كانت الحرب العالمية الثانية مسرحاً لأشدّ الأسلحة وأكثرها فتكاً، خلال تلك الحرب وصل التطور العسكري إلى مستوى غير مسبوق، فظهرت الأسلحة البيولوجية والنووية، واختفت بشكل تدريجي الأسلحة التقليدية، التي كانت تستعمل في الحروب والمعارك السابقة، لكن ذلك لم يمنع الجندي البريطاني جون تشرشل الشهير بلقب جاك المجنون، من استعمال أسلحة من القرون الوسطى لمجابهة القنابل والدبابات والطائرات الألمانية.
كان جاك المجنون يحمل معه طوال الحرب سيفه الحديدي، وقوسه، إضافة إلى ترسانة من الأقواس، ليحارب بها أعداءه في المعركة، كما كان يروّح عن نفسه خلال المعارك بالعزف على المزمار، أمّا وسيلة تنقله في المعارك فلم تكن سوى دراجته الهوائية.
جاك المجنون كان يستعمل الدراجة في تنقلاته الطويلة!
وُلد جون مالكولم ثورب فليمنج تشرشل، المعروف اختصاراً بـ"جاك تشرشل" والشهير بلقب "جاك المجنون"، في 16 سبتمبر/أيلول 1906، في مدينة كولومبو، التابعة لمستعمرة سيلان البريطانية (سريلانكا الحالية)، وذلك حسب badass of the week.
كانت والدته تدعى إلينور إليزابيث، وهي ابنة السياسي الإيرلندي الشهير جون ألكسندر بوند بيل، ووالده إليك فليمنج تشرشل، الذي كان يعمل مهندساً في الخدمة المدنية في مستعمرة سيلان، وهي وظيفة شغلها سابقاً والده جون فليمينغ تشرشل.
بعد وقت قصير من ولادة جاك، انتقلت عائلته إلى هونغ كونغ، ثم استقرت في إنجلترا في سنة 1917، وعاشت في مقاطعة دورمانسلاند البريطانية.
ارتاد جون تشرشل كلية الملك ويليام، وتخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية عام 1926، وانضم بعدها إلى كتيبة مانشستر في الجيش البريطاني.
أمضى جاك المجنون سنواته الأولى في الجيش على دراجته أثناء خدمته في بورما حيث كان يقطع مسافاتٍ طويلة عبر الدراجة يومياً، وهناك تعلّم الرمي بالسهام، والعزف على القربة الاسكتلندية، وبعد 10 سنوات من الخدمة قرر جون تشرشل التقاعد من الجيش سنة 1936.
بعد تقاعده، شغل جاك المجنون عدداً من الوظائف الغريبة، من بينها اشتغاله عارضاً للأزياء، ثمّ عازف على مزمار القربة الاسكتلندي، ومحرراً لدى صحيفة في نيروبي في كينيا، وأخيراً ولوجه عالم السينما من خلال اشتغاله في رمي السهام في فيلم "لص بغداد".
وفي سنة 1939، شارك جون تشرشل في بطولة العالم للرماية عن فئة القوس والنشاب، والتي جرت وقائعها في مدينة أوسلو النرويجية، وشارك جون ممثلاً عبر شبه القارة الهندية بأكملها.
جاك المجنون المقاتل البريطاني الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية بالسيف والنشاب!
وبعد غزو ألمانيا لبولندا واندلاع الحرب العالمية الثانية، عاد جون تشرشل للإنضمام مجدداً إلى الجيش البريطاني سنة 1939م، وانضم مرة أخرى إلى كتيبة "مانشستر" برتبة مقدم، وتوجه إلى الأراضي الفرنسية لمحاربة الألمان.
توجه جاك تشرشل إلى المعركة مرتدياً النقبة، وبدلاً من امتلاك رشاشٍ، كان مسلحاً بسيف عريض مثبّت على حزام خصره، وقوس طويل وسهام متدلية على رقبته وكتفه، ويحمل على صدره مزمار القربة الاسكتلندية.
عندما سئل من قبل زميله الضابط لماذا أصرّ تشرشل على حمل السيف في المعركة معه؟ أجاب: "أي ضابط يذهب إلى المعركة دون سيفه، فهو يرتدي ملابس غير لائقة"، بحسب مجلة coffee or die.
في 27 مايو/أيّار 1940، كان جون تشرشل على موعد مع أولى معاركه في الحرب العالمية الثانية، حين عند قاعدة برج للمراقبة، ولمح دورية عسكرية ألمانية تقترب من تلٍّ يطل على قرية ليبينيت الفرنسية .
بعد لحظات، سقط الضابط النازي الأول الذي ظهر في الأفق بعد إصابته على بعد 200 ياردة، مما أدى إلى إطلاق الجنود الألمان إشارة الكمين.
لم يكن جرح الضابط الألماني المميت من طلق ناري، ولكن كان من سهم أطلق من قوس طويل، كان جاك المجنون يحمله ويرمي به الجنود الألمان، بعدها قام جون تشرشل بسلّ سيفه العائد إلى القرون الوسطى، وأمر جنود كتيبته بالهجوم على الكتيبة الألمانية.
وفي مناسبة أخرى، أُمر تشرشل وكتيبته بالاستيلاء على نقطة مراقبة ألمانية بالقرب من مولينا بإيطاليا، والتي كانت تسيطر على الممر المؤدي إلى رأس جسر ساليرنو.
نجح جاك المجنون في أسر 42 جندياً ألمانياً والسيطرة على المركز العسكري، فقط باستخدام سيفه، في البداية تغلب جون تشرشل على أحد الحراس الألمان بسيفه واستخدمه كدرع بشري، وبنفس الطريقة فعل مع بقية الجنود الألمان الذين اضطروا إلى الاستسلام.
قرر جون تشرشل التطوع في صفوف كتيبة "الكوماندوز" البريطانية، وفي 27 من شهر ديسمبر/كانون الأوّل سنة 1941، أصبح نائب قائد قوات المغاوير الثالثة في عملية "القوس والنشاب"، التي كانت عبارة عن غارة على الثكنات الألمانية في (فاغسوي) في النرويج.
سبّب له اسمه مشاكل مع الألمان، وكان يتمنى ألا تنتهي الحرب العالمية الثانية
واصل تشرشل قيادة رجاله في القتال ضد القوات الألمانية في يوغوسلافيا، ولكن في النهاية تم أسره من قبل الألمان، وذلك أثناء القتال من أجل النقطة 622 في جزيرة براك في البحر الأدرياتيكي.
خلال تلك المعركة، قتل أو جرح كل رجل في فريق الكوماندوز الخاص به، وبقي جون تشرشل وحيداً وسط المعركة، حينها بدأ جاك المجنون في عزف الأغاني الحزينة على مزمار القربة الاسكتلندية الذي يرافقه دوماً في معاركه، حتى فقد وعيه.
وعندما استعاد وعيه، وجد نفسه أسيراً في يد الألمان الذين نقله إلى عسكر اعتقال زاكسينهاوزن.
عندما اكتشف الألمان أن اسمه هو تشرشل، وضعته المخابرات الألمانية على متن طائرة متجهة إلى برلين، حيث سار في الشوارع مقيداً بالسلاسل.
وبعد استجوابه، حُكم عليه بالسجن في معسكر اعتقال خاص، على أساس أنه أحد أقارب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، بحسب anglocelt.
لم يكن جون تشرشل في الواقع، على صلة برئيس الوزراء البريطاني على الرغم من أنهما يشتركان في نفس اللقب.
في إحدى ليالي سبتمبر/آب عام 1944، حاول جاك المجنون الهرب من معسكر الإعتقال، وذلك بالزحف تحت الأسلاك الشائكة ومن خلال قناةٍ للصرف الصحي المهجورة، لكن لسوء حظّه تم القبض عليه لاحقاً أثناء سيره باتجاه ساحل بحر البلطيق، وتم نقله إلى معسكر اعتقال في النمسا.
لم يفقد جاك المجنون الأمل في الهرب من معسكر النازيين، ففي شهر أبريل/نيسان 1945م، نجح في الهرب، وذلك بعد سيره لمسافة 150 ميلاً عبر التضاريس الوعرة لجبال الألب، حتى التقى أخيراً بكتيبة من المدرعات الأمريكية التي قامت بإعادته إلى إنجلترا.
بعودته إلى إنجلترا، كانت الحرب في أوروبا في طريقته إلى النهاية، فأعرب جون تشرشل عن رغبته في محاربة اليابانيين، ولكن بينما كان قطاره ينطلق الى المحطة في بورما، تلقى رسالة تفيد بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، وأن الحرب العالمية الثانية ستنتهي قريباً، بحسب historic.
وبينما فرح الكثير بانتهاء الحرب، لم يُخفِ جاك المجنون غضبه وامتعاضه من توقف الحرب، وسلّط جام غضبه على الأمريكيين، إذ قال: "لو أن هؤلاء الملاعين – يقصد الأمريكيين- لم يتورطوا في الأمر، لكنا قد أبقينا على نار الحرب متقدة لـ10 سنوات أخرى".
واصل جاك المجنون مسيرته مع الجيش البريطاني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى تقاعد في سنة 1959م، وتوفي سنة 1996م.