على مدار التاريخ، شهد العالم حروباً طاحنة استمرت مئات السنوات مثل حرب شبه الجزيرة الأيبيرية التي استمرت ما يزيد على 780 عاماً، والحرب الروسية الشركسية التي استمرت 101 عام، ولكن هل سمعتم عن أقصر حرب بالتاريخ؟ إنها الحرب الإنجليزية الزنجبارية التي استمرت 40 دقيقة فقط.
الحرب الإنجليزية الزنجبارية.. أقصر حرب بالتاريخ
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1890، أعلنت بريطانيا أن سلطنة زنجبار في شرق إفريقيا (تنزانيا حالياً) محمية تابعة لها، بعد توقيع معاهدة هيليغولاند-زنجبار بين بريطانيا وألمانيا في عام 1890.
وقد رسمت هذه المعاهدة مناطق النفوذ وقسمتها بين القوى الإمبريالية في شرق إفريقيا، وتم التنازل عن زنجبار للنفوذ البريطاني، بينما منحت ألمانيا السيطرة على البر الرئيسي لتنزانيا.
ووفقاً لما ذكره موقع Historic التاريخي البريطاني، فإنه بعد وفاة السلطان حمد بن ثويني البوسعيد، أعلن الأمير الزنجباري خالد بن برغش نفسه سلطاناً على الجزيرة، رافضاً الاعتراف بالخليفة الذي كانت بريطانيا تنوي تعيينه ليكون ضامناً للمصالح الاستعمارية في المنطقة.
كيف بدأت القصة؟
في أواخر القرن التاسع عشر، وسّعت بريطانيا نفوذها ليشمل شرق إفريقيا بشكل عام وزنجبار بشكل خاص.
مع هذا النفوذ الجديد، أعلنت بريطانيا زنجبار محمية للإمبراطورية البريطانية وتحركت لتنصيب سلطان تابع لها للعناية بالمنطقة.
حصل حمد بن ثويني، الذي كان من أنصار البريطانيين في المنطقة، على المنصب عام 1893.
لكن، كان من بين المطالبين بالعرش ابن عمه خالد بن برغش الذي برر مطالبته بالعرش باعتبار أنه الابن الوحيد للراحل والده الذي كان سلطاناً قبل بن ثويني، وأنه تم تجاهله بعد وفاة والده.
وفاة بن ثويني فجأة
على الرغم من احتجاجات بن برغش، فإن حمد بن ثويني حكم المحمية البريطانية ما يزيد قليلاً على 3 سنوات حتى 25 أغسطس/آب 1896، عندما توفي فجأة في قصره.
وعلى الرغم من أن أسباب وفاته غير معروفة، فإن الشبهات كانت تحوم حول تورط ابن عمه خالد بن برغش في تسميمه.
وبعد وفاة السلطان مباشرة، انتقل بن برغش إلى القصر وتولّى منصب السلطان دون الحصول على موافقة بريطانيا.
وغني عن القول إن الدبلوماسيين البريطانيين المحليين لم يكونوا سعداء على الإطلاق بهذا التحول في الأحداث، وسرعان ما أعلن كبير الدبلوماسيين في المنطقة آرثر هاردينغ، أن على خالد بن برغش التنحي وتسليم السلطنة لحمود بن محمد، فقد كان بن محمد شخصاً "مرناً" من وجهة نظر البريطانيين، ولن يعارض بالتالي سياساتهم وتوجهاتهم في المنطقة.
تجاهل خالد التصريحات البريطانية، بل بدأ في حشد قواته حول القصر.
وقد كانت قواته مسلحة بشكل جيد بالأسلحة والمدافع التي كانت أساساً عبارة عن هدايا دبلوماسية تم تقديمها للسلطان السابق خلال فترة حكمه.
بداية الحرب الإنجليزية الزنجبارية
بحلول نهاية 25 أغسطس/آب، كان خالد قد أمّن قصره بنحو 3000 من جنود السلطان وأنصاره وكانوا مدعومين بمدفعية صغيرة، إضافة إلى اليخت الملكي المسلح الذي كان يرسو في المرفأ القريب.
لكن للأسف، من الواضح أن هذه القوات والمعدات البسيطة لن تستطيع الصمود في وجه القوات البريطانية.
فقد جمع باسل كيف، نائب آرثر هاردينغ، قوة من 400 من الموالين من الزنجباريين وفرقة من مشاة البحرية البريطانية، إضافة إلى 5 سفن قوية تابعة للبحرية الملكية في الميناء.
ومن جهته، أرسل الأدميرال البريطاني هاري روسون إنذاراً لخالد يمهله فيه حتى التاسعة من صباح يوم 27 أغسطس/آب، للانسحاب من القصر والاستسلام هو وقواته، لكن خالداً رفض الإنذار اعتقاداً منه أن البريطانيين لن ينفذوا تهديدهم.
ووفقاً لما ذكره موقع MSN فإنه ومع انتهاء المهلة في تمام الساعة الـ9 صباحاً، أصدر روسون أوامره للسفن الحربية "إتش ام إس روكون" و"إتش إم إس فيلوميل وثروش" و"سبارو" و"سان جورج" بفتح النار على القصر، الذي سرعان ما اشتعلت فيه النيران.
وعلى الرغم من أن النيران أُطلقت من اليخت الملكي الزنجباري رداً على القصف البريطاني، فإنه لم يكن كافياً للدفاع عن القصر.
وبعد 40 دقيقة فقط توقف البريطانيون عن إطلاق النار بعد أن أسقط القصف البريطاني 500 من جنود خالد بن برغش بين قتيل وجريح، فيما أصيب ضابط بريطاني واحد فقط بجروح بالغة.
وقد سيطر المشاة البريطانيون والزنجباريون الموالون لهم على الجزيرة، فيما استسلمت قوات السلطان خالد بن برغش، لتنتهي بذلك أقصر الحروب في التاريخ لصالح الاستعمار البريطاني.
بعد المعركة
نصّبت بريطانيا سلطان حمود الموالي لها سلطاناً على عرش زنجار وحكم فترة ست سنوات، أما السلطان الهارب خالد بن برغش فتمكن من الفرار مع مجموعة صغيرة من أتباعه إلى القنصلية الألمانية، التي رغم الدعوات المتكررة من بريطانيا لتسليمه، فإنها ساعدت في تهريبه لخارج البلاد، وذهب إلى تنزانيا، ولسوء حظه غزت القوات البريطانية شرق إفريقيا عام 1916 وألقت القبض عليه، ونفته إلى جزيرة سانت هيلانه، حيث ظل فيها إلى أن سُمح له بالعودة إلى شرق إفريقيا وتوفّي هناك عام 1927م.