أول قائد مسلم ينجح في فتح جزيرة سردينيا الإيطالية.. مجاهد العامري مؤسس “الجزائر الشرقية” في الأندلس

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/12 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/12 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ مواقع التواصل

اختلف المؤرخون في أصله واسمه الكامل، لكنهم اتفقوا على اسم مجاهد العامري، وعلى لقب "الموفق بالله أبو الجيوش" الذي اشتهر به؛ كما اتفقوا على أنه مؤسّس دولة "دانية والجزائر الشرقية" في الأندلس، وأنه القائد الإسلامي الوحيد الذي نجح في فتح جزيرة سردينيا الإيطالية.

وبسبب الاختلاف في أصله، إن كان صقلبياً  أو كورسيكياً أو عربياً أو إسبانياً، فإنه لا يمكن الجزم بتاريخ ومكان مولد مجاهد العامري المحدّدين.

من المؤكد أن مجاهد العامري نشأ وترعرع في بلاط المنصور محمد بن أبي عامر- الملقب بـ"الحاجب المنصور"- الذي تربّع على عرش قرطبة من العام 981 إلى 1002 ميلادياً، وكان الحاكم الفعلي للأندلس، بعدما حجرَ على الخليفة الأموي الأندلسي هشام المؤيد بالله.

كان العامري أحد الفتيان الذين أشرف المنصور محمد بن أبي عامر على تربيتهم بنفسه؛ ومعظم هؤلاء الفتيان نصّبهم فيما بعد قادةً لجيوشه وحُكاماً لولايات دولته، ولذلك يُنسبون إليه، ويُطلق عليهم اسم "المماليك العامريين" أو "الفتيان العامريين".

في كتابه "تاريخ ابن خلدون في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، يتحدث عبد الرحمن بن خلدون عن مجاهد العامري قائلاً: "كان مجاهد بن يوسف بن عليّ من فحول الموالي العامريّين. وكان المنصور قد ربّاه وعلّمه مع مواليه القراءات والحديث والعربية، فكان مجيداً في ذلك".

صورة متخيّلة للحاجب المنصور الذي أشرف على تربية مجاهد العامري
صورة متخيّلة للحاجب المنصور الذي أشرف على تربية مجاهد العامري

اندثار الخلافة الأموية في الأندلس وظهور ملوك الطوائف

بعد وفاة الحاجب المنصور في العام 1002، خلفه في منصب الحجابة ولده عبد الملك، الذي استمرّ بدوره في الحكم حتى وفاته في مطلع العام 1009، فحلّ مكانه أخوه عبد الرحمن شنجول.

لم تدُم فترة حكم شنجول لأكثر من 5 أشهر، بعدما قُتل يوم 3 رجب 399، على يد جنود خصمه اللدود محمد المهدي بالله، وهو ابن عم الخليفة هشام المؤيد بالله.

استولى المهدي بالله على الخلافة، وحبس هشام المؤيد بالله، ولكنه لم يبقَ على العرش طويلاً، حيث ثار عليه الفتيان العامريون وهاجموه في قصره  يوم 8 ذي الحجة لسنة 400، فقتلوه وأخرجوا هشام المؤيد بالله من السجن ونصّبوه خليفةً من جديد.

لكن الاضطرابات الداخلية استمرّت، وأُطيح بالخليفة المؤيد بالله مرّةً جديدة في شوال 403 من قِبل سليمان المستعين بالله، الذي أصبح الخليفة الجديد حتى شهر المحرم 407، حين انهزم في المعركة مع خصمه علي بن حمود الأمازيغي.

وكسواه، لم يستمرّ علي بن حمود في الخلافة سوى بضعة أشهر، حيث أطاح به العامريون وقتلوه داخل قصره يوم 2 ذي القعدة 408، مبايعين عبد الرحمن المرتضي بالله للخلافة.. لكنه قُتل بدوره في العام 409 هجرياً، بعد معركةٍ ضدّ حلفاء بني حمود.

تواصلت الاضطرابات السياسية حتى ثورة القرطبيين في شهر ذي القعدة من العام 422، وإجلائهم للأمويين من المدينة، ثم إعلان الوزير أبي الحزم جهور بن محمد بن جهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس وتأسيس طائفة قرطبة.

كان سقوط الدولة الأموية في الأندلس بمثابة التاريخ الرسمي لبداية عصر ملوك الطوائف؛ فقد انقسمت الخلافة إلى 22 دويلة، تتحكم فيها أسرة أو عصبة داخل رقعةٍ جغرافية صغيرة، ما مهّد فيما بعد إلى السقوط النهائي للأندلس بين يدي الصليبيين.. وذلك إثر استسلام آخر طائفة وهي دويلة غرناطة، بقيادة بني الأحمر، في 2 يناير/كانون الثاني من العام 1492م.

مسلسل "ملوك الطوائف"، ويتناول الأحداث التي شهدت تمزق الأندلس إلى دويلات كثيرة متناحرة

مجاهد العامري يؤسّس دولة دانية والجزائر الشرقية 

قبل سقوط الدولة الأموية في الأندلس عام 1032، كان مجاهد العامري- على غرار فتيان عامريين آخرين- قد أسّس دولته الخاصة واستقلّ بها، وهي طائفة "دانية" الواقعة في الساحل الشرقي للأندلس، بين مدينتَي بلنسية شمالاً ومورسيا جنوباً.

ووفقاً للمعلومات، فقد حدث ذلك بعد الفتنة والاضطرابات الكثيرة التي أعقبت وفاة الحاجب المنصور في العام 1002. 

وذكر ابن خلدون أن مجاهد العامري، غادر قرطبة، عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس، أواخر سنة 400 هجرياً، أي بعد مشاركته في الإطاحة بالخليفة محمد المهدي بالله ومبايعته لهشام المؤيد بالله.

وبحسب موسوعة "المعرفة" العربية، فإنه إذا كان ابن خلدون قد أشار إلى أن مجاهد العامري- بعد مغادرته قرطبة "قد سار إلى طرطوشة فتملّكها، ثم سار منها إلى دانية"، فإن ابن عذاري المراكشي ذكر في كتابه أنه كان والياً على الجزائر الشرقية منذ أيام الحاجب المنصور. 

فوفقاً لـ"البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب"، لما قامت الفتنة سار العامري إلى دانية وتملّكها؛ بينما يرى المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان أن مجاهد العامري نزل أولاً دانية، ثم استولى على الجزائر الشرقية في أواخر العام 405 هـجرياً.

وبحسب نفس الموسوعة، فقد استعان مجاهد العامري بالفقيه أبو عبد الله بن عبيد الله بن الوليد المعيطي الذي ينتهي نسبه إلى بني أمية، ونصّبه خليفة على "دانية والجزائر الشرقية" وأخذ له البيعة، وسمَّاه أمير المؤمنين المستنصر بالله.

دولة
دولة "دانية والجزائر الشرقية" كما بدت على الخريطة في العام 1037/ وكيبيديا

وتطرق المؤرخ الإسلامي الكبير عز الدين بن الأثير لظروف تأسيس دولة دانية في كتابه "الكامل في التاريخ"، فقال: "وأما دانية والجزائر فكانت بيد الموفق أبي الحسن مجاهد العامري، وسار إليه من قرطبة الفقيه أبو محمد عبد الله المعيطي ومعه خلق كثير".

ويتابع: "فأقامه مجاهد شبه خليفة يصدر عن رأيه، وبايعه في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعمئة، فأقام المعيطي بدانية مع مجاهد ومن انضم إليه نحو خمسة أشهر. ثم سار هو ومجاهد إلى الجزائر التي في البحر، وهي ميورقة بالياء، ومنورقة بالنون، ويابسة".

ويجب التوضيح هنا أن كتب التاريخ القديمة التي تتحدث عن الجزائر أو الجزائر الشرقية، لا تعني دولة الجزائر الحالية الواقعة في شمال إفريقيا، بل مجموعة الجزر الواقعة على البحر الأبيض المتوسط والمتاخمة للساحل الشرقي الإسباني.

ووفقاً لمجلة "البيان" الإسلامية، في عددها لشهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2016، ركز مجاهد العامري في بداية حكمه لدانية على تقوية أسطوله البحري. 

فقد كتبت المجلة عن دانية: "ولكون هذه المدينة ذات موقع ممتاز على ساحل البحر المتوسط، ولكونها أيضاً كانت أحد الموانئ المهمة لصناعة الأسطول الأندلسي، وإحدى قواعد انطلاقه للغزو في غرب المتوسط في عهد الخلافة، ولكونها كذلك محاطة بأشجار الصنوبر التي تصلح أخشابها لصناعة السفن، فقد استغلّ مجاهد هذه الميزات أحسن استغلال، وعمل على تقوية الأسطول وتعزيز قدراته، وزيادة مراكبه وقواربه، وأنفق على ذلك الكثير من الأموال والجهد والوقت".

مجاهد العامري، أول قائد إسلامي ينجح  في فتح سردينيا 

لم يتأخر مجاهد العامري في شن غزواته البحرية على الجزر الصليبية في غرب البحر الأبيض المتوسط؛ فوصل حتىى جزيرة سردينيا الإيطالية، ثاني أكبر الجزر بعد صقلية في الحوض المتوسط، والتي فتحها في سبتمبر/أيلول 1015 "على رأس أسطولٍ مكوّن من مئة وعشرين مركباً بين كبيرٍ وصغيرٍ ومعه ألف فارس"- مثلما كتب ابن الأثير. 

وكانت تلك المرة الأولى التي ينجح فيها المسلمون في فتح سردينيا فتحاً مُستداماً، بحيث استقرّوا فيها لنحو سنة واحدة، وقد اتخذها مجاهد العامري نقطة انطلاقٍ لغزو البرّ الإيطالي.

ففتح مدينتَي لوني وبيزا، ثم بلغ الساحل الفرنسي الجنوبي، حيث غزا مدن ناربون وآرل ومرسيليا، قبل أن يصل إلى منطقة كاتالونيا الإسبانية، التي كان قد استعادها الصليبيون من المسلمين.

وأمام الخطر الذي بات يمثله مجاهد العامري على الصليبيين، وطموحه الكبير في إعادة إحياء الخلافة الأموية في الأندلس وتوسيعها بحراً نحو الشرق، تحرّك بابا الفاتيكان في ذلك الوقت، "بنديكتوس الثامن".

دعا البابا إلى تحالف الإمارات المسيحية ضدّ القائد المسلم، في حربٍ صليبية أدّت إلى خروجه من سردينيا وأسر الكثير من أفراد عائلته، وذلك بعد انهزامه في معركةٍ بحرية جرت في شهر محرم 407.

وقد أسر الصليبيون نساء مجاهد وابنه علي، لكنه تمكن من فداء زوجته وبناته وأخواته، بينما ظلّ ابنه أسيراً لمدة 10 سنوات لدى أهل سردينيا قبل أن يقبلوا فيه الفداء.

في غياب علي، اختار مجاهد العامري ابنه "حسن سعد الدولة" لولاية عهده، ولما عاد علي جعله ولياً لعهده بدلاً من أخيه.

البابا بنديكتوس الثامن/ وكيبيديا
البابا بنديكتوس الثامن/ وكيبيديا

مجاهد العامري حوّل دانية إلى مقصدٍ للعلماء 

عاد العامري من سردينيا، ليجد الأمور في دانية قد اضطربت. انفرد أبو عبد الله المعيطي بالسلطة، فلم يتوانَ في القبض عليه وطرده إلى المغرب، متفرّغاً بعد ذلك لتحسين الحياة الاجتماعية في دولته الفتية ونشر العلم بين أهلها.

فأصبحت دانية مقصداً للعلماء واللغويين والأدباء، كأبي عمرو بن سعيد الداني وابن عبد البر وابن سيده، كما ذكر أبو عبد الله بن أبي نصر الحَميدي- في كتابه "جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس"- أن مجاهد العامري قد ألّف كتاباً في علم العروض.

وبالموازاة مع اهتمامه بالشؤون الداخلية لدولته، فقد دخل كغيره من ملوك الطوائف في صراعاتٍ مختلفة من أجل بسط سلطة الواحد على الآخر، إلى أن توفي في العام 436 هجرياً. 

وفي هذا الإطار، يقول ابن خلدون: "كان بين مجاهد صاحب دانية، وبين خيران صاحب مرسية، وابن أبي عامر صاحب بلنسية حروبٌ إلى أن هلك مجاهد سنة ست وثلاثين، وولي ابنه عليّ وتسمى إقبال الدولة".

بعد وفاة مجاهد العامري، استمرت طائفة دانية في الوجود حتى ضمّتها طائفة سرقسطة سنة 468 هـجري، فيما حافظت الجزائر الشرقية على استقلالها إلى غاية ضمّها من طرف المرابطين في العام 509.

تحميل المزيد