آخر شيء تتذكره جايسي دوغارد أثناء عملية اختطافها عندما كان عمرها 11 عاماً هو إمساكها بكوز صنوبر على الأرض، بالقرب من مكان سقوطها على وجهها، بعد أن صعقها الخاطف بصاعق كهربائي.
لا تعلم جايسي لماذا بقيت تلك اللحظة في ذاكرتها خلال الـ18 عاماً التالية، عندما احتجزها الخاطف في غرفة خشبية في حديقة منزله، وبقي يغتصبها لسنوات حتى أنجبت منه طفلتين.
اليوم وبعد سنوات من إنقاذها أصبح لكوز الصنوبر رمزية مهمة لدى جايسي، وهي ترتدي قلادة فيها شكل كوز الصنوبر، موضحة: "كان آخر شيء أمسكه وأنا حرة، الآن هو رمز للأمل وبدايات جديدة، وأن هناك حياة بعد شيء مأساوي".
قصة اختطاف في يوم دراسي بدأ ولم ينتهِ
كانت جايسي دوغارد طفلة أمريكية، تعيش مع أمها وزوج أمها في ولاية كاليفورنيا، وفي 10 يونيو/حزيران عام 1991، كانت جيسي، البالغة من العمر 11 عاماً حينها، تركض مسرعة أمام منزلها لتلحق بالحافلة المدرسية، ولم تكن تعلم أنها تركض لمصيرها المرعب.
فقبل أن تصل جايسي إلى موقف الحافلة اقتربت منها سيارة بداخلها رجل وامرأة، ظنت جايسي أنهما يريدان سؤالها عن الاتجاهات، فتح الرجل باب السيارة، وبلمح البصر أصاب جايسي بالعجز، بعد أن صعقها بمسدس صاعق.
سقطت الطفلة على وجهها في الشارع عاجزة عن الحركة، وكان آخر ما تتذكره محاولة إمساك كوز صنوبر مرمي على الأرض، دون أن تعرف السبب، في تلك اللحظة رأى زوج والدة جايسي "كارل بروبين"، من نافذة منزلهم، كلَّ شيء يحدث.
قفز كارل مذعوراً من مكانه، وركض بكل قوته وهو يصرخ، ولكن الأوان كان قد فات، فقد أمسك الخاطف بجايسي، ووضعها في المقعد الخلفي للسيارة قرب زوجته، وانطلق مسرعاً.
اتصل زوج الأم بالشرطة، وقدَّم لهم وصفاً للسيارة والخاطفين، لكن ذلك لم يكن كافياً.
ولعدة أيام حاولت الشرطة الوصول لأي دليل يقودهم لهوية الخاطف، وانطلقت حملة بحث استُخدم فيها كلاب وطائرات ومئات الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، ولكن دون جدوى.
محتجزة لسنوات في غرفة مقفلة
كان الخاطف "فيليب جاريدو" مُداناً بجرائم جنسية، وحصل على إطلاق سراح مشروط قبل سنوات قليلة، وكانت زوجته نانسي تجلس على المقعد الخلفي للسيارة، وهي مَن ساعدته على اختطاف "جايسي دوغارد".
أخذ فيليب ونانسي جايسي إلى الفناء الخلفي لمنزلهم، حيث بنوا سقيفة وجعلوها عازلة للصوت، ولا يمكن فتح بابها إلا من الخارج.
وكان هذا هو المكان الذي ستقضي فيه جايسي السنوات القادمة من حياتها، هجم فيليب وزوجته على الطفلة الصغيرة، وجرّدوها من ثيابها وقيدوا يديها، وأخبروها أن هناك كلاباً في الخارج ستهاجمها لو أصدرت أي صوت.
مر أسبوع على اختطاف الطفلة وهي مقيدة وعارية في تلك الغرفة، وكانت نانسي خلال ذلك الأسبوع تحضر لها قليلاً من الماء، وشيئاً بسيطاً من الطعام السيئ، ليدخل فيليب في اليوم السابع والطفلة الخائفة لا تزال مقيدة، وهو يحمل معه مخفوق الحليب، وأخبرها أن الأمور ستكون مختلفة من الآن وصاعداً.
ويومها اغتصبها لأول مرة، وهو أمر أصبح حدثاً شبه يومي للسنوات القادمة.
أمام أعين الشرطة ولم ينتبهوا لوجودها
خلال الشهور اللاحقة جاء عدد من ضباط الإفراج المشروط إلى منزل فيليب، للتحقق من التفاصيل المحيطة بجرائمه السابقة، دون أن يعلموا أن هناك طفلة مختطفة ومقيدة في سقيفة حديقة منزله الخلفية.
وعندما سُجن فيليب لعدة شهور، بعد اكتشاف ضباط إطلاق السراح المشروط أنه تعاطى المخدرات، حرصت نانسي على إبقاء جايسي محتجزة.
وكان الزوجان يتلاعبان نفسياً بالطفلة حتى منعاها من قول اسمها، وأجبراها على أن تختار اسماً جديداً، فاختارت اسم "إلسا".
حمل وولادة دون مساعدة طبية
في عام 1994، وبعد مرور عامين على اختطافها المروع، كانت جايسي دوغارد تبلغ 13 عاماً، وأحضر الزوجان لها أول وجبة مطبوخة منذ سنوات، وأخبراها أنهما يعتقدان أنها حامل.
نزل الخبر مثل الصاعقة على جايسي، التي لم تكن تعرف ما عليها فعله، وكيف ستتصرف، وكيف ستلد وهي في هذه السن الصغيرة بدون مساعدة طبية.
أحضر فيليب ونانسي مقاطع فيديو للولادة لتشاهدها جايسي، وتتعلم ما يجب عليها القيام به.
وفي سن 14 عاماً أنجبت جايسي طفلتها الأولى، وبعد 3 سنوات في سن الـ17 عاماً أنجبت ابنة ثانية. وكانت الطفلتان محتجزتين مع جايسي في الغرفة نفسها، وتم إخبارهما بأن جايسي هي أختهما، وأن فيليب ونانسي هما والداهما.
لم تذهب أي من الطفلتين إلى المدرسة قط، ولم تذهبا إلى طبيب قط، وتم وضعهما في عزلة تامة، حاولت جايسي تعليمهما كل ما تعلمته من المدرسة وهي صغيرة. ولم تعد تشعر بالوحدة مع وجود ابنتيها معها، لكنها كانت تشعر بالرعب من فكرة أن يؤذيهما فيليب كما فعل معها.
رحلة جامعية تنقذ جايسي دوغارد من الاختطاف
بعد 18 عاماً في الأسر، وفي سنة 2009 توقفت جايسي، التي لم يُسمح لها لسنوات بأن تقول اسمها عن محاولة الهرب، في تلك المرحلة كان التلاعب النفسي الذي قام به فيليب وزوجته قوياً، لدرجة أن فكرة الهروب لم تعد تخطر ببالها.
أنشأ فيليب ونانسي "كنيسة" في الطابق السفلي من منزلهما، وأرادا تقديم "تأملاتهما الدينية" للآخرين، فاصطحب فيليب جايسي وإحدى بناتها إلى حرم بيركلي بجامعة كاليفورنيا، لتعليق المنشورات والإعلانات عن "كنيسته" الجديدة.
انتبه أحد الحراس لمظهر الفتاتين الشاحب، وطريقة تصرفهما الغريبة، لأنهما لم تكونا قد اختلطتا بالناس بهذه الأعداد من قبل.
اتصل الحارس بالشرطة، وعندما تم إحضار فيليب للاستجواب مع الفتاتين عزلوهما في غرفة منفصلة، في البداية لم تعترف جايسي بهويتها، وادعت أن فيليب أنقذها من زوجها الذي كان يعتدي عليها بالضرب، وهي تعيش مع فيليب بإرادتها.
لكن استطاع أفراد الشرطة طمأنتها بأن فيليب لن يستطيع إيذاءها إذا تعاونت معهم.
ورغم أنها ما زالت مقتنعة بأنها غير قادرة على نطق اسمها بصوت عالٍ، فإنها دوّنته على ورقة، وبعد أن بحث أفراد الشرطة عن الاسم في قاعدة البيانات أصيبوا بالصدمة.
وكتبت جايسي في مذكراتها عن تلك اللحظة: "عاد الضوء… كان الظلام شديداً لفترة طويلة… لكن الضوء عاد أخيراً".
اجتمعت جايسي مع عائلتها مرة ثانية، ومع أمها التي لم تتوقف عن البحث عنها طوال هذه السنوات.
اعترف فيليب ونانسي باختطاف "جايسي دوغارد"، في 28 أبريل/نيسان 2011، واجه فيليب 13 تهمة اعتداء جنسي، بينما كانت نانسي متهمة بالمساعدة والتحريض على الاعتداء الجنسي.
حُكم على فيليب بـ431 عاماً في السجن؛ لأنه كان بالفعل مسجلاً تحت المراقبة قبل الاختطاف، أما نانسي فحكم عليها بـ36 عاماً.
وتلقّت جايسي 20 مليون دولار من صندوق تعويض الضحايا، لأن الشرطة هي من أطلقت سراح فيليب قبل انتهاء مدته، بقرار إفراج مشروط، وكان تحت مراقبة الشرطة التي فشلت في مراقبته بشكل صحيح.
ومنذ أن تم إنقاذها نشرت "جايسي" كتاباً بعنوان "حياة مسروقة"، وتعيش حياة خاصة مع ابنتيها، بهدف التكيف مع حياتهم الجديدة، وتنفس هواء الحرية.