ظهر سلاح الدبابات لأول مرة، في سبتمبر/أيلول 1916، خلال معركة السوم بين القوات الألمانية وقوات الحلفاء، ورغم أنّ ذلك السلاح كان لديه بعض التأثيرات في المعركة، فإنّ الدبابات كانت مخيبة للآمال من نواحٍ كثيرة.
كانت الدبابات المستخدمة في البداية كثيراً ما تتعرض إلى الأعطال الميكانيكية، وتقع في الكثير من الأحيان في يد الخصم بعد الانسحاب، كما أنها كانت صيداً سهلاً لنيران المدفعية، مع ذلك تمّ تجريبها مرةً أخرى في معركة أراس، التي نشبت بين شهرَي أبريل/نيسان ومايو/أيار 1917، من خلال نموذج جديد، تم استخدام دبابات مارك-4 في معركة ميسينز، ومعركة إيبر الثالثة في وقت لاحق من العام نفسه.
بقيت نفس النظرة على سلاح الدبابات، كونها سلاحٌ لم يثبت فاعليته عند استخدامه على أرض غير مناسبة، مثل الطين أو الأرض المثقوبة بثقوب القذائف. ومع ذلك حققت الدبابات بعض النجاح في التعامل مع نقاط العدو القوية عند استخدامها على أرض صلبة مناسبة.
كانت المعركة البريطانية الكبرى عام 1917 هي معركة إيبر الثالثة، التي سقط خلالها أكثر من 250 ألف جندي بريطاني، ومع ذلك حينما كانت معركة إيبر الثالثة على وشك الانتهاء، كان القائد البريطاني دوغلاس هيج يخطط بالفعل لهجوم آخر ضد الألمان، كان من المقرر أن يتم ذلك أمام بلدة كامبراي الفرنسية، من قبل الجيش البريطاني الثالث، بقيادة قائده الجديد السير جوليان بينج. تعرّض الجيش الألماني لضغوط هائلة في معركة إيبر، وكان دوغلاس هيغ مقتنعاً بأن ألمانيا كانت منهكة ولا تقدر على الاستمرار في الحرب، وأنّ المزيد من الضربات ضد الجيش الألماني قد تُنهي الحرب قبل نهاية العام، كما كان حريصاً على تحقيق نصر قبل نهاية العام لإسكات الانتقادات المتزايدة لاستراتيجيته على الجبهة الغربية.
وفقاً لموقع western front association، عادة ما يتم تذكر معركة كامبراي على أنها المعركة التي استخدمت فيها الدبابات بأعداد كبيرة لأول مرة، كان العميد هيو إيليس من سلاح الدبابات البريطاني حريصاً على استخدام الدبابات بأعداد كبيرة في معركة كامبراي، التي كانت أرضاً مناسبة لهذا السلاح، في كامبراي واجه الجيش البريطاني الثالث الدفاعات الهائلة لخط هيندنبورغ الألماني، كانت الأرضية في المدينة الفرنسية صلبة، وبما أنه لم يكن هناك هجوم كبير في السابق، لم تكن هناك ثقوب في الأرض، ومع ذلك فإن الكثير من النجاح البريطاني في اليوم الأول من معركة كامبراي يرجع إلى استخدام ابتكارات أخرى غير الدبابة.
معركة كامبراي.. حين أراد الجيش البريطاني مفاجأة الألمان
في فجر يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، شنّ الجيش البريطاني الثالث هجوماً على منطقة كامبراي الفرنسية باستخدام أساليب مبتكرة، أصبحت سمة مشتركة للقتال على طول الجبهة الغربية في عام 1918، خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك حسب موقع iwm، المتخصص في التاريخ الحربي.
استخدم الهجوم كما سبق ذكره أكبر عدد من الدبابات التي تم تصنيعها حتى ذلك الوقت، واستخدمت قذائف مدفعية لم يتم تسجيلها من قبل، بهدف إعادة عنصر المفاجأة إلى ساحة المعركة، ولكن في النهاية استعادت الهجمات الألمانية المضادة المكاسب البريطانية المبكرة.
تم وضع خطة المعركة في محاولة للاستيلاء على قناة سانت كوينتين، التي كانت جزءاً من خط هيندنبورغ، الذي تسيطر عليه القوات الألمانية، والذي امتدّ لمسافة 40 كيلومتراً من كامبراي إلى لوفير، كانت الفكرة الأساسية هي الاستيلاء على كامبراي في هجوم مفاجئ باستخدام الدبابات، وبالفعل أعطيت الأوامر للجيش البريطاني للتقدم نحو كامبراي.
في سرية تامة، وتحت جنح الظلام، تم حشد حوالي 476 دبابة، و1000 مدفع، و8 فرق مشاة، و5 فرق سلاح الفرسان إلى كامبراي، وتمّ ضبط ساعة الصفر على 6.20 صباحاً، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1917.
كانت المشكلة الرئيسية عند البريطانيين في معاركهم ضد الألمان، في أي هجوم واسع النطاق على الجبهة الغربية، هي عدم القدرة على تحقيق عنصر المفاجأة، بحيث يسبق الهجمات قصف مدفعي طويل لقطع أحزمة الأسلاك الشائكة أمام خنادق العدو.
كانت الخطة في كامبراي هي الهجوم دون أي قصف أولي من أجل تحقيق عنصر المفاجأة، سمحت التقنيات الجديدة للمدفعية البريطانية بفتح النار على المواقع الألمانية مع بدء الهجوم، في حين تم استخدام الدبابات إلى حد كبير لتسوية الأسلاك الشائكة، خاصة أمام خط هيندنبورغ.
كان من المقرر أن يكون الهجوم على جبهة طولها ستة أميال ونصف ميل، وكانت أهداف الهجوم هي اختراق خط هيندنبورغ، واتخاذ أرض مرتفعة حول بورلون وود، وعزل كامبراي والتقدم وراء الخطوط الألمانية إلى الشمال.
كانت الخطة طموحة للغاية، بالمقارنة مع حجم التجهيزات العسكرية المتاحة، فقد كان الجيش البريطاني الثالث قد خرج لتوّه من صدمة معركة إيبر الثالثة، كما أنّ القوات الاحتياطية التي وضعت لمتابعة أي اختراق في المعركة كانت محدودة للغاية.
مع ذلك، تم اجتياح خط الجبهة الألمانية بسرعة في اليوم الأوّل من المعركة، واستمرت الدبابات البريطانية في اختراق الدفاعات الألمانية بنحو خمسة أميال، وهو إنجاز لم تحققه القوات البريطانية ضد الألمان منذ المراحل الأولى من الحرب، ودقت أجراس الكنائس في بريطانيا احتفالاً بالنصر المبدئي، لكن بحلول نهاية اليوم الأول كانت أكثر من نصف الدبابات معطلة.
كانت هناك مكاسب أخرى للبريطانيين، في يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني، لكن مقاومة الجيش الألماني كانت تتزايد، وكان البريطانيون يواجهون أعداداً متزايدة من الهجمات المضادة.
ومع استمرار المعركة، تباطأ التقدم البريطاني، وسط قتال عنيف من الألمان، وبحلول 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وصل البريطانيون إلى موقع على قمة بورلون ريدج، حيث احتلوا بورلون وود، الذي كان موقعاً استراتيجياً بعد يومين.
الهجوم الألماني المضاد يحسم المعركة
حسب موقع guided battlefield tours، ومع استمرار القتال حول بورلون وود، كان الألمان يخططون لهجوم مضاد كبير، مستغلين الظروف التي تقع على الجبهة الشرقية من الحرب، فقد كانت الثورة في روسيا تعني أنها لم تعد تلعب دوراً نشطاً في الحرب، وأنّ قرارها بالانسحاب مجرد وقت، هناك قام الألمان بتحويل مئات الآلاف من جنودهم المرابطين على الجبهة الشرقية إلى الغرب، وبالتحديد إلى كامبراي.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، شنت القوات الألمانية هجوماً مضاداً باستخدام نيران المدفعية المكثفة، وتكتيكات المشاة التي استفادت من اختراق قوات "العاصفة".
تصاعدت الخسائر البريطانية مع استمرار الهجمات الألمانية، ما أدى إلى تراجع القوات البريطانية عن موقعها البارز، ومن بعد إلى خط دفاعها الأوّل.
في 6 ديسمبر/كانون الأوّل، انتهت المعركة، وقد أُنهك كلا الجانبين من شدة وضراوة المعركة، فقد تسبب كامبراي في خسائر بشرية هائلة، تجاوزت 80 ألف ضحية، في حين خسرت بريطانيا 12 ألف جندي لها في المعركة، وأُسر 11 ألف جندي ألماني، في وقت نجح الألمان في أسر نحو 6 آلاف جندي بريطاني.
معركة كامبراي غيّرت تكتيكات المعارك في الحرب العالمية الأولى
كان لمعركة كامبراي في نهاية المطاف تأثير استراتيجي ضئيل على القتال على الجبهة الغربية، ومع ذلك كان تأثيرها كبيراً جداً فيما يخص الأساليب التكتيكية التي استخدمها كلا الجانبين، فقد كان ذلك بمثابة مقدمة لقتال عام 1918 الضاري والعنيف، كما أنها مهدت الطريق نحو تكتيكات أسلحة مشتركة أكثر تطوراً.
فكانت أهمية معركة كامبراي للقوات البريطانية رغم عدم حسمها عسكرية، ممثلةً في حجم تأثير الدروس المستفادة منها في عام 1918، بحيث أظهرت معركة كامبراي أهمية التنسيق بين مختلف الأسلحة والخدمات، ففي معركة كامبراي اشتغلت أسلحة المدفعية والمشاة والدبابات والطائرات واللوجستيات والموظفين والإشارات معاً كنظام واحد، لشن هجوم ناجح بمفاجأة كاملة ضد الدفاعات الألمانية القوية.
كما عززت ثقة البريطانيين في سلاح الدبابات، التي حسمت فيما بعد معارك كبيرة أثرت بشكل كبير في حسم الحرب العالمية الأولى.