في مجزرةٍ جديدة، استشهدت امرأة وطفلة وأصيب عشرات المدنيين، جراء استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي كنيسة القديس برفيريوس في غزة، والتي كانت تأوي مئات النازحين من منازلهم بفعل القصف المستمر.
الاستهداف حصل مساء الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما أدى إلى أضرارٍ مادية جسيمة لحقت بأجزاء من مبنى الكنيسة، كما تم تدمير مبنى بجوارها".
تاريخ كنيسة القديس برفيريوس في غزة
"بسم الله الحي الواحد الإله القدوس.. ابتدأ عمارة الكنيسة بسعي من الأب بيرفيريوس مطران غزة سنة 425 ميلادي بأيام الملك أركاديوس"؛ هذا السطر منقوش باللغة اليونانية القديمة على المدخل الغربي من كنيسة برفيريوس في غزة ليوثق بدقة تاريخَ بناء إحدى أقدم الكنائس الأثرية في البلدة القديمة للمدينة، والمصنَّفة كثالث أقدم كنيسة في العالم.
وكنيسة القديس برفيريوس تقع في حي الزيتون شرقي غزة، وتم بناؤها سنة 425، بسعي من القديس برفيريوس، وقد سُميت باسمه، وتحوي ضريحه الآن، كما تسمى (كنيسة المقبرة)، وتُعرف محلياً باسم (كنيسة الروم الأرثوذكس).
ورغم صِغر مساحة قطاع غزة، التي لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، فإنه يعتبر ملتقى الحضارات، وممر الحِقب الزمنية، والمعارك، والحملات؛ لهذا، فهو غنيّ بالآثار الإسلامية والمسيحية.
بُنيت الكنيسة، التي لم تتأثر بعوامل النحت والتعرية، على هيئة سفينة، بعد القرن الخامس ما بين عامَي 402 و407م، وترتكز على عمودين رخاميين ضخمين، وقد بقي برفيريوس راعياً لها في غزة.
وتتكون الكنيسة من بهو كبير مُغطى سقفه بأقبية متقاطعة، وهو على شكل (جمالوني)، ترتكز أقبيته على دعامات حجرية، يتخلل جدرانها الأربعة التي بنيت من الحجر الرملي الصلب بسماكة (80) سم.
ولا يوجد بالكنيسة سوى عمودين في الجدارين الشمالي والجنوبي، وتحمل تلك الأعمدة عقود الأقبية التي ترتكز على تيجان رخامية كورنثية الطراز، في حين أن الهيكل يوجد في الجهة الشرقية منها، وهو دائري الشكل مغطى بقبة نصف كروية.
وقد زُينت الكنيسة من الداخل بوحدات زخرفية مثَّلت مناظر ورموزاً دينية مسيحية كان لها دور بارز في تاريخ الديانة المسيحية.
أما مداخل بعض غرف الكنيسة فقد زُينت بحجارة منقوشة بوحدات زخرفية هندسية ونباتية متنوعة، إضافة إلى حروف من اللغة اللاتينية تخللها رسم للصليب.
وللكنيسة ثلاثة مداخل، هي: المدخل الغربي الرئيسي للكنيسة، والمدخل الشمالي، إضافة إلى المدخل الجنوبي الذي فتح حديثاً، وهو يؤدي إلى بلكون علوي لتتسع لأكبر عدد من المصلين.
تتلاقى مع مئذنة جامع كاتب ولاية
يحكي سقف الكنيسة، الذي تزيَّن بالأيقونات، حكاية النبي موسى والعهد القديم، بينما يروي الجزء الآخر حكاية العهد الجديد والسيد المسيح وصلبه، وقيامته، وتلاميذ المسيح، وبشارة المسيح، وموت العذراء مريم، وصعود المسيح إلى السماء، بينما تحتضن الجدران أيقونات صغيرة وكبيرة لتزيين الكنيسة، تقص حكايات بعض شخصيات القديسين كالقديسة هيلانا وابنها قسطنطين.
وتصدّر مدخل الكنيسة الغربي النصّ التأسيسي لها، وكتب على لوح رخامي باللغة اليونانية القديمة في ثمانية سطور:
السطر الأول: (بسم الله الحي الواحد الإله القدوس ابتدأ عمارة الكنيسة بسعي من الأب بيرفيريوس مطران غزة سنة 425م)، بأيام الملك أركاديوس.
السطر الثاني: (وقد جرى قصارتها أيام البطريرك الأورشليمي كرالمبوس بمسعى الأب فيلموس بمناظرة المهندس بلاشوني بشاريوس).
السطر الثالث: (الكارين مصروفها من القيامة المقدسة ومن بعض مسيحيي غزة سنة 1856 مسيحي بشهر آذار).
وما يميز الكنيسة تجاورها مع جامع كاتب ولاية، وتلاقي المئذنة مع الصليب في مكان واحد؛ ما يرسم لوحةً جميلة للتسامح الديني في فلسطين.
ويقصد المسيحيون في قطاع غزة الكنيسة أثناء الأعياد وأيام الصلاة، كما أنه تتم الصلاة على الموتى داخل الكنيسة، ودفنهم في مقبرة ملاصقة لها.
وقد تم العديد من أعمال الترميم والتجديد للمبنى الأصلي للكنيسة في عدة مراحل، بدءاً من المرحلة الصليبية، وانتهاء بسنة 2020.