هلال مئذنته العتيقة يرتفع موازياً لصليب واحدةٍ من أهم الكنائس في فلسطين، ليريك صورة للتسامح الديني في مدينة غزة، مسجد كاتب الولاية وكنيسة الروم الأرثوذكس "القديس بيرفيريوس" المتجاوران بقلب مدينة غزة القديمة، حيث تتلاقى مئذنة المسجد مع صليب الكنيسة ليرويا حكاية تعايش المسلمين والمسيحيين في فلسطين على مر العصور.
ويعد مسجد كاتب ولاية من الجوامع الأثرية المهمة في مدينة غزة، ويقع في حي الزيتون بالبلدة القديمة، وتقدر مساحته بنحو 337 متراً مربعاً.
ويرجع تاريخ بناء الجامع بحسب أقدم نص كتابي تأسيسي موجود أسفل المئذنة إلى سنة 1432 ميلادي، ويدلل على ذلك اللوحة التأسيسية الموجودة أسفل المئذنة.
اقرأ أيضاً
كاتب الولاية في زمن السلطان
وتذكر تلك اللوحة أن "الأشرف السيفي أفنان العلائي"، نائب السلطة الشرفية بغزة، أمر ببناء هذه المئذنة ابتغاء وجه الله تعالى، في مستهل شهر ذي الحجة عام 725هـ/1325م، وذلك زمن السلطان المملوكي محمد بن قلاوون.
وقد دمر الجامع بعد ذلك فأمر بإنشائه وتجديده الوالي العثماني (أحمد بك)، كاتب الولاية في زمن السلطان (مراد بن سليم الثاني)، وذلك سنة 1587م، كما هو منقوش على بابه، لذا سمي بمسجد (كاتب الولاية).
وبعد الحرب العالمية الأولى زِيد في ارتفاع مئذنته، ويتكون الجامع حالياً من مصلى رئيس به عمودان رخاميان يعلوهما تيجان بزخارف كورنثية الطراز، يحملان ستة عقود متقاطعة تكون رواقين، والمنبر يحتوي على بقايا أحجار مزخرفة بنيت فوق باب الروضة التي أزيلت معظم نقوشها.
أما المئذنة فهي قائمة على قاعدة مربعة الشكل وهيكلها مثمن، تتخللها شبابيك مستطيلة، وفي الوسط توجد فتحات دائرية صغيرة في بعض أضلاعه، أما أعلاها فهناك فتحات مستطيلة تليها مشرفة معروشة للمؤذن مستندة على دعائم حجرية تسمى بـ(الجوسق).
ولعل من أبرز ما يميز الجامع تجاوره مع كنيسة القديس بيرفيريوس، وتلاقي المئذنة مع الصليب في مكان واحد.
وكانت آخر عمليات ترميم الجامع وصيانته بشكل كامل عام 2016، وتم تدعيم المئذنة ومعالجة تسرب مياه الأمطار لبعض زوايا الجامع.
اقرأ أيضاً
أهم آثار غزة
يقول المؤرخ الفلسطيني أحمد جاد الله لـ"عربي بوست" إن المسجد واحد من أهم الآثار الموجودة حالياً في قطاع غزة، وأوضح أن للمسجد منارة منقوشاً عليها "أمر بعمارة هذه المئذنة مولانا المقر الأشرف السيفي أفنان العلائي نائب السلطنة الشريفة بغزة المحروسة ابتغاءً لوجه الله تعالى في مستهل ذي الحجة الحرام 725هـ وذلك في أيام السلطان (الناصر محمد بن قلاوون)"
دمر المسجد فأمر بإنشائه وتجديده أحمد بيك كاتب الولاية في أوائل ذي القعدة سنة 995هـ وتجدد في إيوان المسجد بصحنه وصارت له أوقاف تقوم بتجديده وترميمه
يضيف جاد الله إن المسجد والكنيسة يعبران عن مدى التسامح الديني الذي يعيشه الفلسطينيون، خصوصاً في قطاع غزة، فالمسجد يقابل بمئذنته الكنيسة، وتجد أن المكان يعج بالمسلمين والمسيحيين في المناسبات الدينية، ولا تجد أي مشاحنات أو أزمات أو احتقان بين الاثنين، على العكس، فإن الإخاء والتسامح الذي تشاهده يعطي مثلاً واضحاً على التعايش والتسامح في آن معاً
اشتهر الحي بوفرة الزيتون فيه وبخاصة في عهد الروم، ومع مجيء السلطان سليم خان طلب من الأهالي الاهتمام بزراعته لفائدته، وتجد في ساحة المسجد وحوله كثيراً من شجر الزيتون، الذي لا يحيط بالمسجد وحده فحسب بل الأماكن الأثرية الأخرى في محيطه مثل مقبرة الروم الأرثوذكس، ودير الروم، ودير اللاتين، ومستشفى وكنيسة للإنجليز