراً في حماية قبائلها، إذ كانت ترمز للاستقرار الاجتماعي والسياسي والروحي لقبائل الطوارق.
ويُعتقد بحسب مؤرخين، أن "تينهينان" كانت ملكة جاءت من واحة تافيلالت في جبال الأطلس في منطقة المغرب، التي نعرفها اليوم برفقة خادمة تدعى تاكامات. وكانتا تبحثان عن مكان مناسب للاستقرار، حيث يوجد الماء والأمان.
حظر تعدد الزوجات وعُرف "تامزالت"
هذا التقدير الاستثنائي للمرأة الأمازيغية وصل إلى مستوى بلغ حد حظر بعض التقاليد والمفاهيم العربية والإسلامية، ألا وهو تعدد الزوجات.
إذ من أسباب غياب مفهوم التعدد في المجتمع الأمازيغي، تطبيق ما بات يُعرف بقانون "تامزالت"، أو "حق الشقاء"، والذي يفرض على الرجل إعطاء زوجته نصف أملاكه في حالتي الطلاق أو الزواج من أخرى.
وبحسب الباحث في العلوم الاجتماعية، حسن الخالدي، لأصوات مغاربية أيضاً، فإن عُرف "تامزالت" في القبائل الأمازيغية يفرض على الزوج إعطاء نصف ثروته وأملاكه إلى زوجته "كونها المساهمة الأولى في توفير الظروف المناسبة للزوج داخل البيت، والتي حققت له النجاح في عمله وتجارته".
المرأة الأمازيغية "عامود" المنزل والمجتمع
يوضح الكاتب الأمازيغي مولود فرعون، في روايته عن لمجتمع القبائلي "ابن الفقير"، الصادرة سنة 1950، أن المرأة سُميت في الإرث الأمازيغي بـ"آشغ آلمّاس"، والتي تعني العمود الأوسط الذي يقوّم بناء البيت.
حيث عملت المرأة الأمازيغية على حمل الأدوار الريادية في المجتمع منذ القديم، فكانت هي من تقرر وتختار المنطقة التي يتم فيها رفع أسس الخيام والبيوت، وكان هذا سر تسميتها بعمود البيت المحوري أو الأوسط.
وبحسب عالم الاجتماع المغربي الهادي عبد اللاوي لموقع أصوات مغاربية، كان من بين أهم الأدوار التي تقوم بها المرأة الأمازيغية القيام بنسج جميع فُرش البيت، والعمل على التأمين الغذائي للعائلة، وعملية التموين، طيلة موسمي الحرث والحصاد، وهو الدور الذي تُقاسم الرجل فيه، رغم مهامها داخل البيت، التي تتمثل في الأعمال التي تقوم بها ربة المنزل.
لذلك لطالما كانت النساء عضواً مهماً في العائلات والمجتمعات الأمازيغية بشكل خاص. وحتى اليوم لا تزال هناك قبائل تشيد بالقديسات الأمازيغيات، اللواتي يطلق عليهن اسم "ليلا"، وهو مصطلح يستخدم لتكريم الشخصيات المباركة من ذوي السمعة الطيبة في المجتمع.