طيلة الحرب العالمية الثانية كانت القوتان الألمانية والأمريكية تتحاربان في مواقع عديدة بأوروبا، فقد كانت الدولتان في حالة حرب، لكن ما حدث في آخر أنفاس تلك الحرب، جعل القوتين تحاربان معاً في صفٍّ واحد، وذلك في أثناء حصار قلعة لاتر، التي اتخذها نظام هتلر سجناً للشخصيات الفرنسية الرفيعة.
خلال تلك المعركة، حارب الجنود الألمان جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية، في حدثٍ غير مسبوقٍ بالحرب العالمية الثانية.
قلعة لاتر.. القلعة التاريخية التي حوّلها هتلر إلى سجن للفرنسيين
تنتمي قلعة لاتر إلى القرون الوسطى، إذ تم تشييدها في القرن الثالث عشر الميلادي، وعلى مرّ القرون سقطت القلعة في حالة خراب، حتى أعيد بناؤها في عام 1532، ومن ثمّ تَمَّ ترميمها في عام 1878، وتحولت إلى فندق في أوائل القرن العشرين، وذلك حسب الموسوعة البريطانية.
في عام 1943، تم الاستيلاء على قلعة لاتر من قبل قوات الأمن الخاصة الألمانية، حيث تحوّلت إلى سجنٍ للمعتقلين والشخصيات البارزة، فقد احتجز هناك بعض السياسيين والجنرالات الأكثر نفوذاً في فرنسا، مثل رئيس الوزراء الفرنسي إدوار دلادييه الذي وقع اتفاقية ميونيخ مع النازيين، وقام بالتنازل لهم عن إقليم السوديت غرب التشيك، ورئيس الوزراء الفرنسي الآخر بول رينو الذي رفض الانضمام إلى الهدنة مع ألمانيا فاستقال من منصبه واعتقل بعدها بقليل، إضافة إلى موريس جميلين وميشيل كليمنصو.
لم يكن معتقل قلعة لاتر مخصصاً للرجال فقط، فقد احتُجزت فيه العديد من النساء، أبرزهنّ ماري أغنيس كايليو الأخت الكبرى للجنرال شارل ديغول، وإحدى أقارب الجنرال الفرنسي هنري جيرو.
تم وضع السجناء في غرف القلعة، مع حرية الحركة داخلها، وكانت مهمة حراسة وحماية القلعة منوطة بقوات الأمن الخاصة النازية "فافن إس إس" التابعة للجيش الألماني النازي.
قلعة لاتر.. المعركة التي حارب فيها الألمان والأمريكان يداً بيد!
بحلول نهاية أبريل/نيسان 1945، كان الخناق يضيق حول الألمان شيئاً فشيئاً وبوادر النهاية قد لاحت في الأفق، ففي الشرق نجح الجيش الأحمر السوفييتي في التوغل بعمق المجر، بينما استسلمت القوات الألمانية في إيطاليا بالجنوب؛ وحققّ الحلفاء انتصارات وتقدماً كبيراً في الغرب.
في الوقت الذي انسحب فيه ما تبقى من الجيش الألماني المحطم إلى النمسا، حتى صارت مدينة تيرول النمساوية مليئة بآخر ما تبقى من قوات الفيرماخت وكتائب "فافن إس إس" الألمانية.
في تلك الأثناء، كان شعور السجناء داخل قلعة لاتر يزداد خوفاً ورعباً مما يحمله قادم الأيام.
فقد كان كبار الشخصيات الفرنسية المعتقلة في القلعة تخشى أن يفضل حراس القوات الخاصة الألمانية إعدامهم على إطلاق سراحهم للحلفاء، خصوصاً بعد سماعهم بمقتل هتلر، بحسب wargaming.
في يوم 3 مايو/أيار، تمكن السجناء من إرسال عضو المقاومة الشيوعية اليوغوسلافي، زفونيمير كوكوفيتش، خارج سجن القلعة، حاملاً معه رسالة باللغة الإنجليزية للحصول على مساعدة من قوات الحلفاء، كانت حجة خروج كوكوفيتش هي أداء مهمة كلّفه بها قائد السجن سيبستيان فيمر.
بعد ساعات، تمكن كوكوفيتش من التواصل مع فوج المشاة 409 التابع لفرقة المشاة 103 الأمريكية بالفيلق السادس الأمريكي في إنسبروك النمساوية، ورغم أن القلعة تقع خارج الولاية العسكرية للفرقة، فقد أرسل الرائد جون ت. كرامرز قائد الفرقة، قوة إنقاذ صغيرة إلى القلعة.
في فجر اليوم التالي، توجهت قوة الإنقاذ الأمريكية إلى قلعة لاتر، لكن القصف العنيف جعل طريقها إلى لاتر طويلاً وشاقاً.
في تلك اللحظة، تخلى حراس سجن لاتر عن مواقعهم ليبقى سجن قلعة لاتر بلا حراس.
رغم ذلك، لم يجرؤ المساجين على الفرار ونيل حريتهم، فقد كانت جحافل كتائب "فافن إس إس" الألمانية في الجوار.
الشيء الوحيد الذي استطاع السجناء فعله، هو تولي مسؤولية حماية القلعة من أي هجوم، فكان الحارس المنشق عن القوات الألمانية النازية زيغفريد شرادر قائداً لهم.
أرسل السجناء مبعوثاً ثانياً بعد أن فقدوا الأمل في نجاح كوكوفيتش في العودة بالدعم، فأرسلوا هذه المرة السجين التشيكي أندرياس كروبوت؛ لمحاولة طلب الإغاثة من مدينة فارغل أقرب مدينة لهم.
ومن حسن حظ كروبوت أن قوات الفيرماخت الألمانية كانت قد انسحبت من المدينة لتوها، فنجح في الاتصال بالمقاومة النمساوية.
التقى كروبوت بالرائد سيب جانجل، وهو ضابط من الجيش الألماني انشق عن النازية وانضمّ إلى المقاومة النمساوية.
قرر الضابط الألماني جانجل التواصل مع الأمريكيين لطلب المساعدة في تحرير قلعة لاتر، حيث أجرى اتصالات مع قائدهم النقيب جاك سي لي، وبدأ الضابطان في التخطيط لعملية الإنقاذ.
انطلق جانجل برفقة 14 جندياً أمريكيّاً، وشاحنة تقلُّ 10 من رجال المدفعية الألمانية المنضمين للمقاومة النمساوية، وتمكنوا من رفع الحصار الذي فرضته القوات النازية على الطريق المؤدي إلى القلعة.
عند قلعة لاتر، قتلت نيران القوات الخاصة الألمانية، العديد من رجال الفيرماخت الذين انشقوا عن النازية وآثروا القتال مع القوات الأمريكية، كان أبرز القتلى الرائد جانجل، الذي قُتل برصاص قناص في أثناء محاولته هو والضابط الأمريكي لي تحديد موقع لاقتحام سجن قلعة لاتر، بحسب history net.
وفي نهاية المعركة نجح الجنود الألمان والأمريكيون في الدخول يداً بيد إلى قلعة لاتر، والدفاع عن السجناء الفرنسيين.