كان الرعب الأحمر هو عبارة عن حالة هيستيريا ضربت الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تهديدات متصورة شكلها الشيوعيون على مستقبل السياسة في البلاد. وقد لعب فيها سياسي أمريكي مهووس يُدعى جو مكارثي دوراً بارزاً.
اشتدت تلك الهيستيريا في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت التسمية التي تشير إلى الشيوعيين باسم "الأحمر" ناجمة بسبب ولائهم للعلم السوفيتي الأحمر في الرمز الشيوعي الرسمي.
أدى الرعب الأحمر إلى مجموعة من الإجراءات التي كان لها تأثير عميق ودائم على الولايات المتحدة. سواء من ناحية الحكومة أو المجتمع، وقد لعب دور البطولة في ذلك، السياسي الأمريكي المصاب بالبارانويا من الشيوعيين، جوزيف مكارثي.
السيناتور جوزيف آر مكارثي، حقق في مزاعم تقول إن هناك عناصر تخريبية في الحكومة، وتحديداً وزارة الخارجية الأمريكية، وصناعة السينما في هوليوود. ما تسبب في سلسلة من التحقيقات الموسعة التي لم تفضِ إلى شيء في النهاية سوى تدمير سمعة مكارثي.
إلى أن بدأ مناخ الخوف والقمع المرتبط بـ"الرعب الأحمر" في الانحسار أخيراً بحلول أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
الحرب الباردة ومخاوف الشيوعية
بعد الحرب العالمية الثانية في الفترة من 1939 وحتى 1945، انخرطت الولايات المتحدة الديمقراطية من جهة، والاتحاد السوفيتي الشيوعي من جهة، في سلسلة من الاشتباكات السياسية والاقتصادية عُرفت تاريخياً باسم الحرب الباردة.
وبحسب موسوعة بريتانيكا البريطانية للتاريخ، فقد أثار التنافس الشديد بين القوتين العظميين مخاوف في الولايات المتحدة من أن الشيوعيين والمتعاطفين مع اليسار داخل أمريكا قد يعملون بنشاط كجواسيس للسوفييت، ويشكلون تهديداً للولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، لم تكن هذه الأفكار بلا أساس من الصحة بشكل كامل؛ إذ لطالما نفذ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية أنشطة تجسس داخل أمريكا بمساعدة مواطنين أمريكيين عملوا كمخبرين. لا سيما خلال الحرب العالمية الثانية.
ومع تزايد المخاوف بشأن النفوذ السوفييتي أثناء احتدام الحرب الباردة، قرر القادة اتخاذ إجراءات متطرفة رأوا أنها مناسبة تماماً.
ففي 21 مارس/آذار 1947، أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان، قراره التنفيذي رقم 9835، المعروف أيضًا باسم "أمر الولاء"، الذي نص على التحقيق مع جميع الموظفين الفيدراليين لتحديد ما إذا كانوا موالين للحكومة بشكل كافٍ.
وكان برنامج ولاء ترومان واحداً فقط من العديد من الأنشطة المشكوك فيها التي حدثت خلال فترة الهيستيريا المعادية للشيوعية المعروفة باسم "الرعب الأحمر" أو "الذعر الأحمر".
جوزيف مكارثي وبارانويا الشيوعية الحمراء
جرت إحدى الجهود الرائدة للتحقيق في الأنشطة الشيوعية في الولايات المتحدة على يد السياسي المثير للجدل، جوزيف مكارثي.
ففي مجلس النواب، تم تشكيل لجنة الأنشطة غير الأمريكية وأُطلق عليها (HUAC) في عام 1938. ركزت تحقيقات تلك اللجنة في كثير من الأحيان على فضح الشيوعيين العاملين داخل الحكومة الفيدرالية أو العناصر التخريبية العاملة في صناعة أفلام هوليوود، واكتسبت اللجنة زخماً جديداً بعد العالم الحرب الثانية، واشتداد وتيرة الحرب الباردة.
وتحت ضغط الدعاية السلبية التي تستهدف أستوديوهاتهم، أنشأ مديرو الأفلام قوائم سوداء في هوليوود تمنع المتطرفين المشتبه بهم من التوظيف؛ كما تم إنشاء قوائم مماثلة في صناعات أخرى.
محقق آخر في الكونجرس، أصبح السيناتور جوزيف آر مكارثي من ولاية ويسكونسن، كان هو الشخص الأكثر ارتباطاً بهذه "الحملة الصليبية" ضد الشيوعية، التي رأى أنها متغلغلة في أواصر الدولة.
وقد استخدم مكارثي الإشاعات والترهيب والمعلومات المغلوطة لإثبات نفسه كشخصية قوية ومخيفة في السياسة الأمريكية.
كما تعمد توجيه تهم عدم الولاء للمشاهير والمثقفين وكل من اختلف مع آرائه السياسية في الدولة؛ ما كلف الكثير من ضحاياه سمعتهم ووظائفهم ومستقبلهم دون أية دلائل على جاسوسيتهم لصالح الاتحاد السوفييتي.
إذ كان عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك بحاجة فقط للذهاب إلى رئيس كلية أو جامعة، وتسليمه قائمة بالصلات الشيوعية المزعومة لطالب أو أستاذ عضو بهيئة التدريس، ويمكن أن يتم فصل هذا الأستاذ أو حتى حدوث ما هو أسوأ.
فبالنسبة إلى أكثر من 5 ملايين عامل فيدرالي، تم التحقيق في نزاهتهم من خلال قانون الولاء، وكان وصفهم بالشيوعيين لديه القدرة على تحويلهم إلى منبوذين، وقطع جميع مسارات التوظيف.
حتى إنه في بعض الحالات القصوى، حُكم على بعض الموظفين في وكالة التحقيق الفدرالية بالتآمر لارتكاب التجسس مع الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي، وجرى إعدامهم بالكرسي الكهربائي.
نهاية مؤسفة لعهد الرعب الأحمر
استمر عهد الإرهاب أو "الرعب الأحمر" الفوضوي لمكارثي إلى أن استنكر زملاؤه تكتيكاته وأسلوبه في تشويه سمعة الآخرين، وترهيب الأمريكيين دون أية أدلة، ووبخوه رسمياً في عام 1954 خلال إحدى جلسات الاستماع التي دارت بين الجيش ومكارثي، عندما سأل محامي الجيش جوزيف ويلش، السياسي الأمريكي مكارثي: "أليس لديك أي احترام؟".
وأخيراً، وفقاً لموقع History للتاريخ، فرض مجلس الشيوخ رقابة على مكارثي، الذي توفي عام 1957 بسبب مشاكل صحية ربما كانت قد تفاقمت بسبب إدمانه للكحول.
ومع ذلك، ظلت الشكوك حول مناهضة الشيوعية قائمة. في الستينيات من القرن الماضي، استمرت محاكمات الناس وإرسالهم إلى السجن بزعم انتمائهم للشيوعية.
وحتى اليوم، فإن تسميات مثل "اشتراكي" يتم التلاعب بها من قبل المحافظين المتطرفين ضد الشخصيات السياسية الليبرالية أو أصحاب الآراء الجريئة في الدولة.
ولا تزال الولايات المتحدة عرضة للتضحية بالقيم الديمقراطية تحت ستار الدفاع عنها مثلما فعل جوزيف مكارثي، لكن بأسلوب أكثر براعة.
إذ أصبح قانون باتريوت مثلاً، وهو قانون تم إنشاؤه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والذي وسع من قدرة الحكومة على مراقبة المواطنين الأمريكيين، بدعوى مكافحة الإرهاب، من بين ذات القوانين التي سبق أن دمرت سمعة أمريكا قديماً بدعوى "الرعب الأحمر"، فقط مع اختلاف الأسماء!