دمرت القوات الأمريكية البحرية نظيرتها اليابانية واخترقت دفاعات جزرها وقصفت مدنها، وعلى الصعيد الآخر حاصرتها اقتصادياً بشكل خانق.. وبحلول صيف عام 1945 كان كل شيء يوحي أن اليابان خسرت الحرب تماماً.
مع ذلك، تعاملت الحكومة اليابانية مع قرار "الاستسلام" بخوف وحذر شديدين، لأن أي تحرك باتجاه الاستسلام للولايات المتحدة سيؤدي على الأرجح إلى انقلاب عسكري في اليابان، وبالفعل كانت مخاوف الحكومة بمكانها، تعالوا نروِ لكم قصة: "أطول يوم في اليابان".
ماذا لو لم تستسلم اليابان في الحرب العالمية الثانية؟
في الواقع، حدثت محاولة انقلابية داخل الحكومة اليابانية بالفعل آنذاك، وعلى الرغم أن الأمريكيين لا يعلمون عنها الكثير، إلا أن معظم اليابانيين يعرفون تفاصيلها بفضل فيلم "Japan's Longest Day" الصادر عام 1967، والذي كثيراً ما يُذاع في الذكرى السنوية لاستسلام اليابان.
تدور أحداث الفيلم حول محاولات مجموعة من ضباط الأركان الشباب بالجيش الذين كانوا رافضين لقرار الاستسلام ويرغبون في مواصلة الحرب، ولتحقيق هذا الهدف راحوا يقنعون القادة الرئيسيين بالجيش بتنفيذ انقلاب عسكري للإطاحة بالحكومة ومواصلة القتال.
وقد كانت الشخصية الرئيسية في ذاك الحدث وزير الحرب الياباني الجنرال كوريشيكا أنامي، الذي تعاطف مع ضباط الأركان لكنَّه منع الانقلاب في النهاية، وبقيت الحكومة ذاتها في اليابان واستسلمت للولايات المتحدة بدلاً من مواصلة القتال.
لكن ماذا كان سيحدث لو أن أنامي قرَّر بدلاً من ذلك الانضمام إلى الانقلاب؟
استسلام "الإمبراطور"
في الحقيقة، عارض أنامي بشدة فكرة الرضوخ لمطلب الحلفاء بالاستسلام غير المشروط، حتى بعد الأحداث المدمرة في مطلع أغسطس/آب 1945، أي القصف النووي لهيروشيما في 6 أغسطس/آب، ودخول السوفييت مسرح حرب المحيط الهادئ في 8 أغسطس/آب، والقصف النووي لناغازاكي في 9 أغسطس/آب.
وكان هو وعضوان آخران بالمجلس الأعلى للحرب في اليابان يُفضِّلان مواصلة القتال، ليس على أمل الانتصار في الحرب، بل لإلحاق ما يكفي من الضرر بالعدو للوصول إلى استسلام تفاوضي من شأنه أن يحافظ على "Kokutai"، أو مؤسسة الإمبراطور. بينما كان النصف الثاني من المجلس– وزير الخارجية، ووزير البحرية، ورئيس الوزراء كانتارو سوزوكي- يُفضِّلون الاستسلام.
وفي النهاية، في ما بات يُعرَف باسم "القرار المقدس"، ألقى الإمبراطور هيروهيتو بثقله المعنوي خلف أولئك الذين يُفضِّلون الاستسلام. وفي 10 أغسطس/آب، أشارت الحكومة اليابانية إلى قبولها مطلب الحلفاء بالاستسلام غير المشروط، مع "تفهُّم" أنَّ هذا لا "يشمل أي مطلب يُخِلُّ بصلاحيات جلالته بصفته حاكماً سيادياً".
وجاء رد الحلفاء في اليوم التالي بأنَّه منذ لحظة الاستسلام "ستخضع سلطة الإمبراطور والحكومة اليابانية في حكم الدولة" إلى القائد الأعلى للحلفاء، وهي صياغة كانت في أحسن الأحوال مبهمة بشأن الحفاظ على مؤسسة الإمبراطور.
اليوم الأطول في اليابان
على الرغم من محاولة الحكومة اليابانية إبقاء المفاوضات مع الحلفاء سراً، سرعان ما اكتشفها 6 ضباط يشغلون مناصب رئيسية في المكتب العسكري بوزارة الحرب. وقد أعدُّوا خطة لعزل الحكومة القائمة ووضع السلطة الحقيقية بصورة مباشرة في يد الجيش، وخصوصاً أنامي.
لم يعتبر الضباط أنفسهم خونة للإمبراطور، بل اعتبروا أنَّه تعرَّض للتضليل من جانب "الانهزاميين" في المناصب العليا، وظنّوا أنَّ واجبهم الأعلى يكمن في طمأنة مؤسسة الإمبراطور.
اعتمدت خطتهم على تعاون فرقة الحرس الإمبراطوري، التي تحمي القصر، وجيش المنطقة الشرقية، الذي كان يسيطر على طوكيو ومحيطها. كان الجنرال تاكيشي مورا يقود فرقة الحرس الإمبراطوري، في حين كان الجنرال شيزويتشي تاناكا يقود جيش المنطقة الشرقية. كان دعمهما ضرورياً. وستتحسن فرص المدبِّرين للانقلاب بشدة إذا تمكنوا أيضاً من الحصول على دعم أنامي ورئيس أركان الجيش، يوشيجيرو أوميزو.
تواصل المدبِّرون مع أنامي في 12 أغسطس/آب، ونجح في تأجيل تنفيذ الخطة بواقع 24 ساعة حاسمة. وخلال ذلك الوقت، حذَّر سراً موري وتاناكا من إمكانية حدوث تمرد، وقرَّرت حكومة سوزوكي، بمشاركة الإمبراطور، الاستسلام دون مزيد من المفاوضات.
لكنَّ موقف أنامي من المُدبِّرين كان متعاطفاً للغاية، لدرجة أنَّ معظمهم اعتقد أنَّه قد ينضم إلى جانبهم، وشرعوا في خطتهم. وفي 15 أغسطس/آب، تواصل المدبِّرون مع الجنرال موري. وقد أردوه قتيلاً حين وجدوه متعنِّتاً وأرسلوا أوامر زائفة ممهورة بتوقيعه. طوَّقت عناصر فرقة الحرس الإمبراطوري القصر، عازِلَةً هيروهيتو.
دخل الجنود مكاتب وكالة رعاية القصر الإمبراطوري وفتّشوها دون جدوى بحثاً عن سجل المرسوم الإمبراطوري بالاستسلام. في غضون ذلك، علم تاناكا بجهودهم، فسارع إلى القصر وأجهض المؤامرة في مهدها بكشفه أنَّ أوامر موري المزعومة زائفة. فقتل المتآمرون أنفسهم.
ماذا لو كان أنامي انضم إلى الانقلاب؟
لربما اختلفت النتيجة لو كان أنامي قدَّم دعمه للمدبِّرين. في ذلك السيناريو، ينضم أنامي إلى المؤامرة في 12 أغسطس/آب. ويذهب إلى أوميزو، رئيس أركان الجيش، في الحال. يقاوم أوميزو الفكرة في البداية، لكنَّه يوافق على مواكبتها لتأكُّده من أنَّ الخطة ستنجح بدعم أنامي. يبدأ الانقلاب كما كان مُقرَّراً له في الأصل في منتصف الليل في 13-14 أغسطس/آب. يعارض كل من موري وتاناكا الخطة، مثلما فعلا في الواقع فيتم اغتيالهما. تقبل فرقة الحرس الإمبراطوري الأوامر الزائفة باعتبارها حقيقية، خصوصاً أنَّ أنامي وأوميزو يؤيدانها، فتعزل القصر. ويعلن جيش المنطقة الشرقية الأحكام العرفية.
يتم وضع أعضاء فصيل السلام قيد "الحجز الوقائي"، ما يحول دون قدرة الحكومة على مناقشة رد الحلفاء على عرض الاستسلام الأولي. ولا يحظى هيروهيتو، المعزول داخل القصر، على فرصة للتأثير على الأحداث. وهو لا يملك سلطة دستورية للتصرُّف على أي حال، باستثناء التصديق على قرار يصدر على المستوى الحكومي، وسيكون المرسوم الإمبراطوري بلا جدوى على أي حال.
في الواقع، مع تجمُّع حكومة عسكرية حول أنامي، لربما تماشى هيروهيتو على مضض مع هذا التطور الجديد. وهنا ستوضح الحكومة العسكرية اليابانية الجديدة للحلفاء أنَّ اليابان ستواصل المقاومة.
قد يأكل الجيش الياباني نفسه
يفترض أنامي وآخرون أنَّ استمرار المقاومة سيجعل المفاوضات المستقبلية أكثر ملاءمة لليابانيين. لكن ماذا لو أصبح ما تخشاه الحكومة اليابانية الآن واقعاً: انتهاء استعداد الحلفاء للتفاوض.
وفقاً لما ورد في موقع HistoryNet الأمريكي، من خلال تنحية هيروهيتو لصالح الولاء المجرد لمؤسسة الإمبراطور، كان المتآمرون سيضعون سابقة يمكن أن تستغلها أي مجموعة من المتعصبِّين بعد ذلك. فوفقاً للمنطق الذي قام عليه الانقلاب الأصلي، يمكن اعتقال أو اغتيال أي شخص في الحكومة ينبس ببنت شفة عن الاستسلام على يد أولئك الذين يُفضِّلون استمرار القتال. وفي غياب قدرة سياسية على إنهاء الحرب، لربما استمر الصراع حتى تدمير قدرة الجيش الياباني على المقاومة تماماً، وموت ملايين آخرين نتيجة لذلك.
لغز "جريمة" أنامي
مع ذلك، لم يحدث أيّ من ذلك لأنَّ أنامي وضع ولاءه للإمبراطور أولاً. لكنَّ سلوكه بين 12 و15 أغسطس/آب يوحي بصراع داخلي حاد. ففي 15 أغسطس/آب 1945، وهو اليوم الذي أذاع فيه هيروهيتو أنباء الاستسلام الياباني، رفض أنامي محاولة أخيرة من صهره للانضمام إلى المؤامرة. ثُمَّ جثا على ركبتيه، ونزع أحشاء نفسه، وغرس سكيناً في رقبته في محاولة فاشلة لقطع الشريان السباتي. ساعده صهره على إكمال المهمة، ثُمَّ وضع على جثته قصيدتين وداعيتين كان أنامي قد ألَّفهما ويعتذر في إحداهما للإمبراطور عن "جريمة كبرى".
وحتى يومنا هذا، لا أحد يعلم ما هي الجريمة التي كان يشير إليها، ربما كان ذلك هو الإغراء الذي شعر به للانضمام إلى المتآمرين وتحدي مليكه.