عرفت الحرب العالمية الأولى استخداماً مكثّفاً للأسلحة الكيماوية لأول مرة على نطاق واسع، ففي خضم ذلك الصراع العالمي، لم تتردد الجيوش المتحاربة في اللجوء لهذا السلاح من أجل حسمٍ سريعٍ للمعارك، وإيجاد حلٍّ لحرب الخنادق التي كانت السمة الرئيسية في الحرب العالمية الأولى.
وكانت معركة إيبر الثانية مسرحاً لأكبر مواجهة بالغازات السامة، حين أمطرت القوات الألمانية الجنود الفرنسيين والكنديين والجزائريين بأطنان من غاز الكلور.
الفرنسيون أوّل من استعمل السلاح الكيميائي في الحرب
بالرغم من أن استعمال الغاز في المعارك كان أقدم من الحرب العالمية الأولى، لكنّ هذه الأخيرة كانت أكثر الحروب التي يتمّ فيها استعمال هذا الغاز الفتاك، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن الجيش الألماني كان أول من استخدم الغاز، إلا أنه في الواقع تم استخدامه في البداية من طرف الجيش الفرنسي.
ففي أغسطس/آب 1914، أي بعد شهرين فقط من بداية الحرب العالمية الأولى، أطلق الجيش الفرنسي قنابل الغاز المسيل للدموع ضد الألمان.
ومع ذلك، كان الجيش الألماني أول من قام بتطوير الأسلحة الكيماوية، واستخدامها في الحرب على نطاق واسع.
فأول هجوم بأسلحة كيميائية ألمانية على جيوش الحلفاء، وقع في أكتوبر/تشرين الأوّل 1914 في منطقة نوف تشابيل، ولكن آثار هذا الهجوم كانت ضئيلة للغاية، لدرجة أن الحلفاء علموا به فقط بعد الحرب من الوثائق الألمانية.
في 31 يناير/كانون الثاني 1915، أطلق الألمان قذائف محملة بغاز Xylyl bromide المسيل للدموع، على القوات الروسية بالقرب من منطقة بوليموف البولندية على الجبهة الشرقية.
ولحسن حظ القوات الروسية، جمّدت درجات الحرارة المنخفضة نتيجة البرد القارس معظم الغاز الألماني في الهواء، وبالرغم من ذلك، أبلغ الروس عن مقتل أكثر من ألف جندي روسي نتيجة السلاح الألماني الجديد، بينما اعتبرت القوات الألمانية ذلك الهجوم فاشلاً؛ كونه لم يحقق اختراقاً استراتيجياً للألمان.
يعود فضل تطوير السلاح الكيميائي الألماني إلى العالم الكيميائي الألماني فريتس هابر، وهو عالم يهودي، تمّ منحه رتبة نقيب من طرف الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني شخصياً؛ مكافأة له على تطويره للترسانة الكيميائية للألمان، بعد أن تمّ تكليفه من طرف إيريك فون فالكنهاين بتطوير السلاح الكيميائي بحسب ما ورد في تقرير لموقع smithsonianmag.
معركة "إيبر الثانية".. شاركت فيها كتيبة جزائرية، وحولتها ألمانيا إلى جحيم بالغازات السامة!
كانت معركة إيبر الثانية بمثابة الهجوم الرئيسي الوحيد الذي شنته القوات الألمانية على الجبهة الغربية في عام 1915، وقد فضّل الجنرال الألماني إريك فون فالكنهاين قائد القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى، تركيز الجهود الألمانية ضد الروس على الجبهة الشرقية.
بهدف فكّ الألمان للجمود على الجبهة الغربية، قام الجيش الألماني في 22 أبريل/نيسان 1915 بالهجوم على قوات الحلفاء بمنطقة إيبر البلجيكية، بحسب ما ورد في موقع history.
سميّت هذه المعركة معركة إيبر الثانية، فقد سبقت هذا الهجوم معركة أخرى نشبت في الفترة ما بين 19 أكتوبر/تشرين الأوّل و22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914، وانتهت بانتصار الحلفاء على الجيش الألماني، فحاول الألمان خلال هذه الجولة الثأر لتلك الهزيمة.
وبعد المحاولات التجريبية السابقة، انتظر الألمان حتى الربيع ليجروا تجربة جديدة، هذه المرة ليس بإطلاق غاز مسيل للدموع، وإنما باستعمال سلاح كيميائي أخطر هو غاز الكلور القاتل.
بدأ الألمان معركة إيبر الثانية بالقصف المدفعي المكثف على قوات التحالف، كانت هذه الأخيرة مشكلة من القوات الفرنسية المدعمة بآلاف الجنود الجزائريين، إضافةً إلى الجيشين الكندي والبريطاني.
مع هدوء القصف، كانت قوات التحالف تنظر في الموجة التالية للهجوم الألماني أو تقدم المشاة، وهناك كانت المفاجأة.
في تلك المعركة، أجبر آلاف الجزائريين على المشاركة مع جيش فرنسا، فكانت "الكتيبة 45" بالجيش الفرنسي، مشكلة من المجندين الجزائريين في خط المواجهة ضد الألمان في معركة إيبر الثانية.
أصيب جنود الحلفاء بالذعر، عندما انطلقت سحابة صفراء وخضراء غريبة تنجرف ببطء نحو خطهم، كانت الكتيبة الجزائرية أوّل من استهدفها الغاز، فسقط منها خلال الهجوم الأوّل نحو 200 جندي جزائري بسبب الاختناق.
استهدف الألمان أربعة أميال من جبهة القتال في معركة إيبر الثانية بنحو 5700 عبوة تحتوي على 168 طناً من غاز الكلور السام.
تسببّ ذلك في إبادة فرقتين من الجيش الفرنسي كان من بينهما مئات المجندين الجزائريين الذين شاركوا في الحرب إلى جانب فرنسا، وأثر على حوالي 10 آلاف جندي، توفي نصفهم في غضون عشر دقائق من وصول الغاز إلى خط الجبهة، وكان سبب الوفاة هو الاختناق.
أمّا الجنود الذين نجوا من الهجوم الألماني، فقد أصيبوا بالعمى مؤقتاً، بينما تم القبض على ألفين من هؤلاء الجنود كأسرى حرب.
أدى هجوم ألماني ثان بالغاز ضد فرقة كندية، في 24 أبريل/نيسان، إلى دفع قوات الحلفاء إلى التراجع، وبحلول مايو/أيّار كانت قوات التحالف انسحبت إلى مدينة إيبر البلجيكية، بناءً على نصيحة الجنرال البريطاني سميث دورين.
في 25 مايو/أيار 1914م، انتهت معركة إيبر الثانية دون أن يحقق أي طرف اختراقاً كبيراً، بسبب حجم الغاز الذي عرقل حتى الجيش الألماني من التقدم رغم انسحاب الحلفاء، بعد أن خاف الجنود الغاز من إصابتهم بالغاز القاتل، بحسب ما ورد في تقرير لموقع first world war.
تقدر الخسائر خلال معركة إيبر الثانية بـ69 ألف جندي من قوات الحلفاء معظمهم بسبب الغاز الألماني، أمّا الكتيبة الجزائرية المشاركة في تلك المعركة فقتل معظم أفرادها.
أرادوا الانتقام من الألمان.. حين قتل البريطانيون أنفسهم بالغاز!
مباشرة بعد هجوم الغاز الألماني على قوات التحالف في معركة إيبر الثانية، بدأت بريطانيا في تطوير أسلحتها الكيماوية، تحت قيادة المقدم تشارلز فولكس.
وفي مساء يوم 24 سبتمبر/أيلول 1915، اندلعت معركة لوس بين الحلفاء والجيش الألماني، كانت بريطانيا تقود جيش الحلفاء، ووجدت في المعركة فرصة سانحة للانتقام من الألمان لاستعمالهم الغاز في معركة إيبر.
وبالرغم من إدانتهم لاستخدام الألمان للسلاح الكيماوي خلال أبريل/نيسان 1915، وافق البريطانيون على الاستعانة بغاز الكلور لاستهداف المواقع الألمانية قبيل بداية الهجوم بمنطقة لوس.
حاولت القوات البريطانية حسم هذه المعركة بشكل سريع، فتم إنشاء حوالي 400 موقع لإطلاق غاز الكلور من خلال أسطوانات معبأة بالسلاح الفتاك، وتم الشروع في إطلاق الغاز على مدار 440 دقيقة كاملة.
بحسب تقرير لموقع firstworldwar، تجاهل البريطانيون وضعية الطقس التي كانت تتنبأ بهبوب الرياح، وقاموا بفتح أكثر من 5 آلاف أسطوانة معبئة بـ140 طناً من غاز الكلور باتجاه المواقع الألمانية بلوس.
ولسوء حظ القوات البريطانية، شهدت المنطقة تغيراً مفاجئاً في اتجاه الرياح، سرعان ما أعاد غاز الكلور نحو خنادقهم، وتشير التقديرات إلى أن عدد ضحايا الغاز البريطانيين الذين عانوا في ذلك الصباح كانوا أكثر من الألمان.