في قلب مدينة غزة القديمة يتربع مسجد السيد هاشم مثل جد عجوز ما زالت ذاكرته خصبة، يروي لأحفاده حكاية قبل النوم عن تاريخ مدينتهم الساحلية.
تفاصيل تلك الحكاية العتيقة بدأت منذ كان عرب شبه الجزيرة يرتحلون إلى غزة للتجارة، ومنهم جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هشام بن عبد مناف، الذي يقال إنه توفي بغزة في رحلته الأخيرة.
وفي تفاصيل الحكاية يقال إن جد الرسول مدفون عند الزاوية الشمالية الغربية للمسجد، الذي يقع في حي الدرج، وتبلغ مساحته حوالي 2400 متر مربع، وكان على مر العصور أحد أهم الجوامع الأثرية بالمدينة الفلسطينية.
مسجد السيد هاشم.. غزة هاشم
بدأ أهل غزة بدفن موتاهم في المنطقة المجاورة للجامع، بجوار قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفي إحدى الروايات القديمة يقال إن العرب أطلقوا اسم "غزة هاشم" بسبب وجود قبر جد النبي فيها.
ولم يكن الجامع العتيق بشكله الحالي موجوداً قبل العصر العثماني، فآنذاك تم تشييده على الطراز المملوكي، وهو يضم باحة مركزية مكشوفة مربعة الشكل محاطة بثلاثة أروقة خارجية للصلاة.
والقاعة الرئيسية للجامع شبه مربعة، مسقوفة بعقود متقاطعة، وبها محراب يتجه نحو القبلة، ومنبر جدد في عام 1850 ميلادياً في عهد السلطان العثماني عبد المجيد الأول.
وبني الجامع من حجارة قديمة تعود لمبانٍ قديمة مندثرة، منها مسجد الجوالي وموقع الأبلاخية، إضافة إلى بقايا أبنية أخرى من مدينتي غزة وعسقلان.
وفي عام 1903 ميلادياً أعيد ترميم القاعة الرئيسية للجامع، بعد ظهور تصدعات وشقوق خطرة هددت الجامع بالانهيار، وأضيفت الأروقة الشمالية والغربية لها.
في عام 1323هـ تعرضت منارة المسجد السيد هاشم إلى خلل ظهر بها، ولكن تجدّد بناؤها وعمر بجانبها من الجهة القبلية بيت آخر للصلاة، على مقربة من البناء الرئيسي، وأصبحت تقام فيه صلاة الجمعة والخطبة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وهو مكان إقامة الجمعة.
أولى رحلات التجارة
كان الجامع في السابق يضم مكتبة كبيرة ومدرسة لتعليم علوم الدين، ولكن هدمت أجزاء كبيرة منها خلال الحرب العالمية الأولى، وأعاد المجلس الإسلامي الأعلى تجديدها سنة 1926 ميلادياً.
وقامت وزارتا الأوقاف والشؤون الدينية والآثار في فلسطين بترميم المسجد عام 2009، وتدعيم المئذنة بعد التصدعات التي أصابتها.
كان أبو هاشم جد الرسول هو أول من سَن الرحلتين لقريش للتجارة، وكان في كل عام يأتي لغزة ويمكث فيها مدة الصيف، وفي آخر مرة من رحلته توفي بها، وحسب مؤرخين فإنه دفن فيها، لذلك أطلق على المدينة (غزة هاشم).
وبعدها توسعت الرقعة التي دفن فيها، ودفن المسلون من حوله في مقبرته، اختفى أثره مع مرور الوقت، لكن مكان المغارة التي دُفن فيها معروف لأهل المدينة.