فرضت الحرب العالمية الثانية على النساء المشاركة في الحرب أيضاً، مثلهن مثل الرجال، فنجد أنّ الكثير منهنّ انضموا إلى منظمات شبه عسكرية لتقديم المساعدة للجنود الرجال بساحات القتال، بينما اختارت أخريات المساهمة في هذه الحرب بطريقتهن الخاصة، وذلك بتشكيل فيلق خاص بالنساء، اسمه فيلق الخشب النسائي.
مهمة هذا الفيلق النسائي، كانت بالأساس توفير الخشب لجبهات القتال لصناعة عوارض السكك الحديدية وأعمدة التلغراف ودعامات الحفر وأعقاب البنادق والسفن والطائرات وصناديق تغليف القنابل.
أزمة الخشب وقلة الرجال.. لهذا السبب تأسّس فيلق الخشب النسائي
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية صيف 1939، كانت بريطانيا أكبر دولة مستوردة للأخشاب في العالم، حيث استوردت 96% من احتياجاتها من الخشب، لمواجهة العجز الذي سببته الحرب، واحتاجت بريطانيا إلى إنتاج ملايين الأطنان من الخشب.
ساهم احتلال ألمانيا للنرويج سنة 1942 واحتكارها لأخشابها، من نقص الأخشاب في أوروبا؛ ما خلق أزمة خشب في القارة الأوروبية، وجعل بريطانيا تفكر في استغلال غاباتها لإنتاج الخشب، خصوصاً غابات أسكتلندا الغنية بهذا المورد.
فقد كانت بريطانيا تحتاج الخشب لصناعة دعائم حفر الخنادق، وصناعة عوارض السكك الحديدية، وأعمدة التلغراف، إضافة إلى حاجة الصناعات العسكرية للخشب من أجل صناعة أعقاب البنادق، والسفن والطائرات العسكرية، فضلاً عن صناعة صناديق تغليف القنابل وإمدادات الجيش.
فكانت هناك حاجة ماسة إلى الآلاف من عمال الغابات، لتوفير هذه الكميات الضخمة من الأخشاب.
ولأنّ جبهات الحرب احتكرت كلّ رجل له القدرة على حمل السلاح، بل إنها أيضاً قلصت من عدد عمال الغابات الذين وجدوا أنفسهم جنوداً في وسط المعارك بسبب التجنيد الإجباري للرجال، وجدت بريطانيا نفسها تواجه مشكلة أخرى، هي قلة الرجال العاملين في قطاع الغابات وصناعة الخشب.
جعلت هذه الأزمات بريطانيا تفكر في تخصيص هذه المهمة إلى النساء، وذلك من خلال تأسيس فيلق نسائي، تكون مهمته المقدسة هي توفير الخشب لجبهات القتال.
فيلق الخشب النسائي.. حين قامت النساء بمهام الرجال
قبل ذلك، رفضت الحكومة البريطانية في البداية استخدام "الجنس اللطيف" في هذه المهمة الشاقة التي تتطلب جهداً ولياقة بدنية عالية، واعتبرت هذا العمل من المهام الرجالية الحصرية، فقد كانت الحكومة البريطانية تعتقد أنه لن تكون المرأة قادرة على التعامل مع هذا العمل الشاق.
وبدلاً من ذلك، حاولت الحكومة البريطانية توظيف سجناء بريطانيين والأسرى الأوروبيين والعاملين في مجال بناء السفن والطلاب الذكور وحتى فتيان في المدارس في هذه المهمة، قبل أن تجمع إرادة الحرب جميع هؤلاء في ساحات المعارك بسبب الحاجة الماسة للرجال في تلك الحرب.
ولأن المشاركة في الحرب العالمية لم تكن حصراً على الرجال، تأسس سنة 1939 "جيش نساء الأرض" البريطاني، وهو منظمة مدنية شبه عسكرية قوامها النساء، وتأسست من أجل أداء الوظائف النسائية في الحرب.
ضغط الآلاف من أعضاء هذا الجيش النسائي على الحكومة البريطانية من أجل أن تتكلف النساء بهذه المهمة، ليتم تخصيص فيلق من جيش نساء الأرض، مهمته المقدسة هي إنتاج الخشب لجبهات القتال.
بداية تأسيس هذا الفيلق كانت في 17 أبريل/نيسان 1942، حين أرسلت 25 فتاة كن يعملن مصففات للشعر، من مدينة مانشستر إلى غابات أسكتلندا من أجل التدريب.
تمّ تبديل المشط والمقص الذي كانت تعمل عليه هؤلاء الفتيات، بفأس يزن 7 أرطال، وبدأت الفتيات في العمل في صناعة الخشب.
أقيمت بعدها معسكرات تدريب فيلق الخشب النسائي في جميع أنحاء إنجلترا.
قسّم فيلق الخشب النسائي الذي انضم له المئات من الفتيات البريطانيات بعد شهر واحد فقط من تأسيسه، إلى 4 خطوط عمل، جزء يعمل في القطع، والثاني في النقل يتدرب على قيادة الجرارات والشاحنات، والجزء الثالث يعمل في النشر وتم تدريبه على استخدام المناشير، والجزء الآخر في قياس الأخشاب.
تشير التقديرات إلى أنّ عدد المنتسبات لفيلق الخشب النسائي بلغ 18 ألف فتاة تتراوح أعمارهن ما بين 17 و24 عاماً، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة pressandjournal.
كان على النسوة البريطانيات المنظمات إلى فيلق الخشب العمل من الساعة 7 صباحاً حتى 4:30 مساءً، كما تقوم كل عاملتين في الفيلق بتقطيع 120 شجرة يومياً، وتحميلها على شاحنة، ولم يشمل العمل استخدام الفأس فحسب، بل يشمل أيضاً العمل في قياس الأشجار والقيام بالأعمال الإدارية في الغابات التي تتطلب مهارة عالية.
اعتراف متأخر بجهود فيلق الخشب النسائي
بعد نهاية الحرب، لم يتلق فيلق الخشب النسائي أي اعتراف من الحكومة البريطانية، فقد تم حلّه في عام 1946. بينما تلقى أعضاؤه رسالة شكرٍ موقعة من الملكة إليزابيث.
وانتظرت عضوات فيلق الخشب النسائي 60 سنة، ليعاد لهن الاعتبار، ففي عام 2007، أعلنت وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية أن جميع عضوات الفيلق، الباقيات على قيد الحياة سيحصلن على شارة جديدة للاحتفال بخدمتهن. في العام نفسه، تم الكشف عن تمثال تذكاري مخصص لهن في حديقة كوين إليزابيث فورست في أبريل فويل بأسكتلندا.