تشتهر الجزائر بـ"رقصة البارود التراثية الفلكلورية، التي ترتبط بالمقاومة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي. تُعتبر من أبرز الفنون الشعبية، المتوارثة من جيلٍ إلى آخر في الجنوب الجزائري، وقد انطلقت من منطقة توات في ولاية أدرار.
الرقصة خاصة بالرجال فقط، ويُطلق عليها أحياناً اسم "حلقة البارود"؛ لأنها عبارة عن حلقة دائرية تدور من اليمين إلى اليسار، يشكّلها الراقصون بلباسٍ موحّد، لكن تختلف الألوان والتطريزات من منطقةٍ إلى أخرى في الصحراء الجزائرية.
ووفقاً لمحرّك البحث الإخباري الجزائري "جزايرس"، تقام رقصة البارود وسط حلقةٍ من الأهازيج وضربٍ للبارود، وهي الرقصة العجيبة التي لا بدّ أن تتوفر فيها العديد من الأمور، من حيث التنظيم والأداء.
تفاصيل رقصة البارود
اللافت في الأمر أن البارود الذي يُضرب عند أداء الرقصة، يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط؛ أولها أن تُصنع مادة البارود من نبتة محلية تُسمّى"الكرنكة"، وهي شجرة لها أغصان وفروع، وتنتهي بكراتٍ خضراء تعطي عند قطفها مادة بيضاء تشبه الحليب.
المادة في الأساس سامة وخطيرة على الإنسان. لكن بعد حرقها، يُخلط رماد النبتة بملح البارود والكبريت وتُعبّأ في "الكبسولة" التي توضع تحت الزناد، فتُحدث تفجيراً مدوياً عند إطلاقها.
الرقصة خاصة بالرجال القادرين على حمل "المكحلة"- وهي نوع من بنادق البارود التقليدية في المغرب العربي- وعلى قائد الرقصة أن يتحكم بطلقة البارود التي تُطلق في الأخير معلنةً انتهاء الرقصة.
تتكون حلقة البارود عموماً من 30 إلى 70 رجلاً من أبناء القصر، ويتوسطها العازفون على الطبول والمزامير. يؤدي الراقصون في البداية مقاطع غنائية روحية، تتضمّن ابتهالاتٍ ومدائح دينية في مدح الرسول، وترديد الأذكار وأدعية الخير.
وحين يشرعون في مدح المصطفى، يُضرب "البندير" و"المزمار"، ليعطيا إيقاعاً يتماشى مع حركة أعضاء الفرقة.
وبإشارةٍ من قائد الفرقة، ينطلق الراقصون في إيقاعٍ أخفّ من سابقه، وينتهي بالإطلاق الجماعي والموحّد للبارود. وهذا الإطلاق هو غالباً معيار فشل أو نجاح الرقصة. وفي هذا الإطار، تتنافس فرق القصور فيما بينها على من يُمكنها أن تُطلق الطلقة الموحّدة من دون تقطّع.
أصل رقصة البارود
الرقصة لديها عدّة معانٍ من حيث الكلمات، ويُستعمل فيها البارود، كتعبير عن الفحولة والرجولة والشجاعة والإقدام. وهي رقصة حفلات وأفراح ومناسباتٍ يُرحَّب من خلالها بالضيوف.
وفي حديثٍ للصحفي الجزائري المختصّ بالشأن الثقافي، فيصل مطاوي، إلى وكالة الأناضول؛ يقول: "رقصة البارود موروثٌ ثقافيّ عن الأجداد، كانت أداة نضالٍ وصوت مقاومة ضدّ المحتل قبل أكثر من قرن".
من جانبه، قال أمين بلحفيان، رئيس جمعية الخيمة الخضراء إن "رقصة البارود نشأت عند سكان الصحراء في الجنوب الجزائري، وظهرت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر".
ولفت بلحفيان إلى أنها مستوحاة من تاريخ مقاومة الجزائر للاستعمار، حيث اندلعت مقاومات شعبية متفرّقة في عدة مناطق جزائرية ضدّ فرنسا، كانت البنادق البسيطة أهم وسيلة فيها، كما تُقام- بعد الانتصار في المعارك- حفلات رقص لمقاومين يحملون هذه البنادق.
وبخصوص الآلات المرافقة للرقصة، قال إنّها ثلاث آلات رئيسية وهي:
- "القلاّل"، وتُسمّى أيضاً (الخلَاف)، وهي آلة إيقاع يُضرب عليها باليد، مصنوعةٌ من الطين والجلد.
- آلة "الربّاع"، وهي عبارة عن طبل جلديّ متوسط الحجم.
- "التبقّاي"، وهي آلة صغيرة عبارة عن طبل جلديّ أصغر حجماً من الأول والثاني، تنسّق وتُكمِل ما تبقى من نغمتي الآلتين الأولى والثانية لتصدر بشكلٍ جميل.
إضافة إلى آلتين ثانويتين هما "المزمار"، آلة نفخ مصنوعة من الجلد، و"القرقابو"، آلة إيقاعية مصنوعة من المعدن، لها قرصان محدّبان في الوسط ويقرعان فيما بينهما باليد.
وتبقى رقصة البارود فلكلوراً شعبياً، تتوارثه الأجيال. ورمزية هذه الرقصة ليست روحية فقط، بل ارتبطت بمقاومة الجزائريين للمستعمر الفرنسي، لأنها كانت أداة مقاومة ونضال بالكلمة والعزف والأداء خصوصاً في جنوب البلاد.