تختلف طبيعة جرائم الاحتيال عن غيرها من الجرائم؛ نظراً لكونها تعتمد على مهارة خاصة جداً في الإقناع، واللباقة، وحتى التمثيل أحياناً، وهذا يجعل المحتال شخصاً بعيداً تمام البُعد عن الشُبهات، وإلا لن يستطيع الإيقاع بضحاياه.
ومع انتشار جرائم الاحتيال منذ أزمنة بعيدة غير معروفة تاريخياً على وجه الدقة، تطورت الوسائل والابتكارات الشريرة لخداع الأشخاص، ومن بين أشهر المحتالين في العالم وأكثرهم دهاء تأتي هذه الأسماء.
William Thompson .. رجل الثقة وأشهر المحتالين
هذا المحتال الأمريكي المعروف في تاريخ الاحتيال نُسبت إليه التسمية الشائعة في الإنجليزية للمحتالين، وهي "Con man"، اختصاراً لتسمية "confidence man"؛ أي رجل الثقة.
في أربعينيات القرن التاسع عشر كان ويليام تومسون يجول أرجاء ولاية نيويورك في أبهى ثيابه وشعر مصفف بعناية لتبدو عليه أمارات الثراء، وينتقي الأشخاص الذين تبدو عليهم أمارات ثراء مشابه، ثم يتجاذب معهم أطراف الحديث، وبعد فترة مناسبة يعرض عليهم صداقته واستعداده لمقابلتهم مرة أخرى، ثم يفاجئهم بسؤال بسيط: هل يمكنك أن تضع ثقتك فيّ؟ هل تستحق ثقتي؟ هل تثق في أن احتفظ بساعتك الثمينة حتى الغد مثلاً؟ وعندما يوافق الصديق الغافل؛ كان تومسون يختفي بلا عودة.
Sylvia Brown.. وسيطة الرب
سيلفيا براون كانت واحدة من أشهر الوسطاء الروحانيين في أمريكا والعالم، وقالت إن لديها القدرة على التحدث إلى "الرب"، والقدرة على معرفة المستقبل، واستقراء الأحداث من الماضي، والعثور على المفقودين من الأشخاص، ووصل أجرها في أوائل التسعينيات إلى 850 دولار مقابل جلسة مدتها 30 دقيقة.
اكتسبت براون شعبية كبيرة، وتسلطت عليها الأضواء الإعلامية في البرامج التلفزيونية بعد أن ادعت براون أن بإمكانها العثور على طفلة مفقودة، عمرها 6 سنوات اختفت في ولاية تكساس الأمريكية.
وفي "استقراء" لها أخبرت الأم والأب أن ابنتهما لم تمت، ولكنها اختطفت، وتقضي حياة تشبه حياة "العبودية"، وأنها أسيرة في يد جماعة شريرة، وأبلغتهما عندما سألا أين مكانها؟ فقالت لهما إنها ليست في الولايات المتحدة، ولكن تم إرسالها إلى بلدة تدعى "كوكورو" في اليابان.
افتضح أمر سيلفيا براون واحتيالها عندما عثرت الشرطة الأمريكية على جثة الطفلة مقتولة ومدفونة في بلدة صغيرة بجوار بلدتها في تكساس، بخلاف أن اسم البلدة اليابانية نفسه اتضح أنه وهمي.
Natwarlal.. روبين هود الهندي الذي باع تاج محل
ناتوارلال واحد من أشهر الأسماء في الثقافة الهندية، بل يتندر الهنود أحياناً بتسمية أي شخص يحاول التذاكي أو إظهار البراعة باسمه، وتصل سيرته في أعمال الاحتيال إلى حد الوصف الأسطوري.
ناتوارلال اعتاد أن يتقمص شخصية مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الهندية، وبحسب العديد من المصادر استطاع إقناع أحد السياح الأثرياء أن بإمكانه أن يبيع له الأثر الهندي الشهير "تاج محل"، ولم يقم بهذا مرة واحدة فقط، بل أشيع أنه باعه عدة مرات لأثرياء مهووسين بالثقافة الهندية.
وليس "تاج محل" فقط الذي استطاع أن يبيعه؛ فقد باع لبعض الغافلين القصر الرئاسي الرسمي في دلهي، والمعروف باسم "راشتراباتي بهوان"، بخلاف أساطير عديدة أشيعت عنه أنه بمثابة "روبين هود" الهندي الذي كان يسرق من الأثرياء ليعطي الفقراء، كما استطاع الفرار من سجنه عدة مرات كانت آخرها عام 1996، وكان يبلغ من العمر آنذاك 84 عاماً.
Charles Ponzi بداية الحيلة الشهيرة
أحد أبرز المحتالين في العالم، وفي تاريخ الاستثمارات والمعاملات المالية على الإطلاق؛ تشارلز بونزي، أمريكي من أصول إيطالية سافر إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، واستطاع أن يبدأ حياة عابثة بين نوادي وكازينوهات تكساس، حتى استطاع الحصول على وظيفة في أحد البنوك نظراً لبراعته في الحسابات والمعاملات المالية.
ارتبط اسم بونزي وبقوة بكل أنشطة الاحتيال المرتبط بما يعرف حالياً باسم بالتسويق الهرمي أو التسويق الشبكي، (حتى إن اللغة الإنجليزية أدخلت على هذه الأنشطة الاحتيالية اسم ponzi scheme، أي احتيال بونزي)، والذي يتلخص في جمع الأموال من الراغبين في الاستثمار بمقابل وهمي أو بسيط أو دون مقابل؛ بعد وعد باستثمار الأموال والحصول على نسب أرباح كبيرة، ولكن عادة ما يكون جامع المال محتالاً يستخدم طريقة تشارلز بونزي نفسها.
الطريقة التي استخدمها ببساطة تتلخص في وعد المستثمر برد ماله بأرباح عالية بعد استثماره، أو بضعف الربح إذا استطاع المستثمر إقناع مستثمرين آخرين بالانضمام إلى الاستثمار، وعندما يجمع مبالغ كبيرة يدفع ما وعد به لمجموعة صغيرة من أوائل المستثمرين، ويفر محتفظاً بمبالغ خيالية، وهو ما يتشابه مع طرق الاحتيال المنتشرة حالياً من قبل بعض الشركات التي تدعي أن نشاطها هو الاستثمار الرقمي في أنشطة مشروعة، بينما هي فقط تكرر حيلة بونزي.
Victor Lustig.. باع برج إيفل مرتين!
الفرنسي "فيكتور لاستينج" اسم ارتبط مثله مثل الهندي "ناتوارلال" بالقدرة الفريدة على خداع الآخرين، خاصة عندما يرتبط الأمر بأثر شهير، وأيقونة مثل برج إيفل الذي يقبع في قلب العاصمة الفرنسية باريس.
كان لاستينج رجلاً جذاباً، له شخصية ساحرة، واستطاع التحدث بخمس لغات، من أصول مجرية، سافر حول العالم، ومارس أعمال الاحتيال في أمريكا، وارتحل إلى باريس في أوائل العشرينيات.
في عام 1925 كانت أعمال الصيانة في برج إيفل تمر بمراحل توقف عديدة نظراً للأزمة المالية التي واجهت فرنسا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتناقل الفرنسيون أخباراً تقول إن صيانة البرج لن تكتمل، وإنه من الأفضل بيعه والتربح منه؛ وكانت هذه الشرارة الصغيرة هي ما جاء بفكرة بيع البرج.
استطاع فيكتور لاستينج إقناع مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الأثرياء بشراء البرج أثناء صيانته، وبالفعل نجح في بيعه، وحتى عندما اكتشف الأمر خشي رجال على سمعتهم ولم يبلغوا عن خداع لاستينج لهم.
الأكثر طرافة أن فيكتور استغل هذا الخوف وكرر الصفقة نفسها مرة أخرى وتمكن من بيع البرج لرجل أعمال آخر، ولكن هذه المرة افتضح أمره وألقي القبض عليه وتوفي في سجنه عام 1947.