يعدّ الحجاج بن يوسف الثقفى، واحداً من أشهر الشخصيات في التاريخ الإسلامي، التي ارتبط اسمها بالطغيان وسفك الدماء؛ إذ فتكَ الوالي الأموي على العراق دم عشرات الآلاف، وشكّل رعباً في ولايته.
ورغم ذلك، فإنّ سيرة الوالي الأموي، كُتبت فيها فصولٌ صغيرةٌ من الذل والهوان، عاشها الحجاج كان بطل إحداها سيدةٌ من نساء الخوارج الذين خرجوا على الدولة الأموية، تسمى غزالة الشيبانية التي تحدت الحجاج وأرادت قتله، لكنه هرب منها.
حين قاد زوج غزالة ثورة ضد الأمويين
لا تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن حياة غزالة الشيبانية قبل زواجها من شبيب الخارجي، سوى أنها وُلدت في الموصل في القرن السابع الميلادي، ﻭﻛﺎﻧت الموصل موطناً لقبائل ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻭﺍﺋﻞ ﻭﺑﺎﻗﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻧﺰﺍﺭ.
خلال تلك الفترة، وعندما قرّر عبد الملك بن مروان تعيين الحجاج بن يوسف الثقفي والياً له على العراق، كان هذا الأخير يعيش على وقع فتنة كبيرة بسبب الخارجين على حكم بني أمية.
وكانت ثورة شبيب الخارجي، إحدى الثورات التي خرجت ضدّ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وواليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.
قاد تلك الثورة رجلٌ يُدعى شبيب بن يَزيد بن نعيم بن قيس الشيباني، وهو زوج الغزالة الشيبانية، ويعرف باسم "أبو الضحاك، بحسب ما ورد في كتاب "تعلمت من الحجاج".
استطاع شبيب أن يحقق انتصاراتٍ كثيرة ضدّ الأمويين، في أحدها استطاع زوج الغزالة أن يهزم جيشين أمويين في آنٍ واحدٍ، كانا يريدان هزيمته، وقيل إنّه نجح في صدّ 20 جيشاً من جيوش الحجاج في أقل من سنتين.
وبعد سلسلة الهزائم المتتالية للأمويين ضد جيش شبيب الخارجي، دخل الحجاج بن يوسف الثقفي على سكة المواجهة، فيذكر ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب إلى زوج ابنته الذي كان قد عيّنه نائباً له على البصرة، يأمره أن يجهّز جيشاً من4 آلاف مقاتل للهجوم على شبيب.
نتيجة لعجز الحجاج بن يوسف عن قتل شبيب وجيشه، أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان قائده العسكري سفيان بن الأبرد رفقة جيشٍ كبيرٍ من أجل مواجهة شبيب وقتله.
تحدّت الحجاج في قصره ومسجده!
لم يكن شبيب وحده قائداً لمجموعته، بل كان هناك قائدٌ آخر لا يقل شجاعة وفروسية عن شبيب، فقد كانت زوجته غزالة الشيبانية قائدةً للجيش ومحاربة قوية وسط المعارك، بحسب ما ذكره الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".
ففي إحدى المرات أغارت الغزالة وزوجها على مدينة الكوفة التي كانت عاصمةً لولاية الحجاج بن يوسف، لم يستطع الحجاج أن يجابه الغزالة وزوجها، وقام بالاحتماء في قصره، بحسب ما ورد في كتاب "الحجاج بن يوسف الثقفي: بين الطاغية ورجل الدولة".
توجهت غزالة الشيبانية بفرسها ووقفت عند باب قصر الحجاج ونادته طالبةً منه النزول لتبارزه بالسيف، فخشي الحجاج على نفسه ورفض، وصارت تلك الواقعة مضرباً للمثل، ودليلاً على جبن الحجاج رغم جبروته وسلطته، وعن ذلك الحدث كتب الشاعر عمران بن حطان إلى الحجاج هجاءً قال فيه:
أَسَدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة … فَتْخَاء تَنْفرُ من صفير الصافرِ
هَلَّا بَرَزْتَ إلى غزالةَ في الوغى … بل كان قلبك في جناحَي طائرِ
صدعت غزالة قلبه بفوارس… تركت مدابره بالأمس الدابرٍ
لم يتوقف تحدي الغزالة للحجاج عند تلك الواقعة، بل تعدته إلى القسم بالصلاة في مسجده ركعتين، وبالفعل نزلت غزالة الشيبانية برفقة زوجها و70 رجلاً من قبيلتها بالكوفة صباحاً، ودخلت المسجد وصلّت ركعتين، قرأت فيهما سورتي البقرة وآل عمران، ثمّ خرجت دون أن يصيبها شيء من الحجاج ورجاله، وفي تلك السنة قال أهل الكوفة:
وفت "الغزالة" نذرها… يا ربّ لا تغفر لها
واستمرت الغزالة في القتال إلى جنب زوجها شبيب، حتى قُتلت على يد فروة بن الدفان الكلبي، أواخر القرن السابع الميلادي، وقام الحجاج بقطع رأسها، بحسب ما ذكره البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف".