"إني أبرح مصر مع أسف كبير؛ لأن مصلحة الوطن ومجده، الطاعة الواجبة عليَّ نحوه، والحوادث الاستثنائية التي وقعت أخيراً، هي وحدها التي تحملني على المرور بين أساطيل الأعداء (يقصد الإنجليز) في ذهابي إلى أوروبا. ولكني سأبقى، بقلبي وأفكاري، بينكم".
هذا بعض ما جاء في رسالةٍ طويلة ومفاجئة، أرسلها نابليون بونابرت إلى الجنرال كليبر يكلّفه فيها بقيادة الحملة الفرنسية على مصر من بعده؛ ومبلغاً إياه قراره المفاجئ والسرّي: الهروب من مصر بعد عامٍ من بدء الحملة عليها، التي تُوّجت بفشل نابليون.
فالجنرال الفرنسي، وبعد أن أدرك أن حملته محكومٌ عليها بالفشل لأسباب مختلفة، تخلّى عن جيشه، وعاد إلى فرنسا متخفياً على ظهر سفينةٍ.. فلماذا هرب نابليون من مصر؟
من أجل الوصول إلى الهند.. اختار غزو مصر
بزغ نجم نابليون بونابرت في السنوات التي سبقت حملته على مصر، بسبب دهائه العسكري والسياسي وانتصاراته المختلفة في أوروبا، إضافةً إلى ضمّه إيطاليا والنمسا لفرنسا.. كل ذلك مكّنه من إخضاع منافسيه في أوروبا، وإرهابهم بقوة فرنسا الثورية، لإدخالهم في حالة سلامٍ معها.
ولكن إنجلترا، عدو فرنسا اللدود، لم تخضع لتهديدات باريس وقوّتها، بل بقيت في حالة حربٍ معها. ففي تلك الفترة كان الإنجليز يملكون أسطولاً بحرياً ضخماً، يصعب مواجهته، وأرادوا محاربة فرنسا ومحاصرتها بشتى الطرق.
هنا رأى بونابرت، بطل فرنسا وقاهر أوروبا، أن عليه وضع خطةٍ لكسر شوكة الإنجليز؛ ووفقاً لموقع Thought Co، كان مدركاً في الوقت نفسه أنه لن يستطيع مواجهتهم بشكلٍ مباشر أو غزو بلادهم. ففكر بشنّ حملة عسكرية على مصر في بلاد المشرق.
وقع اختياره على مصر لأسبابٍ عدة، أبرزها إدراكه أن مصر لم تكن تتبع الدولة العثمانية بشكلٍ حقيقي، كما أنها لم تخضع لحكم دولة أوروبية من قبل، فضلاً عن أنه كان يحلم دوماً بالقتال في الشرق الأوسط وآسيا.
أما السبب الأهم في نظر بونابرت، فهو أن غزو مصر من شأنه تأمين المستعمرات الفرنسية شرق المتوسط، كما أنها أفضل منطقة جغرافية يمكن اتخاذها كقاعدة حربية لإرسال قوة كبيرة إلى الهند، من أجل القضاء على سلطة إنجلترا فيها، وضمّها إلى حكم فرنسا، وفقاً لكتاب "نابليون بونابارت في مصر" للمؤرخ والمؤلف المصري أحمد حافظ عوض.
نابليون ليس الأول.. "مصر" فكرة في أذهان الفرنسيين
في الحقيقة كانت فكرة غزو واحتلال مصر، تراود الفرنسيين منذ أكثر من مئتي عام، ففي عام 1672 نصح الفيلسوف والعالم الألماني غوتفريد لايبنتز، ملك فرنسا لويس الرابع عشر بغزو مصر، لسببين: الأول إقناعه بالعدول عن غزو ألمانيا. والثاني ضرب مصالح هولندا، القوية في ذلك الوقت، عن طريق مصر. وهو السبب نفسه الذي فكر فيه نابليون لاحقاً.
وقبل أعوام من اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، وبالتزامن مع حرب 1768 – 1774 بين الدولة العثمانية وروسيا، خشيَ الملك الفرنسي لويس السادس عشر أن تسيطر روسيا على الأستانة، ما يعني أنه لن تغنم فرنسا بإرث من العثمانيين. لذا فكر في السيطرة على مصر، التي كانت تعيش أوضاعاً متوترة، بعد محاولة علي بك الكبير الاستقلال بملك مصر.
وبالعودة إلى زمن بونابرت، جهّز الجنرال الفرنسي خطةً لحكومته أقنعها من خلالها بضرورة غزو مصر، جامعاً لها معلومات وافية عن أحوال مصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومدركاً مدى حجم الظلم الذي مارسه بكوات المماليك -بقيادة إبراهيم بك ومراد بك- على الشعب في مصر.
كما لم يغفل نابليون أن الدولة العثمانية، التي أرسلت حملة للسيطرة الفعلية على مصر قبل بضع سنوات -بقيادة حسن باشا الجزايرلي– ليس لديها وجود حقيقي وفعّال في الديار المصرية.
فجاء الأمر لنابليون بتجهيز جيش الشرق -إضافة إلى العلماء- عام 1798، وتعيينه قائداً عاماً مفوضاً بـ:
- الاستيلاء على مصر
- طرد الإنجليز من جميع البلاد التي يستعمرونها في الشرق
- امتلاك فرنسا البحر الأحمر
أعضاء المجلس الثوري الفرنسي الخمسة، الذين يحكمون فرنسا في ذلك الوقت، كانوا مهتمين برؤية بونابرت يغزو مصر، لأن ذلك سيبعده عن منافستهم على السلطة؛ فيمنح قواته شيئاً يفعلونه خارج فرنسا من ناحية، كما أنه قد يحقق معجزة أخرى في الشرق، كتلك التي حققها في إيطاليا. فذلك سيكون أول غزو للشرق الأوسط منذ الحروب الصليبية.
حملة سريّة.. حتى الجنود لا يعلمون أين يتجهون!
أبحر بونابرت مع أمهر قيادات فرنسا، برفقة أسطول وجيشٍ كبيرين، من ميناء طولون في شهر مايو/أيار 1798، بحوزته أكثر من 250 ناقلة، و13 سفينة، وكان الكتمان سيد الموقف في هذه الرحلة.
فالجنود الفرنسيون، وأغلب قيادتهم، لم يعلموا وجهتهم الأخيرة. أراد نابليون مفاجأة الإنجليز. وهذا ما حصل بالفعل؛ فقد علم الإنجليز بخروج الفرنسيين من طولون، من دون أن يتمكنوا أبداً من تحديد وجهتهم.
لذا، فقد أوكلوا إلى القائد البريطاني المحنك هوراتيو نيلسون مهمة مراقبة هذه الحملة. وأُصدرت له أوامر صريحة بأن يفعل ما بإمكانه لأسر، أو إغراق، أو حرق سفن الفرنسيين.
وفي 9 يونيو/حزيران 1798 وصل نابليون إلى جزيرة مالطا، واستولى عليها، ثم توجه إلى جزيرة كريت. وعندما علم بملاحقة نيلسون له، اضطرّ إلى إبلاغ جنوده أنهم ذاهبون نحو مصر. ومع بداية شهر يوليو/تموز، وصل 40 ألف فرنسي إلى شواطئ الإسكندرية.
اختصر لنا المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" الأعوام الثلاثة التي عاشتها مصر، والتي عاصرها المؤرخ نفسه، في زمن حملة نابليون عليها بقوله: "وهلّت سنة 1213 هجرية (1798-1799 ميلادية)، وهي أول سِني الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور، وترادف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الأحوال، وفساد التدبير وحصول التدمير، وعموم الخراب وتواتر الأسباب، وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".
بعد معارك اندلعت بين سكان الإسكندرية والفرنسيين لم يُقتل فيها الكثير، فاز الفرنسيون وتم تعيين كليبر حاكماً عسكرياً فيها؛ فزحف نابليون برفقة جيشه إلى القاهرة، لمحاربة المماليك والسيطرة على عاصمتهم، مدعياً للناس أنه جاء ليدافع عن الإسلام وعن مصالح الشعب وتخليصه.
لم يصدّق المصريون نابليون، ودارت معارك دامية بين الفرنسيين والمماليك، كما اندلعت ثورات التمرّد في ربوع البلاد.
في مواجهة الأهالي والمماليك.. معارك نابليون في مصر
كانت أولى معارك نابليون في مصر يوم 13 يوليو/تموز 1798 بشمال مصر، بين الجيش المملوكي -بجانب بعض إنكشاريي الجيش العثماني- تحت قيادة مراد بك، والجيش الفرنسي بقيادة نابليون.
انتهت المعركة بانتصار الفرنسيين، وتعتبر هذه أول معركة قتالية بين القوات المصرية مع المقاومة ضدّ الحملة الفرنسية على مصر.
تحدث نابليون عن هذه المعركة في مذكراته، بقوله إن "واقعة شبراخيت" كانت حدثاً يجلب الفخر للجيش الفرنسي. وقال: "نعم كنا 20 ألف رجل، ومعنا 42 مدفعاً في ساحة الوغى، ولم يكن أمامنا في الحقيقة سوى 8 آلاف مقاتل. ولكن هذه أول مرة وجد فيه الجيش الفرنسي نفسه أمام أولئك الفرسان البواسل الأبطال".
ويقول المؤرخ المصري أحمد حافظ عوض إن خسائر الفرنسيين كانت في هذه المعركة نحو 400، بين قتيلٍ وجريح، فيما خسر المماليك نحو 1000 مقاتل.
تكمن أهمية هذه المعركة -في رأي عوض- في أنها "كانت أول درسٍ تلقاه المماليك عن الحرب مع الجيوش النظامية الأوروبية، بعد أن كان يُخيّل إليهم أنهم لا يُغلبون، وأن الحرب عبارة عن امتطاء صهوة جواد، وإطلاق القرابين، وإشهار السيف. عرفوا بعد ذلك أن العدو القادم إليهم لا يُستخف به، وأن شمس أيامهم قاربت الأفول".
تلك الأوصاف والعبارات تختصر لنا حالة جيش المماليك في ذلك الوقت، الذي كان يعاني من نقصٍ في العديد والأسلحة المتطورة التي تصحبها تكتيكات حربية. تكتيكات كان نابليون مبدعاً بها، في حين كانت فروسية المماليك تقليدية.
برز ذلك بوضوح في معركة الأهرام يوم 21 يوليو/تموز، بين جيش المماليك -بقيادة إبراهيم بك ومراد بك- وجيش الفرنسيين؛ فقد كانت صراعاً بين عصورٍ عسكرية مختلفة، لكنها شكلت انتصاراً واضحاً لنابليون.
سقط في معركة الأهرام نحو 300 فرنسي فقط، من الجيش البالغ عدده 20 ألفاً؛ فيما سقط نحو 8 آلاف جندي من المماليك بين قتيل وجريح، والبالغ عدده 60 ألفاً، معظمهم من الفلاحين الذين ليست لديهم خبرة كافية في الحروب.
كانت هذه المعركة فاصلة في بداية الحملة، إذ نتج عنها فرار مراد بك إلى الصعيد وإبراهيم بك إلى الشام، واحتلال نابليون للقاهرة، وتشكيله حكومةً جديدة أنهت إقطاع المماليك. فاعتقد الجنرال الفرنسي أن حملته على مصر في طريقها إلى النجاح، ولكن الثورات المصرية ضدّه لم تهدأ قط، فضلاً عن هجمات مراد بك ورجاله المفاجئة من حينٍ إلى آخر، إضافة لتدخلات الإنجليز المحورية للقضاء على حملته.
بعد أن استطاع نابليون احتلال مصر وتحقيق عدة انتصارات، خسر في معركة اعتُبرت ثورة بتاريخ المعارك البحرية؛ وهي معركة النيل أو "معركة أبي قير البحرية" قرب الإسكندرية، في 1 أغسطس/آب 1798، أمام القائد البريطاني البحري المحنّك هوراشيو نيلسون الذي تمكن من الفوز بسبب عنصر المفاجأة، مدمراً سدس سفن الأسطول الفرنسي.
كانت هذه الهزيمة محورية في احتلال نابليون لمصر؛ فقد أوقفت خط إمداداته تماماً، وأضعفت موقفه في السيطرة على البلاد، وأنهت الطريق أمامه للهجوم على بريطانيا في الهند.
استولى نيلسون على الإمدادات، وتمكن من الفوز عن طريق الهجوم في المساء؛ وفي الصباح الباكر، لم تتمكن سوى سفينتين فقط من الهرب، فيما غرقت البقية، وتوقف خط إمدادات نابليون تماماً.
بعد انتهاء المعركة، أدرك نابليون أن حملته تواجه مصير الفشل؛ فالبحرية البريطانية تحاصره من كل مكانٍ في البحر، ولن يستطيع حتى العودة بجيشه إلى فرنسا، كما أن الشعب المصري أشعل ضدّه ثورة كبيرة أنهكته في القاهرة بقيادة مشايخ الأزهر.
من فشل في مصر إلى آخر في الشام
بعد هذه المحاصرة، رأى نابليون أن عليه تحويل مسار حملته جزئياً إلى الشام، مع إبقاء جزءٍ من جيشه في مصر، بهدف فصل الدولة العثمانية عن تحالفها مع بريطانيا، ومنع أي خطوة من شأنها طرده من مصر.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 1798، زحف نابليون نحو مدينة العريش من أجل الدخول إلى مدينة غزة بغية وصوله لاحقاً إلى مدينة يافا وجعلها قاعدة لغزو الشام؛ لكونها تمتاز بموقعٍ جغرافي جيد، وبقلاع عالية.
بعد السيطرة على يافا، وإعدامه أكثر من 4 آلاف جندي من المسلمين رمياً بالرصاص -أو بحدّ السيف- ثم رميهم في البحر أول أيام عيد الفطر. بعد هذه المجزرة البشعة، قرر نابليون التوجه بجيشه إلى عكا، حيث يقبع الوالي العثماني العجوز أحمد باشا الجزار.
تسببت الجثث المتحللة في يافا بنشر وباء الطاعون، الذي فتك بأعدادٍ كبيرة من الجنود الفرنسيين، وجنود الجزار أيضاً في المدن الأخرى. لكن نابليون أصرّ الزحف نحو عكا، لاعتقاده أنها ستسقط في وقتٍ أقلّ من ذاك الذي سقطت فيه يافا، معتمداً على حالة الرعب التي نشرها.
في 20 مارس/آذار 1799 اتخذ الجيش الفرنسي موقعه أمام عكا، وبدأ الجنود الفرنسيون يحفرون الخنادق. وبعدها بأسبوع أمر نابليون بالهجوم، فقُذفت حصون عكا بالقنابل الفرنسية.
لكن الجزار ردّ بنيرانٍ مضادة دمّرت الكثير من القوات الفرنسية، ورغم ذلك استطاع الفرنسيون أن يتسلقوا أسوار المدينة، إلا أن صمود أهلها وجنودها ردّهم خائبين.
حاول نابليون مهاجمتها أكثر من مرة، ولكن أحمد باشا الجزار تغلب على الفرنسيين واستطاع إلحاق خسائر كبيرة بهم. ففقدوا الكثير من الجنود والضباط والجنرالات، في هزيمةٍ فادحة قرر نابليون على أثرها العودة إلى مصر، ليلقى فيها فشلاً آخر.
عودة أخيرة إلى مصر
في بداية شهر يونيو/حزيران 1799، وصل نابليون وجيشه المهزوم إلى العريش للعودة إلى القاهرة، وأصدر أوامره إلى الجنرال كليبر -الذي رافقه بحملة الشام- بالسفر مع فرقته إلى دمياط للإقامة بها.
كان غرض نابليون من ذلك إبعاد كليبر عن القاهرة، ليتيّسر له الاستعداد للسفر إلى فرنسا في حال اضطر إلى ذلك، من دون أن يعلم كليبر أو أحد من الفرنسيين؛ وفقاً للمؤرخ المصري أحمد حافظ عوض.
كانت المدة التي قضاها نابليون في القطر المصري بعد عودته من سوريا، من منتصف شهر يونيو/حزيران حتى نهايات شهر أغسطس/آب عام 1799، امتلأت بأحداث مهمة، منها: ثورات الأهالي المتكررة، وغارات المماليك المرهقة، وتجهيزات الإنجليز لمساعدة العثمانيين بهدف ضرب نابليون مرة أخرى، قبل أن يفيق من الكوارث التي أصابته وجيشه في حملته على الشام.
وواجه نابليون نكسة وشيكة عندما استطاعت الدولة العثمانية، من خلال استخدام سفن بريطانية وروسية، إنزال 20 ألف شخص في أبو قير. لكن الجنرال الفرنسي تحرّك سريعاً للهجوم، قبل أن يرسو سلاح الفرسان والمدفعية والنخب العسكرية لتنظيمهم.
وكان بعض المؤرخين قالوا إن جيش نابليون في هذه المعركة تألف من 6000 آلاف مقاتل مقابل نحو 19 ألفاً من العثمانيين، إلا أن المؤرخ المصري أحمد عوض قال إن جيش نابليون كان يتكون من 20 ألف مقاتل، واعتمد نابليون في هذه المعركة على عنصر السرعة، ليقطع أي فرصة تواصل بين جنود العثمانيين والمماليك، وقتل أعداداً كبيرة من العثمانيين (تقدّر بالآلاف) أمام مئات الفرنسيين، بعضهم من خيرة ضباطه وجنرالاته.
نابليون يقرر الرحيل ويترك جيشه وراءه
بعد هذه المعركة، اتخذ نابليون قراراً -ما زال مثار جدلٍ حتى يومنا هذا- وهو العودة إلى فرنسا بشكلٍ سرّي بعد بداية حملته بسنة وثلاثة أشهر فقط، وبعد أن أُنهك جيشه بالأمراض والهزائم المتكررة.
كما أن بونابرت، وبفعل التجار والصحف، أدرك أن الوضع السياسي في فرنسا على وشك التغيُّر -إما لصالحه أو ضدّه- كما علم أن الدول الأوروبية انقلبت على فرنسا وهزمتها في معارك مختلفة.
آمن نابليون بأنه قادر على إنقاذ الموقف، وإنقاذ منصبه أيضاً، من خلال السيطرة على مقاليد الحكم في الدولة كلها. فتخلّى عن جيشه وتركه يواجه مصيره بنفسه في أواخر شهر أغسطس/آب عام 1799.
عاد إلى فرنسا برفقة نحو 400 جندي، في سفينةٍ كان عليها الاختباء من البريطانيين، من دون التنسيق مع باريس أو مع ضباطه. اكتفى بأن يترك لهم رسائل يوضح فيها الأسباب، ويؤكد عليهم مهامهم في مصر، ومعيّناً الجنرال كليبر قائداً للحملة الفرنسية من بعده.
كان سفر نابليون أشبه بالقصص الخيالية والأساطير؛ فالسفن الإنجليزية كانت تقف له بالمرصاد، تنتظره على السواحل المصرية للفتك به أو القبض عليه.
في بدايات شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وصل نابليون إلى خليج مريجوس جنوب فرنسا، وسرعان ما استولى على السلطة في فرنسا بانقلابٍ عسكريّ، وأصبح إمبراطوراً على فرنسا.
تُرك الجنرال كليبر وحده ليدير الجيش الفرنسيّ، فوقَّع اتفاقية العريش مع العثمانيين، مما سمح له بالعودة -مع جيشه- إلى فرنسا. لكنّ البريطانيين رفضوا ذلك، وطالبوا بأن يتسلموا الفرنسيين كأسرى حرب، لذا قرر كليبر البقاء في مصر.ساءت الأوضاع بينه وبين العثمانيين بسبب التوتر مع المصريين، ثم اغتيل بعد ذلك بأسابيع قليلة على يد سليمان الحلبي عام 1800، ليخرج الفرنسيون من مصر بعدها بنحو عام؛ وتنتهي حملة فاشلة، حلم فيها قائدهم نابليون بونابرت، قبل أن يتركهم ويرحل.