لمدينة مراكش المغربية العديد من الأسماء التي تعرف بها كالمدينة الحمراء نسبة إلى لون جدرانها المائلة إلى الأحمر أو مدينة النخيل بسبب تواجد عدد كبير من هذه أشجار النخيل بها أو البهجة حيث تعرف بالحس الفكاهي لسكانها، لكن يظل أكثر لقب تشتهر به مراكش هو "مدينة سبعة رجال".
يذكر التاريخ أن المدينة اشتهرت بهم حيث كانوا معروفين بعلمهم وصلاحهم، حيث عاشوا وماتوا في المدينة كما دفنوا بها، فمن يكون هؤلاء الرجال الذين ظلت أسماؤهم خالدة لقرون عديدة؟
مدينة مراكش.. عاصمة المرابطين
مراكش مدينة في جنوب المغرب تبعد عن العاصمة الرباط بقرابة 327 كيلو متر، تتميز المدينة بمناخها الشبه الجاف ذات شتاء معتدل وصيف جد حار، عرفت عبر العصور بأسماء عديدة كالمدينة الحمراء، الفسيحة الأرجاء وغيرها الكثير.
يعود تأسيس مراكش إلى زمن المرابطين، كما تختلف الروايات في تفسير الأسم، فمنهم من يفسرها بالمعنى الأمازيغي " مر بسرعة" كما يرى البعض الأخر أنها عبارة لأحد الحضارات القديمة التي قطنت المغرب، وكان لها إله يحمل اسم كش.
أما أكثر التفسيرات شهرة لإسم المدينة هي تفكيكها بالمعنى الأمازيغي "أمور ن أكوش" وتنطق أموراكش وهي بلاد الله أو أرض الله، وهي دلالة لها بعد علمي وتاريخي قديم يجمع سكان المنطقة بالمدينة.
رجالٌ خُلِّدت أسماؤهم في المدينة
يرجع أصل تسمية المدينة بسبعة رجال إلى مجموعة من العلماء ورجال الدين الذين عاشوا في المدينة، والذين كانت لهم يد كبيرة في نشر الوعي الثقافي كما التربوي بها، عرفت المدينة في فترة السلطان يوسف بن تاشفين بين سنة 1061-1107 وباتت عاصمة ومركزا سياسيا وثقافيا للدولة المرابطية وكل الغرب الإسلامي.
كما وصفها المؤرخ المغربي الحميري في كتابه " الروض المعطار في خبر الأقطار" بأنها أكبر مدن المغرب الأقصى خلال القرن الحادي عشر "المملكة المغربية حاليا" وذلك لعظمة تجارتها وتنافس الناس في بناء الفنادق والحمامات وأماكن عدة لم تكن في ذلك الوقت منتشرة في بلدان أخرى.
وأضاف الحميري أن المدينة تضم كل سبل الراحة ووصفها بـ"جنة الأرض" حيث عرفت بكثرة البساتين وحدائق النخيل وشجر الزيتون وفواكه عديدة، استمرت المدينة في التطور خلال حقبات عديدة بداية بالمرابطين إلى العلويين الأسرة الحاكمة للمغرب حاليا.
عرف السبعة رجال الذين عاشوا في مراكش أنهم قضاة وفقهاء بالإضافة إلى كونهم متصوِّفين عرفوا بزهدهم في الدنيا وسعيهم لأعمال الخير وحفظهم للقرآن بالإضافة إلى نشرهم للعلم وتفسيرهم للغة والدين، وهم كالتالي:
- أبو العباس السبتي
- القاضي عياض
- يوسف بن علي الصنهاجي
- محمد بن سليمان الجزولي
- عبد العزيز التباع
- عبد الله الغزواني
- أبو القاسم السهيلي
أبو العبّاس السبتي.. من سبتة إلى أشهر رجال مراكش
لعل من أشهر الرجال السبعة لمدينة مراكش على الإطلاق أبو عباس السبتي، ولد بمدينة سبتة سنة 524 هجرية الموافق 1129 ميلادية أخذ العلم والتصوف على يد أستاذه أبي عبد الله الفخار أحد تلامذة القاضي عياض بالمغرب الأقصى.
كان لأبي عباس السبتي دور كبير في نشر علوم الإسلام والفقه، كان يوصي بالزهد والورع والتصدق وحسن القول والفعل حتى وصفه ابن المؤقت المراكشي في كتابه " السعادة الأبدية في التعريف برجال الحضرة المراكشية" بـ"حجة المغاربة" على أهل الأقاليم لالمامه الشديد بأمور الدين وفصاحة لسانه.
اعتكف السبتي في جبل كيليز القريب من مراكش لقرابة الأربعين سنة، إلى أن استقدمه السلطان الموحدي يعقوب المنصور إلى أسوار مراكش حيث اتخذه السلطان شيخ الإسلام، عرفت فترة توليه هذا المنصب بازدهار التصوف في المدينة كما أصبحت مراكش مكان لجمع الأدباء والعلماء، كما بنيت العديد من دور تدريس الدين والفقه، كما بنيت مراكز إغاثة الفقراء ومحاربة الحرمان.
توفي الإمام أبو العباس السبتي، يوم الاثنين 3 جمادى الثانية سنة 601 هجرية الموافق 1204 ميلادية، ودفن بزاويته التي تعتبر اليوم مزارا كبيرا بمراكش، ليأمر السلطان أبو فارس عبد العزيز ببناء مسجد كبير عليه سنة 1012 هجرية الموافق لسنة 1603 ميلادية.
طلب العلم في الأندلس.. أشهر قضاة المغرب
هو عياض بن موسى ولد في مدينة سبتة بالمغرب الأقصى، وسمع من مشيختها ، وتفقه ببعضهم ، ورحل إلى الأندلس فأخذ بقرطبة عن أبي الحسين بن سراج وأبي عبد الله بن حمدون وابن رشد ، وغيرهم , ورحل منها إلى مرسية فقدمها في صفر سنة 508 هجرية ، وتفقه ودرس وتعلم حتى فاق أقرانه وذاع صيته.
عاد القاضي عياض إلى مسقط رأسه سبتة وكان قاضيا عادلا عالم بشؤون الدين حتى عين من قبل السلطان يعقوب المنصور قاضيا بمراكش مركز الدولة الموحدية، إلى أن توفي بها سنة 550 هجرية الموافق ل 1153 ميلادية.
اعتكف في الغار بعدما أصيب بالجذام
يوسف بن علي الصنهاجي أحد أعلام الزهد والصلاح بمراكش حيث ولد وقضى معظم حياته بها، نجهل تقريبا كل شيء عن ولادته ونشأته نظرا لعدم توفر مصادر تاريخية، ذكر الكاتب الفرنسي De Castries الذي عاش في مراكش في كتابه "الرجال السبعة لمراكش" أن يوسف بن علي سمى بصاحب الغار، لأنه كان يتعبد بغار في حارة الجذمى بالقرب من باب أغمات، وكانت تسمى أيضا برابطة الغار. ولازال هذا الغار موجودا إلى اليوم في ضريح يوسف بن علي وبه دفن، ويمكن الدخول إليه عبر درج صغير.
عرف يوسف الصنهاجي بصبره خاصة بعد إصابته بمرض الجذام الذي جعله يعتكف عن الناس لكنه كان يوصي الناس بالصبر وحسن المعاملة كما كان من أصحاب الصيت، وذلك بسبب حب الناس له وفصاحة لسانه بالاضافة إلى إلمامه بالفقه والدين.
الجزولي.. أحد أشهر رجال التصوف المغاربة
أبو عبد الله الجزولي السّملالي الحسني، المعروف بالإمام الجزولي، هو رجل دين صوفي مغربي، اشتهر بجمعه كتاب "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار"، وهو كتاب للذكر الإسلامي له شعبية كبيرة. ينقسم هذا الكتاب عادة إلى 7 أقسام لكل يوم من أيام الأسبوع.
يشتهر الإمام الجازولي بكونه واحد من رجال مراكش السبعة، قرأ علوم اللغة العربية وأساسيات علوم الدين ببلده قبل أن يرحل إلى فاس، ليدرس بجامعة القرويين وملحقاتها من مدارس بني مرين، ثم عاد إلى مراكش وكانت من أهم محطاته الفكرية لقاؤه بالعالم أحمد زروق البرنسي الذي كانت له الريادة في الفقه المالكي في زمانه، لكن وجهته وميوله الأسمى كان في اتجاه البحث في أسرار شخصية النبي محمد عليه السلام.
اجتمعت لدى الجزولي كل الاستعدادات الفكرية و النفسية والذوقية يضطلع بمهمته الكبرى المتمثلة بتجديد الطريقة الشاذلية الصوفية وازدهار الثقافة الإسلامية بالمغرب، كما عرف الجازولي بدوره الكبير في إلزام طلابه على الجهاد لمقاومة البرتغال والإسبان الذين كانوا يحاولون السيطرة على المغرب الأقصى في ذلك الوقت، عبر
صانع حرير ذو أتباعٍ كثر
عبد العزيز التباع أحد الرجال السبعة لمدينة مراكش، هو عالم صوفي مغربي ولد وتوفي في مدينة مراكش عمل صانعا للحرير قبل أن يبدأ مشواره العلمي بمسقط رأسه مراكش، تعلم على يد محمد بن سليمان الجزولي.
تعمق التباع في علوم الفقه والدين، اسمه الحقيقي عبد العزيز الحرار وأطلق عليه التباع بسبب أتباعه الكتر في التصوف والفقه ، كما عرف بقوة شخصيته وأسلوب الإقناع وايصال المعلومة لجميع سكان المدينة.
مول القصور أو صاحب القصور
عالم صوفي من رجال مراكش السبعة، عاش آخر فترات الحكم الوطاسي وبدايات الحكم السعدي، يتعلق الأمر بعبد الله بن عجال الغزواني دفين حومة القصور بمراكش، شكل هذا الحي الذي ارتبط اسمه بالغزواني، في فترات من تاريخ المدينة سكنا للأعيان والعلماء ورجال الدولة.
ولد أبو محمد عبد الله بن عُجَال الغزواني بمدينة القصر الكبير وبها تعلم المبادئ الأساسية في علوم الدين والأدب، لينتقل إلى مدينة مراكش ويدرس على يد عبد العزيز التباع ويكمل مساره في الدين والعلوم.
برع مول القصور في العلوم الزراعية حيث انتقل إلى العديد من القرى المجاورة لمراكش لنشر الدين والطرق الزراعية، فكما ذكرنا فمدينة مراكش تعرف بمناخها الجاف مما يتسبب في صعوبة الحصول على المياه في بعض المناطق، ليساهم الغزواني في إيصال بعض قنوات المياه إلى قرى مجاورة عديدة.
أندلسي من رجال مراكش
الإمام السهيلي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الخطيب الخَثعمي السُّهيلي الحافظ الإمام، ولد سنة 508 هـ/ 1114 م بمدينة مالقة بالأندلس، درس وتفقه في الدين والعلوم أصيب بالعمى في سن 17، عاش معظم حياته بالأندلس كان يعلم الدين والفقه للناس ومفاهيم القرآن.
انتقل السهلي من الأندلس إلى مدينة فاس وأكمل مساره الفقهي كما أجاد اللغة العربية، عرف السهلي بذكائه وحنكته لينتقل بعد ذلك إلى مدينة مراكش حيث أكمل بقية حياته كمدرس لعلوم الفقه والدين.
خلف الإمام السهيلي مؤلفات مهمة في الحديث والسيرة واللغة والفقه، إلى جانب شعره في موضوعات المدح والزهد.