خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وأثناء الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي عصفت بالعالم، والتي اشتهرت باسم"الكساد العظيم"، حَرم الفقر المنتشر في الولايات المتحدة العديد من العائلات الأمريكية من شراء الأقمشة والملابس، ما دفعهم إلى استخدام أكياس الطحين لصنع الملابس والستائر، الأمر الذي دفع حتى مصانع الألبسة والحقائب إلى السير بخطى الفقراء الأمريكيين، وتصميم منتجاتهم باستخدام أكياس الطحين، والتنافس لجعل هذه الملابس الموضة الأكثر جمالاً وقتها.
كما سارعت المصانع المختصة بتعبئة الطحين إلى صنع أكياس من الأقمشة المزخرفة بالورد والأشكال المتنوعة والألوان المشرقة؛ لتصبح ملابس الأطفال جميلة! في مساهمة منها لبروز هذه الموضة.
الكساد العظيم يُجبر الأمريكان على لبس أكياس الطحين
في يوم الثلاثاء الأسود، انهارت سوق الأسهم في بورصة وول ستريت، وأثرت الأزمة المالية التي نشأت عن الكراك المعروف في عام 1929 على العالم أجمع لمدة عقد كاملٍ تقريباً.
أدى هذا الكساد العظيم في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية إلى ارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 25%، بحيث كان حوالي 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، وافلست نصف بنوك البلاد تقريباً.
أمام هذا الوضع الاقتصادي السيئ، لم تكن فكرة إعادة استخدام الملابس بصفتها أكثر طريقة لتوفير الموارد للعائلات مناسبة أكثر لمجابهة الأزمة، كونها أثرت أيضاً على الأقمشة نفسها التي تصنع منها الملابس، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى استخدام عقولهم لابتكار حلٍّ يخرجهم من أزمة الأقمشة الباهظة الثمن.
وبالنظر إلى الفرص القليلة لشراء أقمشة أو ملابس جديدة، توصل الأمريكيون إلى فكرة استخدام أكياس الطحين والمنتجات الغذائية من أجل صناعة الملابس، بحيث استفادت العائلات الأمريكية من القماش القطني المُستخدَم في أكياس الطحين والبطاطس والأعلاف وغيرها من المنتجات.
كان هذا الابتكار في الحقيقة قديماً، إذ بدأت هذه الممارسة بالفعل منذ القرن الـ19 في المناطق الريفية، باستخدام مواد أخرى مثل الخيش، إذ كانت حينها المنتجات الغذائية تُباع في براميل خشبية، ولكن تم استخدام أكياس قطنية أرخص، ما سمح بإعادة استخدامها أيضاً في صناعة المناشف واللحف، وغيرها من الضروريات المنزلية.
حتى الشركات الكبرى صارت تنتج ملابس من أكياس الطحين
بينما ظلت هذه الممارسة حلّاً لمجابهة الفقراء في أمريكا الأزمة الاقتصادية، بحيث انتشرت الموضة الجديدة التي كانت عبارة عن ملابس بيضاء وملابس أخرى يمكنك أن ترى عليها شعار الشركات التي باعت منتجاتها في تلك الأكياس المعاد استخدامها.
تم صنع الفساتين والقمصان والأزياء الآخرى من قبل العائلات الأمريكية من خلال أكياس الطحين، في هذا الصدد كتب المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي أنه "بأكياس الأعلاف وأكياس الطحين، ارتقت الموضة إلى مستويات جديدة من الإبداع، وحوّلت تلك الأكياس المتواضعة إلى فساتين وملابس داخلية ومناشف وستائر وألحفة وغيرها من الضروريات المنزلية".
ومع ذلك، نظراً لأن هذه الملابس المصنوعة من أكياس الطحين أصبحت جزءاً من "الموضة" خلال تلك الفترة، بدأ مصنعو الملابس في الشركات، في استخدام الأكياس بتصميمات وألوان جميلة.
بالإضافة إلى تحويل أكياس الطحين إلى ملابس أكثر جاذبية، شكلت تلك الفكرة نجاحاً تجارياً كبيراً للشركات في أمريكا، بحيث تم الترويج للمنتجات التي يتمُّ بيعها في أكياس قطنية باستعمال تصاميم وألوان جميلة من أجل زيادة نسبة المبيعات.
كانت تلك التصاميم تتحسن بشكل أفضل، بفضل التنافس على أفضل الزخارف التي يمكن استخدامها لملابس معينة مخصصة للأطفال أو البالغين.
حتى أنّ الشركة العملاقة "والت ديزني" تعاونت مع علامة تجارية للدقيق لتسويق أكياس مطبوعة عليها الرسوم المتحركة لـ "أليس في بلاد العجائب".
ومع الوقت صارت الملابس المصنوعة من أكياس الطحين شائعة لدرجة أن تحوّلت من كونها شيئاً مرتبطاً بالفقر إلى رمزٍ ثقافي، بحيث تمّ تنظيم مسابقات للملابس المصنوعة من الأكياس، كما انّ بعض القطع الفائزة معروضة الآن في متاحف بالولايات المتحدة، وفي عام 1951، ظهرت المغنية الشهيرة مارلين مونرو في ثوب مصنوع من كيس بطاطس في إعلان تجاري.