نيكولا تسلا هو فيزيائي ومهندس كهربائي وميكانيكي من أصل صربي، حصل على الجنسية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، ويعتبر واحداً من أكبر العلماء المخترعين في العالم، إذ يملك حوالي 900 براءة اختراع مسجلة باسمه، إضافة لعدد كبير آخر من المشاريع والاختراعات التي لم يسجلها أو سُجلت باسم غيره، كما كان من أشد المنافسين للمخترع الأمريكي الشهير توماس أديسون.
ولد نيكولا تسلا يوم 10 يوليو/تموز 1856 ببلدة "سميليان" الكرواتية التي كانت تابعة في ذلك الوقت لإمبراطورية النمسا.
ونشأ وسط عائلة دينية، بحيث كان والده ميليتان كاتباً وكاهناً مسيحياً أرثوذوكسياً، فيما كانت والدته ديوكا مانديتش، ابنة رجل دين مسيحي أرثوذوكسي، والتي وعلى الرغم من أنّها عاشت أمية، إلّا أنّها كانت ذكية جداً وموهوبة واخترعت بعض الآلات المنزلية الصغيرة، بحسب ما ذكره موقع biography الأمريكي.
نيكولا تسلا.. والده أراده أن يكون رجل دين مثله
وأوضح الموقع المتخصص نفسه أنّ والد نيكولا تسلا قد ضغط عليه لدراسة الكهنوت ليصبح رجل دين مثله، لكن تركيز الفتى كان مُنصبّاً بشكلٍ كاملٍ على العلوم، وبالخصوص الرياضيات والفيزياء.
وبعدما تلقى تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه "سميليان" ثم ببلدة "غوسبيتش"، انتقل إلى ألمانيا لمواصلة تعليمه الثانوي، قبل الالتحاق، في سنة 1875 بالمعهد متعدد التقنيات لمدينة غراس النمساوية، ثم جامعة براغ بتشيكيا.
وفي سنة 1881، استقر تسلا بمدينة بودابست المجرية، حيث عمل في المجمع الهاتفي للمدينة، ثم انتقل، في العام التالي 1882 إلى العاصمة الفرنسية باريس للعمل في شركة Continental Edison Company، لصاحبها رجل الأعمال والمخترع الشهير الأمريكي توماس أديسون.
و قد لاحت لنيكولا تسلا عدة أفكار لاختراعات جديدة خلال فترة إقامته بالمجر وبفرنسا، لكن دون أن يتمكن من جلب الاهتمام إليها، ما جعله يقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في سن الـ28 من عمره.
التعاون ثم العداوة مع توماس أديسون
وصل نيكولا تسلا إلى مدينة نيويورك الأمريكية في سنة 1884، وهو لا يحمل في حقيبته سوى ملابسه ورسالة طلب عمل، قدمها لتوماس أديسون، الذي كان في ذلك الوقت يملك عدة مشاريع في مجال تزويد الكهرباء بالتيار المستمر في كل أنحاء الولايات المتحدة.
قبل أديسون توظيف نيكولا تسلا، وسرعان ما أعجب بذكائه وكفاءته، فعمل معه جنباً إلى جنب في تطوير اختراعات رجال الأعمال، وذلك قبل أن يفترقا، بعد عدة أشهر من التعاون، لأسباب أرجعها المؤرخون إلى شخصيتهما المتباينة.
ففيما كان أديسون يركز على التسويق والنجاح المالي، فإنّ نيكولا تسلا كان لا يفقه شيئاً في المجال التجاري، وإنّ همه الوحيد هو النجاح العلمي.
بعد توقفه عن العمل مع أديسون، أسس، نيكولا تسلا، في سنة 1886، شركته الخاصة تحت اسم "Tesla Electric Light Company"، وتلقى تمويلاً من طرف بعض المستثمرين لتطوير الإضاءة القوسية المحسنة.
ولكن وبعدما نجح في مهمته، استقال تسلا من الشركة بسبب خلاف جوهري مع المستثمرين، والمتمثل، وفقاً لموقع science post الفرنسي، في رفضه طلب شركائه إقامة المشروع دون استعمال تقنية التيار المتناوب، وهي التقنية التي ورغم تكلفتها الباهظة مقارنة بتقنية التيار المستمر، فإنّها كانت تُقلل من الأعطاب والحوادث والأخطار والحرائق.
اضطر للعمل في المهن البسيطة قبل أن تبتسم له الحياة
واضطر نيكولا تسلا للعمل في المهن البسيطة طيلة سنة كاملة، قصد سد قوت يومه، قبل أن تبتسم له الحياة عندما تعرف على صديقين جديدين، محامٍ ومصرفي، أقنعاه بتأسيس شركة جديدة، سميت Tesla Electric Company، دخل فيها نيكولا كشريك بثلث الأسهم، بفضل براءات اختراعه ودون أن يدفع دولاراً واحداً.
بدأت الشركة الجديدة في العمل في أبريل/نيسان 1887، وتم تخصيص مختبر خاص لنيكولا تسلا بمدينة مانهاتان، سمح له بإجراء تجارب واختراع آلات كهربائية جديدة، أبرزها "محرك التيار المتردد" الذي عرضه في مايو/أيار 1888 على طلاب المعهد الأمريكي للهندسة الكهربائية.
وكان من بين الحاضرين في ذلك العرض مهندسون يعملون بشركة Westinghouse Electric، فنقلوا ما شاهدوه لصاحب الشركة المهندس والمقاول الكبير جورج ويستينغهاوس الذي لم يتردد في شراء براءات اختراع نيكولا تسلا ومنحه منصباً مهماً في مؤسسته، ثم أصبح مع الوقت من أعز أصدقائه.
كلف جورج ويستينغهاوس العبقري تسلا بإنجاز مشروع لإنتاج التيار المتناوب، وذلك لمنافسة تقنية التيار المستمر لتوماس أديسون، وهو المشروع الذي نجح إلى درجة أنّ شركة "ويستينغهاوس" أصبح بإمكانها في سنة 1893 بناء كل الإنشاءات الكهربائية للولايات المتحدة الأمريكية.
وبالموازاة مع عمله في مشروع صديقه جورج ويستينغهاوس، نجح نيكولا تسلا في اختراع كبير والمتمثل في "ملف تسلا"، وهو عبارة عن محول تيار متناوب عالي التردد، يمكنه زيادة الضغط بشكل كبير.
ولا يزال "ملف تسلا" يستعمل إلى غاية عصرنا الحالي، بحيث يوجد في الأنظمة الكهربائية التي تتطلب ضغطاً عالياً، كأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر.
حرب التيارات بين تسلا وأديسون
وبعد فقدانه التحكم في سوق الكهرباء في أمريكا لصالح منافسه التجاري جورج ويستينغهاوس، وغريمه في مجال الاختراعات العلمية، نيكولا تسلا، بذل توماس أديسون كل جهوده في البرهنة على أنّ التيار المتناوب ليس الحل الأمثل لتزويد الكهرباء.
واندلعت إثر ذلك، ما سميت لاحقاً بـ"حرب التيارات"، بين أديسون وتسلا، بحيث أراد توماس التوضيح أنّ التيار الكهربائي عالي التردد قد يكون خطيراً، ولكي يؤكد تلك الخطورة قام بتجارب علنية على الكثير من الحيوانات، ما أدى لنفوقها بالصعقة الكهربائية.
ودافع تسلا عن نفسه بكل قوة، فاخترع مصباحاً كهربائياً بإضاءة أفضل من النماذج التي اخترعها إديسون.
وبحكم أنّ المصباح الجديد لتسلا يتطلب مصدر طاقة عالية التردد، ولكي يوضح أنّ التيار الكهربائي عالي التردد غير مُضر، فإنّ نيكولا استخدم نفسه كموصل للتيار، فلم يحدث له أي شيء، وذلك لأنّ التيار حينما يكون عالي التردد فإنّه لا يدخل إلى الجسم، بل يتحرك على سطحه فقط.
وواصل نيكولا تسلا تحديه لتوماس أديسون، فقام، في بداية تسعينيات القرن الـ19 بمرافقة من شركة "ويستينغهاوس" بإضاءة المعرض الكولومبي بمدينة شيكاغو الأمريكية، معتمداً فقط على آلية التيار المتردد، ليصبح أول عرض ضوئي مقدم للجمهور، ما زاد في سمعة وشعبية تسلا لدى العام والخاص.
أبدع في إنتاج الكهرباء من شلالات نياغرا
ولعل أبرز ما قدمه نيكولا تسلا للبشرية هو إبداع لآلية إنتاج الكهرباء من خلال المياه المتدفقة، لتصبح بذلك هذه الطاقة في متناول عدد كبير من سكان الأرض.
وقد بدأ تجاربه الأولى بشلالات نياغرا الشهيرة، فنجح في عام 1896 في وضع نظام كهرومائي يحول طاقة تلك الشلالات إلى كهرباء، فأنار بها كل مصانع مدينة بوفالو القريبة من الشلالات والتابعة لولاية نيويورك، ثم نجح بعد سنوات قليلة، في إيصال التيار الكهربائي لكل هياكل ومنازل ولاية نيويورك بفضل زيادة عدد المولدات في محطة الكهرباء الواقعة بنياغرا.
سبق ماركوني في اختراع نظام الراديو والاتصال اللاسلكي
ولم يكتفِ نيكولا تسلا بالإبداع في مجال الكهرباء، بل له براءات اختراع عديدة في مجالات أخرى، وأهمها اختراع الراديو، فبخلاف ما يعتقد الكثيرون فإنّ الإيطالي غيليميو ماركوني ليس هو أول مخترع لنظام الراديو والاتصال اللاسلكي، إذ ووفقاً لموقع science post، فإنّ تسلا قدم في سنة 1896 براءات اختراع لأول نظام للراديو، ولكن ماركوني ادعى أنه قد سبقه في هذا الاختراع الذي نال بفضله جائزة نوبل للفيزياء في عام 1909.
وبحسب الموقع العلمي الفرنسي نفسه، فإنّ مجلس الشيوخ الأمريكي، قام في سنة 1843 بإلغاء براءة اختراع ماركوني للراديو، وأبقى تلك الخاصة بنيكولا تسلا.
طموحه الكبير تسبب في إفلاسه
وتسبب الطموح الكبير لنيكولا تسلا وهوسه بنقل الطاقة دون استعمال الأسلاك والكابلات إلى إفلاسه.
ففي سنة 1900، بدأ تسلا في العمل على أكبر وأجرأ مشروع في حياته، وهو إنجاز نظام عالمي للاتصالات اللاسلكية، يتم نقلها عبر برج كهربائي كبير، وذلك بقصد تبادل المعلومات وتوفير الطاقة مجاناً في كل أنحاء العالم.
واعتمد تسلا في تمويل هذا المشروع الضخم على مجموعة من المستثمرين، من بينهم بنك "جي بي مورغان"، وباشر عملية بناء البرج العالي في سنة 1901، بمنطقة "لونغ آيلاند" بنيويورك.
ولكن مع مرور الوقت بدأ الشك يدخل قلوب المستثمرين حول مدى إمكانية نجاح مشروع تسلا، وذلك بالموازاة مع تقدم أبحاث منافسه ماركوني الذي كان مدعوماً مالياً من طرف توماس أديسون والمقاول الأسكتلندي الكبير أندرو كارنيجي.
وفي ظل توقف تمويل المستثمرين، اضطر نيكولا تسلا للتخلي عن مشروعه الطموح، فقام بتسريح عمال شركته في سنة 1906، ثم تم وضع المنشأة في سنة 1915 تحت الرهن، بسبب تراكم الديون على مالكها، قبل أن تعلن الشركة إفلاسها في عام 1917، فتم تفكيك البرج وبيعه كخردة للمساعدة في سداد ديون تسلا.
وأدى فشل مشروع الطاقة المجانية إلى تعرض نيكولا تسلا لانهيار عصبي، قبل أن يعود للعمل كمستشار لدى شركة Westinghouse Electric، التي كان مالكها وصديقه جورح ويستينغهاوس قد توفي في سنة 1914.
سلاح "شعاع الموت"!
ولكن ومنذ النكسة التي تعرض لها بعد فشل مشروعه الضخم، فإنّ أفكار نيكولا تسلا بدأت تظهر وكأنها سخيفة وغريبة، وقد بلغ الأمر إلى حد وضعه تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، عندما تحدث في سنة 1934 عن اختراعه لسلاح فتاك قادر على إنهاء كل الحروب في العالم، وسماه "شعاع الموت"، والذي جلب اهتمام الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية.
لا نعرف إن كان نيكولا تسلا كان قادراً على تحويل ذلك السلاح النظري إلى سلاح حقيقي، ولكن الأكيد أنّ جيوش العالم الحديثة تستعمل الآن سلاحاً بأشعة الليزر، وقد يكون مخترعوه قد استمدوا أفكارهم من السلاح الرهيب لنيكولا تسلا.
وتوفي نيكولا تسلا يوم 7 يناير/كانون الثاني 1943 وحيداً بشقته بنيويورك عن عمر يناهز 86 سنة، دون أن يتزوج في حياته، تاركاً وراءه إرثاً عظيماً من النظريات والاختراعات والآليات التي تعتبر قاعدة للتكنولوجيا الحديثة التي نعيشها في وقتنا الحالي.