طُبع اسما الحلاق والخباز باراباس كابارد وبيار ميكولون في ذاكرة الفرنسيين لمدةٍ طويلة؛ كيف لا وهما من أشهر المجرمين المتسلسلين بتاريخ فرنسا، وكانا يرتكبان جرائمهما بطريقةٍ بشعة وشيطانية، ما جعل قصتهما أقرب إلى الخيال من الحقيقة.
لكن قبل الدخول في تفاصيل قصتهما، لنتعرّف قليلاً قبل ذلك إلى الحقبة التاريخية التي عاشا فيها.
كانت فرنسا تعيش في بداية القرن الخامس عشر حرباً أهلية بين أنصار الأمير لويس دو أورليون والموالين للأمير جان الأول دو بورغرون، وذلك من أجل الظفر بحق الوصاية على ملك البلاد شارل السادس الذي كان يُعاني من الخرف ويمنعه من القيام بكامل مهامه الملكية.
تسبّبت تلك الحرب الأهلية في تعرّض فرنسا لأزمةٍ اقتصادية حادة خلال تلك الفترة، وبالتالي في عيش معظم الفرنسيين بفقرٍ وبؤسٍ شديدين.
وسط تلك الظروف القاسية، خطرت لرجلَين عديمَي الرحمة فكرةً جهنمية من أجل كسب المال.. فكرةٌ دخلت من خلالها مدينة باريس -وسكّانها- في حالةٍ من الرعب على مدى 4 سنوات.
لا توجد وثائق رسمية تتحدث عن قصة الحلاق والخباز التي روّعت باريس في القرن الخامس عشر، ولكن الفرنسيين توارثوا الحكاية الرهيبة جيلاً بعد جيلٍ، إلى أن تم توثيقها في عصرنا الحالي عبر صفحات الجرائد والمجلات.
جرائم باراباس كابارد وبيار ميكولون
بحسب موقع Pariszigzag الفرنسي، فإن أحداث الجرائم المروّعة جرت في الفترة ما بين 1410 إلى 1414، بجزيرة "لاسيتي" على نهر السين، الذي يمرّ عبر العاصمة الفرنسية باريس.
اشترك باراباس كابارد وبيار ميكولون في سلسلة من أعمال القتل، وقد قتلوا 343 رجلاً في 4 سنوات! كانت مهمة الحلاق كابارد تتمثل في ذبح زبائنه بموس الحلاقة، للاستيلاء على نقودهم، ثم يتخلّص الخباز ميكولون من جثثهم بطريقته الخاصة.
ووفق مقالٍ آخر نشره نفس الموقع، المتخصّص في أسرار مدينة باريس، فإن الحلاق -وبعد تنفيذه جريمة القتل- يقطّع جثة ضحيته، ثم يلفّها ويرميها داخل فتحةٍ بمحله تؤدي مباشرةً إلى قبو متجر جاره وشريكه الخباز، الذي يستخدم لحم الجثة في إعداد وطهي نوعٍ من الفطائر الصغيرة ويبيعها إلى زبائنه!
وفي هذا الإطار، أشار موقع Enquêtes de vérité الفرنسي إلى أن الملك شارل السادس كان من أبرز زبائن الخباز، وكانت تلك الفطائر الصغيرة هي المفضلة لديه، لكن من دون علمه طبعاً بالمكونات المُستعملة في إعدادها.
توقفت جرائم باراباس كابارد وبيار ميكولون في عام 1414، بعدما كُشف أمرهما. حدث ذلك بعدما لفت انتباه الجيران والشرطة نباحٌ قوي ومُستمرّ لكلب أحد الضحايا، أمام متجر الخباز.
أُحرق المُجرمان وهما على قيد الحياة
لم يتوقف الكلب عن النباح حتى اتصل أحد الجيران بالشرطة، التي عثرت لاحقاً في قبو المتجر على أدلةٍ دامغة، تُثبت تورّط الخباز وشريكه الحلاق في سلسلة الجرائم المروعة التي ارتكباها، بما في ذلك الآلة المُستخدمة في تقطيع الجثث.
ووفقاً لموقع Sortir à paris الفرنسي، فإن الضحية الأخير كان طالباً ألمانياً؛ وبعد إلقاء القبض على الشريكَين المجرمَين باراباس كابارد وبيار ميكولون، اعترفا بارتكاب الجرائم وأكدا التُّهم الموجّهة إليهما، فتم إحراقهما وهما على قيد الحياة!
وُضع الرجلان داخل قفصٍ حديدي في ساحة Place De La Grève، حيث كانت تُنفذ عمليات الإعدام في القرون الوسطى، أمام حشدٍ كبير من سكان باريس والمناطق الأخرى المُحيطة.
وقد جرت العادة وقتئذٍ على هدم البيوت التي تُرتكب فيها جرائم القتل المروعة، وهذا ما حصل. فقد أُحرق منزلا باراباس كابارد وبيار ميكولون، إضافة إلى متجر الخباز وصالون الحلاق.
تمّ بناء مرآب لدراجات شرطة جزيرة "سيتي" النارية، مكان منزلَي ومتجرَي باراباس كابارد وبيار ميكولون. وما زال المرآب يحتفظ، في جزئه الخلفي، بالحجارة من بقايا آلة الخباز الرهيبة لتقطيع الجثث.
باراباس كابارد وبيار ميكولون.. رواية وفيلمَين
ألهمت هذه القصة الرهيبة مجموعة من الأعمال الفنية منذ القرن الـ19؛ فقد صدرت رواية بريطانية مُصوَّرة على أجزاء، بين سنَتَي 1846 و1847، حملت عنوان The String of Pearls.
تتحدث الرواية عن قصة مجرمٍ اسمه "سويني تود"، يملك صالون حلاقة في العاصمة البريطانية لندن، حيث يقتل زبائنه، ثم يقدم جثثهم لشريكته "السيدة لوفيت" التي تقوم بدورها بطهي لحمها مع الفطائر التي تصنعها.
وفي عام 1936، واستناداً إلى تلك الرواية المصوّرة، أُنتج فيلم الرعب البريطاني بعنوان Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street، من إخراج الإنجليزي جورج كينغ، وقد أدى الممثل الإنجليزي تود سلوغتر دور الحلاق-القاتل المتسلسل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2007، صدر فيلمٌ آخر مُستوحى من الرواية البريطانية ذاتها ويحمل عنوان الفيلم الأول ذاته، من إخراج الأمريكي تيم بورتون وبطولة الممثل الشهير جوني ديب، في دور الحلاق سويني تود.