توفيّت فتاة إيرانية تبلغ من العمر 21 عاماً بعد أيام من اعتقالها على يد ما يسمى "شرطة الأخلاق" لمزاعم تتعلق بعدم امتثالها للقواعد الصارمة المتعلقة بغطاء الرأس، الأمر الذي فتح باب التساؤل للكثيرين عما تعنيه شرطة الأخلاق في إيران وتاريخ تأسيسها والمهام التي تقوم بها في البلاد.
ويقول شهود عيان إن الفتاة "مهسا أميني" قد تعرضت للضرب على يد شرطة الأخلاق أثناء اعتقالها في طهران، بينا نفت الشرطة الإيرانية هذه المزاعم مؤكدة أنها الفتاة أصيب بمشكلة في القلب أدى إلى وفاتها بعد أيام.
ما هي شرطة الأخلاق في إيران، وما سبب تأسيسها؟
لنعد في القصة إلى البداية، وتحديداً إلى ثورة 1979 التي جعلت الناس تتفاءل بمستقبل مشرق للبلاد مع سقوط حكم الشاه بقيادة محمد رضا بهلوي، ولكن هذه الآمال تبددت بعد أن حولت الثورة البلاد إلى جمهورية إسلامية عن طريق استفتاء في ظل المرجع الديني آية الله روح الله الخميني.
في السنوات الأولى التي تلت الثورة الإسلامية في إيران، بدأ التضييق الحكومي بنطاق ضيف على الرجال الذين يرتدون الأساور والقلائد وقصات الشعر غير العادية والقمصان ذات الرسوم الغربية والشعر الطويل.
كما بدأ التضييق على النساء اللواتي يرتدين ملابس ملونة ويضعن المكياج في الشوارع، وعلى الرغم من التضيقات في تلك الفترة فإنها لم تكن على مستوى كبير.
وبالتالي فإن حقبة خاتمي في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت النساء الإيرانيات تتمتع بنوع من الحرية وإن كانت مقيدة، فكن يرتدين سراويل الكابري ويخرجن بشعر مكشوف، لكن الأمور تغيرت تماماً عندما تولى محمود أحمدي نجاد السلطة وهي المرحلة التي تصفها صحيفة The Guardian البريطانية بأنها تشبه "حكم طالبان".
تولي نجاد الحكم مثّل انعطافاً كبيراً للدولة نحو التيار الديني المتشدد على عكس الاتجاهات الإصلاحية للرؤساء المعتدلين السابقين، فتم إنشاء ما يسمى "شرطة الأخلاق"، أو كما يطلق عليها شرطة الآداب أو دوريات التوجيه أو "قشت إرشاد" باللغة الإيرانية، وذلك في عام 2005.
وجرى من خلالها اعتقال المخالِفين لقانون اللباس أو الذين يرتدونَ ملابس غير لائقة، كما تمّ تغريم النساء اللواتي يضعن طلاء الأظافر في الشوارع أو اللواتي يظهرن من دون حجاب، إضافة إلى من يشرب الكحول أو من يعزف الموسيقى أو من يحتفل بالأعياد التي تعتبرها الدولة غريبة مثل "عيد الحب".
مم تتألف شرطة الأخلاق "دوريات التوجيه"؟
تعتبر شرطة الأخلاق في إيران مخولة بتحذير الأشخاص وفرض غرامات عليهم واعتقالهم، ويعتقد أن غالبية أفرادها هم من الباسيج، وهي وحدة شبه عسكرية متشددة دينياً، وفقاً لما ذكرته صحيفة BBC البريطانية.
وتتكون دورياتهم من سيارة نقل مُجهزة بطاقم من الذكور الذين يراقبون النساء بشكل أساسي، والرجال أحياناً، وذلك في في الأماكن العامة المزدحمة كمراكز التسوق والساحات ومحطات مترو الأنفاق.
وعندما تلاحظ الدورية أحداً امرأة ما تخالف القوانين المتعلقة باللباس وتحديداً الحجاب، أم من تضع المكياج على وجهها، تقوم باعتقالها.
وعند اعتقال المرأة المخالفة يتم نقلها مباشرة إلى منشأة إصلاحية أو إلى مركز للشرطة وتُلقى على مسامعهَا محاضرة حول كيفية ارتداء الملابس ثمّ يُطلق سراحها في نفسِ اليوم في العادة بعدَ حضور أحد أفراد العائلة وغالبًا ما يكون ذكراً.
كما أن من مهام شرطة الأخلاق أن تقوم في يوم عيد الأم الإيراني برمي الزهور على النساء اللواتي يرتدين "الشادور" في الشوارع.
هل لا تزال شرطة الأخلاق تمتلك ذات النفوذ السابقة على زمن أحمدي نجاد؟
مع تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني سدة الحكم في البلاد، تمّ تخفيف قبضة الشرطة الدينية على المواطنين، وذلك من خلال إصدار قرار في 30 ديسمبر/كانون الأول 2017 بعدم التعرض أو اعتقال النساء اللواتي يتجولن في الأماكن العامة بدون غطاء الرأس وعدم رفع دعاوى قضائية ضدهنّ.
الأمر الذي تؤكده مريم، وهي طالبة دراسات عليا، موضحة أنّ هناك تراجعاً ملموساً في تواجد دوريات التوجيه في طهران، وتقول لصحيفة The Guardian البريطانية: "خلال عهد أحمدي نجاد كانت هناك دائماً سيارتان أو ثلاث سيارات متوقفة في ساحة "فاناك" بشكل يومي، أما اليوم فمن الممكن أن تراهم ولكن لن تراهم في اليوم التالي، لكننا تعلمنا أين هم وكيف نتجنبهم".
بالنسبة لزميلتها في السكن الجامعي زهرة فقالت: "في السابق كنا نشعر بالخوف ، لكنها الآن مسألة روتينية بالنسبة لنا".
وأضافت: "لا شيء يشبه الأيام الأولى للثورة عندما كان حراس الحي يعذبون أولئك الذين يعتبروهم غير محتشمين بموجب تفسير انتقائي للمبدأ الإسلامي المتمثل في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، لكنهم اليوم يلتقطون بعض الصور للمعتقلين ويتركونهم يذهبون بعد استدعاء أحد الأقارب لتغيير الملابس إلى أخرى أكثر احتشاماً".
ما هي نظرة الشعب الإيراني إلى شرطة الأخلاق؟
بشكل ينظر الشعب الإيراني إلى دوريات التوجيه أو شرطة الأخلاق على أنهم أفراد غير مرغوب بهم ويشكلون خطراً على النساء في المناطق الحضرية ويمنعهن من حريتهن، عدا عن أنهم أيضاً يشكلون خطراً على الرجال أيضاً لاسيما أولئك الذين يحصلون على تسريحات شعر غريبة.
هذا الخوف من شرطة الأخلاق، دفع الإيرانيين إلى إنشاء تطبيق على هواتف "آندرويد" يدعى "Gasht-e Ershad" يساعد الأشخاص على تجنب نقاط تفتيش الدوريات التابعة لهم.