خلّفت الحرب العالمية الأولى قصصاً مرعبة عن شخصيات أوغلت في القتل وسفك الدماء، وأخرى ملهمة عن شخصيات آثرت التضحية لإنقاذ الغير، في الواقع لم يكن الإنسان البطل الوحيد خلال تلك القصص.
ومن بين تلك الروايات الراسخة من ذاكرة الحرب، قصة الرقيب ستابي الذي استطاع إنقاذ كتيبته من الموت المحتم، وذلك بعد تعرضها لهجوم ألماني بالغاز، كما أنه تمكن من كشف أحد الجواسيس الألمان المتسللة إلى كتيبته.
لم يكن الرقيب ستابي سوى كلب خدمة في فوج 102 مشاة الأمريكي خلال مشاركته في الحرب العالمية الأولى دفاعاً عن فرنسا ضد ألمانيا، تحوّل إلى أشهر كلب في تلك الحرب، فما قصته؟
الرقيب ستابي انضم إلى الفرقة 102 مشاة صدفة
في سنة 1917، الوقت الذي تحوّلت فيه أوروبا إلى برميل من البارود نتيجة بلوغ الحرب العالمية الأولى ذروتها، كانت فرقة المشاة 102 الأمريكية تخيّم في منطقة نيو هافن بولاية كونيكتيكت الأمريكية، كان هناك كلبٌ ضالٌ يتجوّل داخل المخيم ويعقد صداقاتٍ مع جنود الفرقة.
قام روبرت كونروي، وهو جندي بالفرقة 102 مشاة، بتسميته "ستابي"، بسبب قامته وذيله القصيرين، وقام بالاعتناء به، وسرعان ما تحوّل الكلب ستابي إلى تميمة حظ للفرقة.
في أكتوبر/تشرين الأول 1917، تم شحن الفرقة إلى فرنسا من أجل القيام بعمليات عسكرية لصالح دول الحلفاء، وتم تهريب الكلب ستابي مع الفرقة، كون الكلاب كانت محظورة في المعسكرات الأمريكية.
عند وصولها، كان يُنظر إلى فرقة 102 مشاة على أنهم جنود من الدرجة الثانية، ولا يمكن الوثوق بهم دون الإشراف الفرنسي، لذلك كان عليها خوض تدريب مع القوات الفرنسية الأكثر خبرة حينها. قبل الدخول إلى المعركة.
الرقيب ستابي أنقذ كتيبته من الموت، واستطاع أن يكشف أحد الجواسيس الألمان
في أبريل/نيسان 1918، حصلت فرقة المشاة رقم 102 أخيراً على فرصة للمشاركة في الحرب، وذلك من خلال المشاركة في الغارة على بلدة شاتو تييري الفرنسية التي يسيطر عليها الألمان. خلال تلك المعركة، انفجرت قنبلة يدوية في وجه ستابي وأصيب في قدمه الأمامية، قبل أن يتم نقله إلى مستشفى التعافي التابع للصليب الأحمر.
بعد شهر من العلاج، عاد الرقيب ستابي إلى الخدمة مجدداً، وفي ضواحي بلدة أرغون الفرنسية، اكتشف ستابي جاسوساً ألمانياً يحاول التسلل إلى معسكر الفرقة 102 مشاة.
تمسك ستابي ببنطال الجاسوس وقام بنهشه ثم النباح، حتى وصل جنود الفرقة 102 لإكمال عملية الأسر، ومنذ ذلك الوقت تمت ترقية الكلب ستابي ليصير رقيباً في الفرقة 102 مشاة.
خلال عملية الأسر تلك، قام الرقيب ستابي أيضاً بمصادرة صليب حديدي كان يرتديه الجاسوس الألماني، قبل أن يفقد ستابي هذا الصليب في إحدى المعارك لاحقاً.
وخلال إحدى المعارك، تعرضت فرقته إلى هجوم ألماني بالغاز، حيث قام الرقيب ستابي بفضل أنفه الحساس، باكتشاف الهجوم، وتحديد مكان الجنود المصابين والمفقودين في المنطقة المستهدفة بالغاز. كما صُنع للرقيب ستابي قناع خاص بالغاز بعد أن أصيب في ذلك الهجوم.
خلال فترة الخدمة في الحرب العالمية الممتدة لـ18 شهراً، شارك الرقيب ستابي رفقة فرقته في 17 معركة، أكبرها كانت المعارك في أقاليم أرغون وأيسن مارن وسانت مهيل وشامبيني سور مارن.
الرقيب ستابي صار أشهر كلب يلتقي بالرؤساء وينال الأوسمة
بعد نهاية الحرب وعودة الفرقة 102 مشاة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تم تكريم الرقيب ستابي والاعتراف بجهوده خلال تلك الحرب، فأصبح ستابي عضواً مدى الحياة في الفرقة 102 مشاة، وسار في كل موكب للفرقة منذ نهاية الحرب حتى وفاته.
كما التقى ستابي بـ3 رؤساء للولايات المتحدة: ويلسون وهاردينج وكوليدج، كما تم تعيينه عضواً مدى الحياة في الصليب الأحمر الأمريكي، ووعدته جمعية الشبان المسيحيين بغرفة خاصة له، و3 عِظام في اليوم ليأكلها بقية حياته.
في عام 1921، قام الجنرال بلاك جاك بيرشينج، الذي كان القائد الأعلى للقوات الأمريكية خلال الحرب، بتثبيت ستابي بميدالية البطل الذهبي.
أصبح الرقيب ستابي مشهوراً إلى حد أنّ فندق Grand Hotel Majestic بنيويورك قرر رفع الحظر على الكلاب من أجل أن يقوم ستابي بزيارة الفندق.
في سنة 1926، توفي الرقيب ستابي بين يدي مالكه الجندي روبرت كونروي، ولا يزال ستوبي محنطاً في المتحف الوطني لمعهد سميثسونيان للتاريخ الأمريكي، في واشنطن العاصمة، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع connecticut history.
في سنة 2018، حوّلت قصة الرقيب ستابي إلى فيلم رسوم متحرك بعنوان "Sgt. Stubby: An American Hero"، من إخراج ريتشارد لاني.