لا عجب أن تعرف العصور الوسطى في أوروبا باسم "عصور الظلام"، فإضافة إلى انتشار الجهل والخرافات تميزت هذه الحقبة بالحروب والصراعات والتفنن بأشكال التعذيب، فقد عرف عن جلادي العصور الوسطى أنهم يفضلون استخدام طرق قاسية وغير اعتيادية لتعذيب السجناء، وقد كانت "المخلعة" أحد أبرز تلك الطرق.
ما هي المخلعة؟
كانت المخلعة أداة بسيطة تتألف من إطار خشبي يستلقي الضحايا فوقه، بعد ذلك يربط الجلاد ذراعي وقدمي الضحية ببكرة دوارة على كل جانب، ثم يُستخدم الجهاز لشد أطراف الضحايا حتى تتمزق العضلات أو تتفكك المفاصل.
وعلى الرغم من أن هذه الأداة قد بلغت أوج استخدامها وشهرتها في العصور الوسطى، إلا أنها كانت مستخدمة في العصور القديمة على نطاق أضيق، فوفقاً لما ورد في موقع medievalchronicles، فقد استخدمت في عهد نيرون لتعذيب المتآمرين الذين حاولوا اغتيال الإمبراطور عام 65.
ولم يتخلَّ الجلادون عن هذه الأداة مع مطلع القرن الخامس عشر كما هو شائع بل طوروها لتظهر أشكال مختلفة منها في العديد من المناطق، وفي بريطانيا على سبيل المثال بقيت المخلعة مستخدمة حتى القرن السابع عشر.
طريقة عمل المخلعة
تتكون المخلعة من إطارٍ مربع يرتفع قليلاً عن الأرض؛ إذ تبدو أشبه بسريرٍ من الأعلى.
وتحتوي على بكرةٍ دوارة في كل جانب، وكان يجري ربطها بسلسلةٍ متصلة بمعصمي وكاحلي الضحية. وبمجرد ربط الضحية، يبدأ شد أطرافه بقوةٍ كبيرة وببطءٍ شديد عادةً، وذلك من أجل الضغط على الكتفين والذراعين والقدمين والظهر والأرداف.
وكان بإمكان الجلاد أن يختار شد الأطراف حتى تبدأ المفاصل في التفكك، قبل أن تنخلع من مكانها تماماً. كما كانت العضلات تتمدد أيضاً بدرجةٍ تفقد معها فاعليتها.
واستُخدِمَ الجهاز أيضاً كوسيلة لتقييد الضحايا من أجل تعريضهم لأنواعٍ أخرى من الألم؛ مثل اقتلاع الأظافر وحرق الشموع الساخنة فوق أجسادهم ودقّ المسامير في العمود الفقري.
ويقال إن المحظوظين فقط هم من يخرجون أحياء بعد تعرضهم للتعذيب بالمخلعة؛ إذ يموت غالبية الأشخاص بعد التعرض للتعذيب فيها، لكن في الواقع فإن القلة القليلة الناجية من هذا التعذيب الوحشي هم سيئو الحظ؛ إذ سيقضون ما تبقى من حياتهم عاجزين عن تحريك أياديهم وأقدامهم.
التاريخ الوحشي للمخلعة وأشهر استخداماتها
يؤمن المؤرخون بأن أصل أكثر أشكال المخلعة بدائية يرجع إلى اليونان القديمة؛ إذ يُشاع أن هيروستراتوس، مُشعل الحرائق الإغريقي الشهير من القرن الرابع قبل الميلاد، قد تعرّض للتعذيب بالمخلعة حتى الموت لإضرامه النيران في هيكل الآلهة أرتميس، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.
ورجّح المؤرخون كذلك أن قدماء الإغريق استخدموا المخلعة لتعذيب الأشخاص الذين استعبدوهم، بالإضافة إلى غير اليونانيين. كما روى المؤرخ الروماني تاسيتس قصةً عن استخدام الإمبراطور نيرون للمخلعة على امرأةٍ تدعى إيبيكاريس، في محاولةٍ فاشلة لاستخراج بعض المعلومات منها. لكن محاولة نيرون فشلت لأن إيبيكاريس فضلت شنق نفسها على تسليمه أي معلومات.
بينما جرى تقديم جهاز تعذيب المخلعة بالصورة التي يعرفها المؤرخون المعاصرون على يد جون هولاند، دوق إكستر الثاني، عام 1420. وشغل الدوق منصب آمر شرطة برج لندن، واشتهر باستخدام المخلعة في تعذيب النساء، مما أكسب جهاز المخلعة لقب "ابنة دوق إكستر" الذي اشتهر به.
وسبق للدوق استخدام المخلعة على القديسة البروتستانتية آن أسكيو والشهيد الكاثوليكي نيكولاس أوين. ويُقال إن جسم آن تعرض للتمدد لدرجة أنهم اضطروا لحملها من أجل إعدامها. كما يُقال إن غاي فوكس، صاحب مؤامرة البارود في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، كان واحداً من ضحايا التعذيب بالمخلعة أيضاً.
أما الثائر الاسكتلندي الشهير ويليام والاس، فقد كان من أشهر ضحايا المخلعة، وهو الثائر الذي جسد شخصيته ميل غيبسون في فيلم Brave heart، وقد تم قتل والاس بطريقة وحشية للغاية لم يعرضها الفيلم؛ إذ جرى إخصاؤه أمام العامة بعد تمديد جسمه، وحرق عضوه التناسلي أمامه، ثم نزع أحشائه أمام الجمهور.
أما أسوأ مستخدمي المخلعة سمعةً فكانت محاكم التفتيش الإسبانية، التي كانت مؤسسةً كاثوليكية تُجبر الجميع داخل أوروبا أو في أراضيها على التحول إلى الديانة الكاثوليكية باستخدام القوة المفرطة في كثيرٍ من الأحيان. ولا عجب في أن توركيمادا، الجلاد الإسباني المعروف في محاكم التفتيش، كان يُفضل استخدام المخلعة.
متى توقف استخدام المخلعة في العصر الحديث؟
لا نعلم على وجه التأكيد ما إذا كان الجهاز قد استُخدِم في القرن الـ17 أم لا، لكن يُقال إن أحد صاغة الفضة تعرض للتهديد بالتعذيب بالمخلعة عام 1697، بعد اتهامه بجريمة قتل.
إضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى استخدام نسخة معدلة من المخلعة تُعلِّق الضحايا بشكلٍ رأسي في روسيا خلال القرن الـ18.
وفي عام 1708، جرّمت بريطانيا ممارسة التعذيب رسمياً بموجب قانون الخيانة. لكن المذهل في الواقع هو أن المخلعة نفسها لم تُجرّم رسمياً حول العالم حتى عقدت الأمم المتحدة اتفاقيةً لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عام 1984.
ووافقت جميع الدول المشاركة آنذاك على عدم المشاركة في أعمال التعذيب أو ممارسة العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب.