كان توماس كيني الملقب بـ"الثعبان" عضواً في مجلس الشيوخ لولاية ميسوري الأمريكية في بداية القرن العشرين، وكاد أن يكسب عضوية مجلس الشيوخ الأمريكي "الكونغرس"، وذلك على الرغم من أنه كان معروفاً بكونه مؤسس وزعيم عصابة إجرامية شهيرة بمدينة سان لويس.
وُلد توماس كيني يوم 3 مارس/آذار 1868 بمدينة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وبالضبط بحي "كيري باتش"، الذي كانت تسكنه جالية كبيرة ذات أصول إيرلندية.
وقد تحدث المؤرخ الأمريكي إيتون دياموند عن قصة إنشاء هذا الحي، في مقال نشره بمجلة Gateway Heritage الأمريكية، في سنة 1989، وأعاد موقع st.louis نشر مقتطفات منه في يوليو/تموز 2014.
كيني الثعبان.. نشأ يتيماً في حي عشوائي وبدأ العمل في سن الـ11
وأوضح دياموند أنّ تاريخ بناء الحي يعود إلى سنة 1842 لما وصلت مجموعة من المهاجرين إلى مدينة سان لويس قادمين من منطقة "كيري" الإيرلندية، ولكنهم رفضوا العيش في البيوت الضيقة وشديدة الرطوبة التي عُرضت عليهم. وبحكم أنّهم كانوا شديدي الفقر لم يكن باستطاعتهم شراء أو استئجار منازل واسعة ومريحة، ما دفعهم للاستقرار بأرض شاسعة شمال وسط المدينة، وهي أرض يملكها ورثة المهاجر الإيرلندي جون مالانفي، الذي كان عند وفاته في سنة 1833 أغنى رجل في ميسوري.
ولأنّ ورثة جون مالانفي كانوا أثرياء جداً، فإنهم لم يهتموا كثيراً باستيلاء أبناء جلدتهم البؤساء على أرضهم ولم يمنعوهم من بناء منازلهم التي كانت عبارة عن أكواخ صغيرة ومتناثرة، ما أدى الى تسميتها فيما بعد بـ"الأكواخ الإيرلندية".
في هذا الحي العشوائي، إذاً، وُلد ونشأ توماس كيلي وشقيقاه الأصغران ميكائيل ووليام، والذين تيتموا في سن مبكرة، بعد وفاة والديهم، ما دفع توماس للعمل كبائع جرائد متنقل، لما كان يبلغ من العمر 11 سنة، بحسب موقع the irich mob، وبقي في نفس المهنة لمدة 7 سنوات، وقد أطلق عليه لقب "الثعبان" خلال فترة عمله في هذا المجال، بعد خلاف مع الرجل الذي كان يمنحه الجرائد.
وقد اشتهر توماس كيني في بداية شبابه كملاكم شوارع شرس، إذ كانت تُقام في أمريكا إلى غاية بداية القرن العشرين نزالات غير قانونية في الشوارع، يتراهن عليها المتراهنون ويكسب على أثرها الفائز قليلاً من المال.
وكانت عائلة كيني تقطن في مسكن مقابل لعائلة إيغان التي أصبح ابنها توماس صديقاً لتوماس كيني في شبابه على الرغم من أنه يصغره بـ6 سنوات.
وقد لعبت تلك الصداقة، لاحقاً، دوراً كبيراً في الصعود السياسي لتوماس كيني، إذ لاحت لكيني، في أواخر سنوات 1880، فكرة الترشح لانتخابات مجلس مدينة سان لويس، التي جرت في العام 1890.
كان عضواً في مجلس مدينة سان لويس وسيناتوراً بولاية ميسوري
فقد فاز كيني بعضوية مجلس مدينة سان لويس بعدما ضمن أصوات عدد كبير جداً من أصوات ناخبي الحزب الديمقراطي، وذلك بفضل مساعدة توماس إيغان الذي كان حينها زعيماً لعصابة تنشط بحي "كيري باتش"، والذي أسهم كثيراً، رفقة أفراد عصابته، في الحملة الانتخابية، من خلال تهديد وترغيب الناخبين بضرورة التصويت لصديقه.
عندما أصبح توماس كيني عضواً في مجلس مدينة سان لويس في سنة 1890، كان يبلغ من العمر 22 عاماً، وقد نجح من خلال احتكاكه برجال السياسة والمال في فتح صالون (حانة ومطعم) بسان لويس، والذي كان بمثابة مقر القيادة العامة لعصابة "أشلي ستريت" التي أسسها رفقة شريكه توماس إيغان، والتي تحولت فيما بعد إلى اسم Egan's Rats، أي "جرذان إيغان".
وبحسب موقع the irich mob، فإنّ توماس كيني قد اعترف في إحدى المناسبات: "كان الصالون بمثابة المكان الأخطر في سان لويس، حيث كان يتجمع فيه كل اللصوص، كنت على علم بأنّه يملك سمعة سيئة ولكن الأمر لم يكن سيئاً للغاية، بحيث لم يعرف الصالون سوى مقتل رجل واحد طيلة فترة تسييري له"، موضحاً أنه قد جرت عملية تبادل إطلاق نار بالحانة في سنة 1895، وأنه لم يكن يملك الوقت الكافي لمنع الجريمة.
وقد جاءت تلك الاعترافات، في رسالة كتبها لسكان مدينة سان لويس وبالخصوص للمصوتين عليه، نشرت بجريدة St. Louis Post Dispatch، في عام 1901، ووعد خلالها القيام بإصلاحات وفتح حانة "محترمة".
وقبل تلك الرسالة، كان نفوذ عصابة "أشلي ستريت" قد توسع في مدينة سان لويس ومدن أخرى بميسوري، وقد تخصصت في عمليات السرقة والسطو المسلح والابتزاز، كما كان يتداول بين العام والخاص أنّ توماس كيري الثعبان هو أحد مؤسسي وزعماء هذه "المافيا" رفقة توماس إيغان.
قتل زعيم عصابة منافسة في نزال شوارع
وقد كان من بين أبرز منافسي "أشلي ستريت" عصابة يقودها بالدي هيغينز والذي كانت تربطه عداوة كبيرة بتوماس كيري، فتواجه الرجلان في نزال قتال شوارع يوم 20 سبتمبر/أيلول 1896، نجح خلاله الثعبان في قتل غريمه، ولكن تمت تبرئته من تهمة ارتكاب جريمة القتل، بحجة الدفاع المشروع عن النفس.
واستمر نفوذ عصابة توماس الثعبان وأصدقائه لما تحالفت مع رئيس مجلس الشرطة لمدينة سان لويس لمواجهة زعماء العصابات القوية الأخرى النشطة في المنطقة.
ولكن الثعبان كيني لم يفلت من إدانة العدالة يوم 19 فبراير/شباط 1904، بتهمة الاعتداء اللفظي وإطلاق النار على مغني صالون، ذي بشرة سوداء، يدعى والتن سلوار، ولكن دون أن يدخل السجن، بحيث تم الاكتفاء بفرض عليه غرامة مالية.
وبسبب تلك الحادثة، وقصد المحافظة على سمعته "الصورية" كرجل مُشَرِّع ومحبوب لدى سكان المنطقة، فقد قرر توماس كيني التنحي عن تسيير العصابة، التي أصبحت بيد رجل واحد، وهو صديقه الحميم وشقيق زوجته، توماس إيغان، وباتت تسمى منذ ذلك الوقت "جرذان إيغان" إلى غاية تفكيكها في سنة 1924.
ولم تؤثر تلك الحادثة كثيراً على جماهرية توماس كيني لدى الناخبين الديمقراطيين لسان لويس، بحيث تم انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 1904 في عضوية مجلس الشيوخ لولاية ميسوري، ممثلاً عن مقاطعة المنطقة الرابعة لمدينة سان لويس، بعد حصوله على عدد كبير من الأصوات تحت تهديد عصابة "جرذان إيغان"، مثلما كان الشأن من قبل في انتخابات مجلس المدينة.
وبحسب موقع the irich mob، فقد كان للسيناتور توماس كيني موقف تاريخي خلال فترة تواجده في مجلس الشيوخ لولاية ميسوري، بحيث كان وراء سن قانون يحدد نوعية عمل الأطفال، ويقلص وقت عمل النساء إلى 8 ساعات يومياً.
وكاد توماس الثعبان يفوز بعضوية مجلس الشيوخ الأمريكي "الكونغرس"، لما انهزم بفارق صوت واحد فقط، خلال الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 1910، وذلك قبل أن يتعرض، بعد أشهر قليلة من ذلك، إلى مرض السل، أدى إلى وفاته يوم 15 مايو/أيار 1912.
شقيقه خلفه في عضوية مجلس الشيوخ لميسوري لمدة 50 سنة
وقد خلف توماس في عضوية مجلس الشيوخ لولاية ميسوري بعد وفاته، شقيقه المحامي ميكائيل الذي بقي في المنصب طيلة 50 عاماً كاملاً، أي إلى غاية هزيمته في انتخابات سنة 1968، قبل وفاته في العام 1971.
أما شقيقه الآخر ويليام فبعدما شغل منصب عضوية مجلس مدينة سان لويس لفترة وجيزة فإنّه عمل كمفتش فيدرالي لمكافحة المتاجرة بالكحول التي كانت ممنوعة في الولايات المتحدة من 1920 إلى 1933، ولكنه استعمل منصبه لتسهيل متاجرة عصابة "جرذان إيغان" بالسلعة المحظورة، فتمت إدانته في مايو/أيار 1924 بتهمة المشاركة في تلك التجارة الممنوعة، وحكم عليه بالسجن في 1925 إلى غاية إطلاق سراحه في عام 1933 بعد إلغاء حظر إنتاج وبيع الكحول.
مصير عصابة "جرذان إيغان"
وعن مصير عصابة "جرذان إيغان"، فقد بقيت تحت زعامة توماس إيغان إلى غاية وفاته يوم 20 أبريل/نيسان 1919 بمرض على مستوى الكليتين، فخلفه شقيقه الأصغر ويلي الذي لم يكن يملك نفس كاريزمية الزعامة لشقيقه، ما فتح الباب أمام تمرد الأفراد الشباب للعصابة الذين أنشأوا جماعة خاصة بهم، وأضعف الزعيم الصغير ويلي الذي وجد نفسه في مواجهة ثورة داخلية إضافة إلى العصابات المنافسة، فمات مقتولاً أمام الحانة التي يمتلكها يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1921.
وتسلم مقاليد حكم عصابة جرذان إثر ذلك وليام كولبيكا، ولكن استمرار الاقتتال بينها وبين عصابات أخرى أدى إلى إضعافها ثم إلى تفككها نهائياً في سنة 1924، لما تم إلقاء القبض على عدد كبير من قيادتها، من بينهم زعيمها كولبيكا، وذلك إثر وشاية من سجين ينتمي إلى عصابة أخرى حول عملية سطو مسلح كبيرة، فحكم عليهم بالسجن لمدة 25 سنة، ثم أطلق سراحهم في مطلع سنوات 1940، لكن وليام كوبيكا تعرض للقتل بالرصاص عندما كان يقود سيارته يوم 17 فبراير/شباط 1943.