خلال عشرينيات القرن الماضي، سعت الحكومة الفنلندية، التي كانت قلقة من التهديد الذي يمثله الاتحاد السوفييتي، إلى تحالف دفاعي مع كلٍّ من إستونيا ولاتفيا وبولندا من أجل مواجهة الخطر السوفييتي.
ورغم توقيع ميثاق منع الاعتداء الفنلندي السوفييتي سنة 1932، فإنه فشل في طمأنة الفنلنديين من نوايا التوسع السوفييتي.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتقسيم بولندا من قبل ألمانيا والسوفييت في عام 1939، سعى الاتحاد السوفييتي إلى تغيير حدوده مع فنلندا، لتشمل حتى برزخ كاريليان غرباً، كان هدف السوفييت من تغيير حدودها مع فنلندا حماية مدينة لينينغراد من هجوم ألماني محتمل.
ولهذه الغاية، سعى السوفييت أيضاً إلى الاستحواذ على العديد من الجزر الفنلندية في خليج فنلندا وتأمين عقد إيجار لمدة 30 عاماً لقاعدة بحرية في هانكو.
ولإقناع الفنلنديين بذلك، قام الحكومة السوفييتية بعرض مقترحٍ لتبادل الأراضي السوفييتية مع الفنلندية.
وعندما رفضت فنلندا العرض السوفييتي، شن الجيش الأحمر السوفييتي هجوماً في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1939، على فنلندا، لتبدأ الحرب الروسية الفنلندية المعروفة باسم "حرب الشتاء".
السوفييت يستقوون على دولة فنلندا الصغيرة
بدأ الخلاف بين روسيا وجارتها الشمالية فنلندا عام 1939، عندما سعى الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، إلى توسيع نفوذه على أوروبا الشرقية، لمواجهة مخاوف بشأن هجوم محتمل من قبل الألمان، وذلك حسب موقع history.
طالب ستالين بإعادة حدود فنلندا مع الإتحاد السوفييتي مسافة 16 ميلاً على طول برزخ كاريليان، من أجل إنشاء منطقة عازلة حول مدينة لينينغراد.
كما أراد ستالين من الفنلنديين تسليمه عدة جزر في خليج فنلندا، وأن يؤجروا له أراضي في شبه جزيرة هانكو لبناء قاعدة بحرية.
عرض السوفييت مساحة كبيرة من الأراضي الروسية كجزء من الصفقة، لكن الشكّ والخوف الذي ساد موقف الفنلنديين من دوافع السوفييت في ذلك جعلهم يرفضون تلك الصفقة.
حين طرد الاتحاد السوفييتي من عصبة الأمم بسبب حرب الشتاء
في أعقاب ذلك، وبعد سلسلة من المفاوضات الفاشلة والتهديدات السوفييتية، شنّ الجيش الأحمر السوفييتي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1939، غزواً لفنلندا بجيش تعداده مليون جندي على عدة جبهات.
في المرحلة الأولى من الحرب، تكبّد السوفييت خسائر باهظة، بسبب المقاومة العنيفة التي واجهها الغزو السوفييتي من قبل الفنلنديين.
ارتدت قوات الجيش الأحمر السوفييتي في البداية أزياء رسمية داكنة اللون، مما جعلها أهدافاً سهلة للقناصين الفنلنديين.
وعلى سبيل المثال، تمكن المزارع و القناص الفنلندي، سيمو هايها، الذي لقّبه السوفييت بـ"الموت الأبيض"، من قتل أكثر من 500 جندي سوفييتي خلال حرب الشتاء، قبل إصابته بجروح بالغة من قبل قناص سوفييتي.
من جهة أخرى، كان من الممكن سماع الدروع السوفييتية من على بعد كيلومترات، وكانت تعتمد إلى حد كبير على الطرق الفرعية التي تخترق المناطق الريفية الفنلندية، مما جعلها سهلة الاستهداف بالكمائن والألغام.
ناهيك عن تجمّع القوات والمركبات السوفييتية على طول طرق الغابات، الأمر الذي مكّن قوات التزلج الفنلندية من التحرك خلسة إلى مواقعها وتدمير المركبات في الأمام والخلف، إغلاق جميع الطرق أمامها، مما جعل كتائب كبيرة من الجيش السوفييتي تعيش حالة حصار.
زادت أحوال الطقس من متاعب السوفييت، حيث تسببت انخفاض درجات الحرارة في فنلندا إلى ما دون 40 درجة مئوية تحت الصفر، إلى شللٍ في الجيش السوفييتي.
كان لدى الجيش الأحمر في ذلك الوقت تقليد عسكري، يحظر من خلاله على الجنود السوفييت التدريب في درجات حرارة أقل من 15 درجة مئوية تحت الصفر، بحسب Radio Free Europe.
في يناير/كانون الثاني 1940، قال رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، عن حرب الشتاء، "تُظهر فنلندا ما يمكن أن يفعله الرجال الأحرار".
أمام هذا الوضع القاسي، عاش الجنود السوفييت ظروفاً مأساوية، إذ بعثت مجموعة من الجنود السوفييت المحاصرين في فنلندا اثناء حرب الشتاء برسالة إلى رؤسائهم مفادها: "نحن نموت، يرجى دفع أجور شهر مارس لعائلتنا. أخبر الجميع أننا متنا كأبطال… لم نستسلم".
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 1939م، قامت عصبة الأمم التي تشكلت في نهاية الحرب العالمية الأولى، بطرد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية من المنظمة، ردًا على الغزو السوفييتي لفنلندا، بحسب history.
حرب الشتاء دامت 105 أيام
بعد أسابيع من الخسائر الكبيرة، غيّرت القيادة السوفييتية أخيراً تكتيكاتها العسكرية، وقامت بالتركيز على الاستيلاء على هلسنكي.
ففي فبراير/شباط 1940، وبعد واحدة من أكبر عمليات القصف المدفعي منذ الحرب العالمية الأولى، جدّد السوفييت هجومهم واجتياح الدفاعات الفنلندية على برزخ كاريليان، حين استخدم السوفييت القصف المدفعي المكثف من أجل خرق خط مانرهايم، وهو الحاجز الدفاعي الجنوبي للفنلنديين الممتد عبر برزخ كاريليان، وبعد ذلك تدفقوا شمالاً إلى مدينة فيبورغ الفنلندية.
أسقط السوفييت أكثر من 300 ألف قذيفة على المواقع الفنلندية في غضون 24 ساعة فقط، خلال معركتهم لاختراق خط مانرهايم.
بدأ السوفييت في إجبار الفنلنديين المنهكين على التراجع في مارس/آذار 1940، عندما دخلت القوات السوفييتية ضواحي فيبورغ، لم يكن لدى الفنلنديين خيار سوى قبول الشروط السوفييتية القاسية للحصول على هدنة، بحسب iwm.
دامت حرب الشتاء بين فنلندا والاتحاد السوفييتي، 105 أيام، من نوفمبر/تشرين الثاني 1939 إلى مارس/آذار 1940م،
قتل الفنلنديون ثلث الجيش السوفييتي في حرب الشتاء
كلفت قبول الهدنة فنلندا 11% من أراضيها، بما في ذلك مدينة فيبورغ الثانية في البلاد، ومع ذلك حافظت البلاد على استقلالها. خسر الجانب الفنلندي 65 ألف مقاتل، من بين ما يقرب من 600 ألف تم استدعاؤهم، بينما بلغت خسائر الجيش الأحمر السوفييتي نحو 391.8 ألف جندي، من أصل مليون شاركوا في حرب الشتاء، بحسب history.
لم تكن الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش الأحمر السوفييتي بسبب مقاومة الفنلنديين الشرسة فحسب، بل كانت أيضاً بسبب ضعف إعداد الجيش الأحمر للظروف الجوية القاسية، وتحت درجات الحرارة المنخفضة، فقد عانى العديد من الجنود السوفييت من لدغات الصقيع، كون أزيائهم العسكرية لم تكن مناسبة للظروف المناخية للمنطقة التي دارت فيها حرب الشتاء.
وبعد عام واحدٍ فقط من هذه الحرب، وبعد اندلاع الحرب بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي في يونيو/حزيران 1941، قامت فنلندا بالسماح للقوات الألمانية بالمرور عبر البلاد لغزو الاتحاد السوفييتي.
ثم ما فتئ أن انضم الفنلنديون إلى القتال ضد السوفييت، وقاموا بـ"حرب الاستمرار".
تم توقيع هدنة في 19 سبتمبر 1944، خلصت فعلياً إلى أنّ حلّ الصراع بين الاتحاد السوفييتي وفنلندا، مشروط بالاعتراف الفنلندي بمعاهدة موسكو وإجلاء القوات الألمانية من البلاد.
جاءت النهاية الرسمية للنزاع السوفييتي الفنلندي مع توقيع معاهدة سلام في باريس في 10 فبراير/شباط 1947.