بعد اعتناقه الإسلام غيّر اسمه من نيكولا إلى عبد السلام بلال، ولَطالما أكد أن دينه ساعده على تجاوز العراقيل التي صادفها خلال مشواره الرياضي الطويل. إنه نجم كرة القدم الفرنسية أنيلكا، الذي كثيراً ما أثار الجدل ضمن صفوف مختلف الأندية الأوروبية التي حمل ألوانها.
وُلد نيكولا أنيلكا يوم 14 مارس/آذار 1979، في بلدة "لو شيسناي" (Le Chesnay)، بضواحي العاصمة باريس. تعود أصول والديه إلى جزيرة المارتينيك في البحر الكارييبي، وقد هاجرا إلى فرنسا سنة 1974، وقد عملا في قطاع التعليم.
نشأ نيكولا في الضاحية الباريسية "فان غوغ دو ترابس"، حيث مارس مختلف أنواع الرياضة منذ صغره، أبرزها التنس وألعاب القوى، قبل أن تظهر موهبته أكثر في كرة القدم حين كان لا يزال في السابعة من عمره، بعد انضمامه لفريق "ترابس سان كوينتن".
بقيَ الطفل أنيلكا مع "ترابس سان كوينتن" حتى الـ13 عاماً، قبل أن يلتحق بالمركز الوطني لكرة القدم "كلير فونتان"، الذي يساعد المواهب الكروية على تكوين المهارات الرياضية، بالموازاة مع مواصلة دراستهم.
أنيلكا على سلّم النجاح الكروي
خلال تلك الفترة كان أنيلكا شاباً منغلقاً على نفسه، رغم تألقه على أرض الملعب. وفي لقاءٍ مع أندريه ميرال، مدرّبه في أكاديمية "كلير فونتان"، يقول لمجلة Le Parisien الفرنسية: "أتذكر التحاقه بالمركز الوطني لكرة القدم، عندما كان في الـ13 من عمره. لقد كان بارعاً من الناحية الفنية، حيوياً وسريعاً".
وأضاف المدرب، الذي أشرف على تكوين وتشكيل موهبة أنيلكا الكروية، على مدى ثلاث سنوات: "لقد كان فوق الجميع رغم أنّ التواصل معه كان صعباً جداً، بسبب انغلاقه على نفسه".
لم يمرّ تألق أنيلكا ضمن صفوف المركز الوطني لكرة القدم مرور الكرام؛ فقد لفت انتباه كشافة الأندية الفرنسية الكبيرة، وظفر به "باريس سان جيرمان"، في السنة الثانية التي تلت دخوله إلى "كلير فونتان".
فصار يدرس ويتدرب في الأكاديمية خلال أيام الأسبوع، ثم يخوض المباريات في نهاية الأسبوع، مع الفريق الشاب لنادي "باريس سان جيرمان" العريق حتى العام 1996.
ففي الأول من يناير/كانون الثاني، التحق أنيلكا بالفريق الأول لـ"باريس سان جيرمان"، وهو لم يبلغ بعد الـ17 من عمره. وخاض أول لقاء رسمي في الدوري الفرنسي لكرة القدم بعد نحو شهر، يوم 7 فبراير/شباط 1996، على ملعب نادي "موناكو".
وقد سجّل هدفه الأول، في 20 سبتمبر/أيلول، على أرض ملعب "بارك دي برانس" التاريخي، خلال مباراة "باريس سان جيرمان" أمام نادي "لانس".
ولم يلبث أنيلكا أن فرض نفسه كأحد أبرز اللاعبين الشباب الواعدين في العالم، حتى خطفه نادي "أرسنال" الإنجليزي خلال سوق الانتقالات الشتوية لعام 1997، مقابل 5 ملايين فرنك فرنسي، أي حوالي 750 ألف يورو.
اعتنق الإسلام في الـ16 من عمره
يعتقد الكثير من متابعي الرياضة العالمية أن أنيلكا اعتنق الإسلام عام 2004، عندما زار دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن ذلك ليس صحيحاً. فهو مُسلم منذ أن كان مراهقاً في الـ16 من عمره، أي في العام 1995، وكان حينها قد بدأ يشق طريقه نحو عالم الاحتراف من بوابة نادي "باريس سان جيرمان".
لم يروِ أنيلكا أبداً قصة إسلامه، أو سبب اعتناقه الإسلام، ورغم أن بعض المراجع تُشير إلى أنه دخل الإسلام خلال فترة تواجده في تركيا ضمن صفوف نادي "فناربخشة"، إلا أنها قصة غير منطقية.
فقد حمل أنيلكا ألوان النادي التركي، من يناير/كانون الثاني 2005 وحتى أغسطس/آب 2006، في حين أنه اعتنق الإسلام خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وتوجد رواية أخرى تقول إنّ صديقاً تونسياً يُدعى إسماعيل هو من زرع في قلب اللاعب حُب الدين الإسلامي، من خلال حديثه عن مبادئه وتعاليمه، أثناء مزاملته له في فريق "باريس سان جيرمان".
القصة الوحيدة المؤكدة رواها اللاعب بنفسه، في تصريحٍ سابق نُشر يوم 19 مايو/أيار 2009، عندما تحدث للمرة الأولى والأخيرة عن اعتناقه الإسلام قائلاً: "عندما بدأتْ رحلتي مع كرة القدم قبل 12 عاماً كنتُ مسلماً بالفعل".
لم يكن مسيحياً.. بل علمانياً
في هذا الصدد نوّه أنيلكا أنه قبل دخوله إلى دين الإسلام، كان علمانياً، وأوضح قائلاً: "لم أكن مسيحياً من قبل، فلم أكن أتبع أي ديانة، لذلك عندما يقول الناس إنني غيّرت ديني فهذا غير صحيح".
وتابع قائلاً: "لا أشعر بأن شيئاً كبيراً حدث لي فجأة، كل ما في الأمر أنني شعرتُ بأن اعتناقي الإسلام هو الصح. أنا سعيد لأني مسلم، لأنه دين السلام، وأتعلم منه الكثير. ساعدني الإسلام على أن أكون أكثر صبراً وهدوءاً وصفاءً، وقد غيّر حياتي بطريقة إيجابية وساعدني على أن أصمد وأرفع رأسي عالياً".
الصبر والصمود اللذين تحدث عنهما بلال أنيلكا عاشهما خلال مشواره الرياضي الطويل، وبالخصوص في المواسم الذي أمضاها ضمن صفوف نادي "ريال مدريد" الإسباني.
فبعد انضمامه لـ"أرسنال" الإنجليزي، في فبراير/شباط 1997، ظهر بمستوى متوسط مع الفريق اللندني خلال موسم واحد ونصف، ثم انفجر في موسم 1997-1998 بتسجيله 17 هدفاً في 35 مباراة رسمية، فنال خلال الموسم نفسه جائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ذلك التألق فتح أمامه أبواب الشهرة العالمية؛ فضمّه العملاق الإسباني "ريال مدريد" إلى صفوفه خلال صيف 1998، بعدما دفع لنادي "أرسنال" مبلغ 220 مليون فرنك فرنسي (حوالي 34 مليون يورو).
كيف لفتى في العشرين ألا يعيش حياة النجومية؟
وصل أنيلكا إلى ريال مدريد، وهو في العشرين من عمره، وقد عانى كثيراً للتأقلم مع حياته الجديدة وسط نجوم النادي الملكي. فهو لم يسجل سوى هدفين فقط في 19 مباراة بالدوري الإسباني، وكان يتعرض طيلة الموسم لانتقادات الصحافة الإسبانية وحتى الفرنسية.
تجاوزت الانتقادات المجال الرياضي إلى التدخل في حياته الشخصية، حيث كان بعض النقاد يتساءلون: "كيف لشاب في مقتبل العمر، يتقاضى أجراً بالملايين، لا يعيش حياة النجومية؟ فهو لا يملك صديقة، ويفضّل البقاء بمفرده في المنزل، ولا يظهر في الملاهي ولا البيوت الليلية".
صمد أنيلكا أمام تلك الانتقادات، وعاد ليقود "ريال مدريد" إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، في مايو/أيار 2000، بعدما سجّل هدفين في المباراتين بالدور نصف النهائي أمام نادي "بايرن ميونيخ" الألماني (2-0) و(1-2)، ثم أسهم في تتويج فريقه باللقب عندما فاز الريال في المباراة النهائية على "فالنسيا" الإسباني بثلاثة أهداف نظيفة.
كانت لبلال أنيلكا تجارب كروية أخرى في أندية أوروبية عدة، عاش خلالها الحلو والمر، على غرار "تشيلسي"، و"مانشستر سيتي" الإنجليزيين، و"يوفنتوس" الإيطالي، و"فناربخشة" التركي.
أو حتى مع منتخب فرنسا الذي نال معه لقب بطولة أمم أوروبا في العام 2000، ولكنه غاب عنه خلال نهائيات كأس العالم لسنتي 2002 و2006، قبل أن يشارك في صفوفه ضمن مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، ويخرج منه من الباب الضيق بعد شجارٍ مع مدرب المنتخب، ريموند دومينيك.
اعتزل أنيلكا اللعب نهائياً سنة 2015، وكان "بومباي" الهندي آخر فريق حمل ألوانه. ومنذ العام 2021، يعمل أنيلكا كمحللٍ رياضي في قناة "آر إم سي" الرياضية الفرنسية، كما بات يخصّص وقتاً أكبر لعائلته الصغيرة، المكونة من: زوجته البلجيكية باربارا توزيا، وأولادهما قيس (14 عاماً) وكحيل (12 عاماً) ولينا (9 أعوام).