لم تكن وفاة فلاديمير لينين في 21 يناير/تشرين الثاني 1924، عن عمر يناهز 53 عاماً، مفاجأة لأحد، إذ لم يعد مؤسس الاتحاد السوفييتي في آخر أيّام حياته، سوى ظل لنفسه ولم يعد يلعب دوراً سياسياً منذ مارس/آذار 1923، ولا شك في أن سبب وفاته التي كانت بسبب تصلب الشرايين، لكن لينين كاد أن يموت لسبب مختلف تماماً قبل 6 سنوات برصاص امرأة شابة، لم تبلغ الثلاثين بعد.
في وقت متأخر من مساء يوم 30 أغسطس/آب 1918، خرج الزعيم البلشفي، فلاديمير لينين، من اجتماع في مصنع هامر آند سيكل في موسكو، وفي الوقت الذي كان فيه لينين يهمُّ بركوب سيارته، عندها اقتربت منه امرأة غير معروفة نادت باسمه.
كان لينين قد أوقف للحظات من قبل أحد العمال، الذي كان يحتج على نقص الخبز.
وحين كان على وشك ركوب سيارته، وجّهت المرأة مسدساً في وجهه وأطلقت 3 طلقات، أخطأته إحدى الطلقات، فمزقت معطفه وأصابت زميله في الكوع، لكن الرصاصتين الأخريين أصابتاه إصابة مباشرة، اخترقت رصاصة رقبته والأخرى كتفه الأيسر، وكانت هذه هي المحاولة الثانية لاغتيال لينين خلال 7 أشهر فقط، لكنها الأخطر لأنها كانت سبباً في بقائه مُقعداً مدى الحياة.
فانيا كابلان المرأة الأوكرانية التي اتهمت لينين بخيانة الاشتراكية
وُلدت فانيا كابلان فيجا إفيموفنا رويدمان في 10 من فبراير/شباط 1890، بمدينة فولينيا الأوكرانية، لأسرة يهودية فقيرة ومكونة من 7 أفراد، 4 من البنين وبنتان من بينهم فانيا، وعلى عكس إخوتها وأخواتها، لم يكن لدى كابلان أي مهنة. أصبحت ثورية سياسية في سن مبكرة وانضمت إلى جماعة اشتراكية، على الرغم من عدم وجود دليل على أنها انضمت رسمياً إلى هذه الجماعة.
في عام 1906، ألقي القبض على كابلان في كييف لتورطها في عملية اغتيال لضابط قيصري بعد انتقالها إلى كييف، بحيث تلقت تعليمات باغتيال حاكم كييف، لكنها لم تنجح في ذلك لأن القنبلة انفجرت في غرفتها قبل الهجوم، وكادت أن تُقتل هي في العملية.
تمّ ترحيلها لمعسكرات سيبيريا، وبالتحديد معسكر "أكاتوي"، وهناك فقدت بصرها بشكل جزئي بسبب سوء الظروف هناك، ثم أودعت في سجن "مالتسيف" بسيبيريا.
أُطلق سراحها عام 1917، بعد أن أطاحت ثورة فبراير/شباط البلشفية بالنظام الإمبراطور الروسي، نيقولا الثاني. ونتيجة لسجنها، عانت كابلان في السنوات التالية من صداع مستمر وفترات من العمى.
عادت كابلان إلى موسكو في ربيع عام 1918، لتدعيم البلاشفة في البداية، لكنها سرعان ما عارضت لينين، قالت كابلان لاحقاً عن لينين إنه يحتقر الإغلاق البلشفي للجمعية التأسيسية يناير/كانون الثاني 1918، ومعاهدة بريست ليتوفسك في مارس/آذار 1918، وقمع الاشتراكيين الثوريين اليساريين في يوليو/تموز 1918.
أقنعتها هذه الأحداث بضرورة القضاء على لينين لصالح روسيا، لتنضم كابلان إلى مؤامرة مناهضة للبلاشفة، بقيادة المعارض سيمينوف، وخططت لاغتيال كلٍ من تروتسكي ولينين.
رصاصة كابلان بقيت في جسد لينين حتى وفاته
وبالفعل لم تخش كابلان من العواقب، وشرعت في عمليتها لاغتيال زعيم البلاشفة ومؤسس الاتحاد السوفييتي.
في 30 أغسطس/آب 1918، وبعد أقل من عام على نجاح البلشفية، وبعد أسابيع قليلة من الإعدام الفوري للقيصر المخلوع نيقولا الثاني وعائلته، زار لينين مصنعاً للأسلحة في موسكو دون حماية خاصة.
في نحو الساعة العاشرة مساءً، وبينما كان يتوجه إلى سيارته ويتحدث مع بعض الموظفين، صرخت فانيا كابلان في وجهه بشدة، متهمة إياه بخيانة الثورة البلشفية، ورفعت مسدس براوننج الصغير المحشو بعدة رصاصات، وأطلقت النار على الزعيم الاشتراكي.
أصيب لينين بجروح خطيرة في كتفه وصدره، ومع ذلك تمكن من الصعود إلى سيارته التي انطلقت في اتجاه الكرملين، فقد كان لينين يخشى من أن القتلة الآخرين ينتظرون على الطريق أو في المستشفى لاغتياله.
عند وصول لينين إلى شقته، انضم إليه طبيبان لاحظا خطورة إصابته. بقيت إحدى الرصاصتين في الرئة، واخترقت الأخرى قاعدة العنق، وهي قريبة جداً من العمود الفقري، بحيث لا يجرؤ أي شخص على إزالتها.
رفض لينين أن تجرى له عملية لنزع الرصاصتين، وأمر بترك المقذوفات في مكانها. بمجرد تطهير الجروح وإغلاقها، كل ما عليه فعله هو الانتظار.
وهكذا، فقد ظلت الرصاصة في رقبة لينين حتى أزالها جراح ألماني بعد الحادث بـ4 سنوات، أمّا الرصاصة الثانية فقد انتُزعت بعد وفاته أثناء تشريح الجثة.
ومع مرور أقل من شهر على إزالة الرصاصة أُصيب لينين بأول سكتة دماغية، ما أدى لشلل النصف الأيمن من جسده، ثم جاءت السكتة الثانية، فأصبح معاقاً حتى مات، وذلك بعد حادثة الاغتيال بـ5 سنوات ونصف، بحسب ما نقله موقع rupert colley.
هل كانت كابلان هي منفذة عملية اغتيال لينين؟
أمّا كابلان، فقد أعلن الحزب الشيوعي اعتقالها بعد ساعتين من العملية رفقة شخص آخر يُدعى ألكسندر بروتوتيبوف، الذي أُعدم على الفور دون أي تحقيق.
أمّا كابلان، فقد تمّ استجوابها وتعذيبها من قبل جهاز الشيكا لمدة 3 أيام، وبعد أول جلسة تحقيق قالت كابلان ما يلي: "اسمي فانيا كابلان. اليوم أطلقت النار على لينين. فعلت ذلك بمفردي. لن أقول ممن حصلت على مسدسي. لن أعطي أي تفاصيل. كنت قد عقدت العزم على قتل لينين منذ فترة طويلة. أنا أعتبره خائناً للثورة. تم نفي إلى أكاتوي لمشاركتي في محاولة اغتيال مسؤول قيصري في كييف. قضيت 11 عاماً في الأشغال الشاقة. تم إطلاق سراحي بعد الثورة. لقد فضلت الجمعية التأسيسية وما زلت مع ذلك".
عندما أصبح واضحاً أن كابلان لن تورط أياً من رفقائها في العملية، تم إطلاق النار عليها في 3 سبتمبر/أيلول 1918.
ورغم اعترافها بارتكاب محاولة الاغتيال ظلت تلك المحاولة تثير الشكوك حول مسؤولية كابلان عنها، بعض المؤرخين وأبرزهم "دونالد رايفيلد" و"أركادي فاكسبيرغ" تساءلوا حول الدور الحقيقي لكابلان فى عملية الاغتيال تلك، فقد أوضح فاكسبيرغ أن فتاة تدعى "ليديا كونوبليفا"، وهى ناشطة منتسبة للحزب الاشتراكي الثوري قد اشتركت مع كابلان فى مؤامرة الاغتيال، شخصية مثل لينين حسبه، لا يمكن اغتياله بمؤامرة دبرتها امرأة بائسة مثل كابلان تعاني من أمراض مزمنة وفقدان بصر جزئي.
كما أنه، ورغم ازدحام الموقف أثناء العملية، لم يُبلغ أحد عن رؤية كابلان تطلق النار من البندقية التي أطلقت النار على لينين، على الرغم من أن الشهود وصفوا يد امرأة تحمل مسدس براوننج الذي لم يتم العثور عليه مطلقاً، بحسب yivoencyclopedia.