كانت لافينيا فيشر تُدير نُزلاً على مشارف تشارلستون بكارولينا الجنوبية مطلع القرن الـ19، حين اعتادت أن تسحر النزلاء بحديثها عند توقفهم لقضاء الليل في نزلها قبل استكمال طريقهم باتجاه المدينة الساحلية.
فتتبادل معهم أطراف الحديث، قبل أن تتعرّف تدريجياً على تفاصيل حياتهم اليومية؛ وحين تتأكد أنهم أثرياء، تكون السهرة شارفت نهايتها، فتُسمِّمهم بالشاي المصنوع من نبات الدفلى.
ونبات الدفلى (أو الدفلة) عُرف منذ الحضارة اليونانية، ويُزرع على نطاقٍ واسع في البلدان الدافئة، وجميع أجزاء النبات شديدة السمّية عند تناولها، حتى إن ملامستها تؤدي إلى تهيّج الجلد.
تُعتبر فيشر أول قاتلة متسلسلة في أمريكا، أو على الأقلّ هكذا يعرّف عنها التاريخ الحديث المرتبط بالوعي الجماعي. لقبٌ قد لا تستحقه، لكن شرّها مؤكَّد ولا يُمكن الجدال فيه أبداً.
فما هي القصة الحقيقية لـ"لافينيا فيشر" إذاً، وهل كانت قاتلةً متسلسلة فعلاً؟ أم أنها مجرّد ضحية لأسطورةٍ نُمِّقَت، قبل أن تصل إلينا بهذا الشكل؟
تفاصيل أسطورة لافينيا فيشر
حُكِمَ على فيشر بالإعدام في العام 1820؛ لارتكابها جريمة سرقة على الطريق السريع، وفقاً لصحيفة The Post and Courier الأمريكية. لكن تفاصيل قصّتها بدأت تتكشف لاحقاً، خلال السنوات التالية، بواسطة السكّان المحليّين وعشاق قصص الرعب، ومرشدي الجولات السياحية الراغبين في إمتاع زبائنهم.
يزعم البعض أن لافينيا فيشر كانت أول قاتلة متسلسلة امرأة في أمريكا، خاصةً مع اكتشاف الشرطة مئات الهياكل العظمية المدفونة أسفل نزلها بعد القبض عليها. فيما يعتبر آخرون أنها لم تقتل أحداً على الإطلاق.
يقع نُزل Six Mile Wayfarer House على مشارف مدينة تشارلستون في ولاية كارولينا الجنوبية، وكان يستقبل المسافرين من وإلى المدينة في العام 1819، تحت إدارة لافينيا وزوجها جون.
كانت المرأة الجميلة (27 عاماً)، تنتقل بحديثها مع الرجال إلى الجوانب المالية بكلّ براعة وسلاسة، من دون أن تُشعرهم بأي خطب؛ فتسألهم عن مجال عملهم، وخططهم. وفي حال بدا عليهم الثراء، تقدّم لهم الشاي المسموم بأوراق الدفلى، قبل أن ترسلهم إلى غرفهم ليناموا ليلتهم الأخيرة.
تقول الأسطورة إن زوجها جون فيشر كان يتسلّل من بعد ذلك إلى غرف الرجال، ليسرقهم بعد أن يؤدي الشاي مهمّته، ثم يدفنهم أسفل النُزل. لكن بعض نسخ الأسطورة تُشير إلى أن الشاي كان يُفقد الرجال الوعي فقط، قبل أن يُجهز عليهم الزوج ويسرق أموالهم.
وتروي نسخةٌ أكثر تفصيلاً أن جثث الرجال كانت تسقط من أرضية غرفهم، بعد أن يُفتح فجأةً بابٌ سرّي، كان جهّزه آل فيشر أسفل السرير لحظة يتمدّدون عليه.
بدأ تداول هذه القصص للمرة الأولى بعد أن اشتكى رجال المنطقة من مجموعة قطاع طرق يغشّون في مباريات البوكر التي تستضيفها النُّزل المحلية، مثل النزل الذي يديره آل فيشر ونُزل Five Mile House القريب منه.
كما أن مزارعاً، يُدعى ستيفن لاكوست، كان قد أبلغ عن سرقة بقرة من مزرعته؛ فاتهم حينها قطاع الطرق بتوسيع نشاطهم، من مؤامرات القمار إلى السرقة الصريحة والعلنية.
القبض على لافينيا فيشر وزوجها
شكّل سكان المدينة مجموعة حراس أهليين للتحقق من الفعاليات المُقامة داخل نُزلَي Five Mile House وSix Mile Wayfarer House. لاحقاً توجّهوا أولاً إلى Five Mile House ليطردوا ساكنيه، قبل أن يحرقوا النزل عن بكرة أبيه.
ثم انتقلوا إلى نزل آل فيشر وطردوا جميع نزلائه أيضاً، لكنهم تركوا رجلاً محلياً يدعى ديفيد روس لحراسة المكان، وضمان عدم عودة آل فيشر وشركائهم. لكن رجلين وصلا إلى النُّزل في الصباح التالي وهجما على الحارس، ثم اصطحباه إلى مجموعة قطاع الطرق حيث حاولت لافينيا فيشر قتله.
ونجح روس في الفرار من المكان بطريقةٍ ما، تاركاً قطاع الطرق ليستردوا نُزل Six Mile Wayfarer House كمخبأ لأنشطتهم الإجرامية؛ وعادت لافينيا إلى عادتها القديمة بمجرّد فرار روس، من دون أن تُدرك أنها تحفر نهايتها بيديها.
سرعان ما قدّمت لنزيلٍ جديد، اسمه جون بيبولز، كوباً من شايها الشهير؛ لكن ومن حسن حظ بيبولز أنه لم يكن يحب الشاي، فتخلَّص من محتوى الكوب من دون أن تلاحظ لافينيا ذلك؛ منعاً لإحراجها.
لاحقاً في تلك الليلة، طبخت له الطعام وتحدثا قليلاً، ثم قادته إلى غرفته. شعر بيبولز بعدم الارتياح حين أدرك أنه أفصح عن معلوماتٍ تخصّه أكثر من اللازم، وأنه قد يتحوّل إلى هدفٍ للسرقة.
تقول الأسطورة إنه قرّر أن يريح جسمه على الكرسي بدلاً من السرير؛ في محاولةٍ منه للبقاء مستيقظاً ومنتبهاً؛ وهذا ما حصل، فقد استيقظ على ضوضاء عالية ورأى سريره وقد اختفى داخل حفرةٍ عملاقة في أرضية الغرفة. فلاذ بالفرار من نافذة غرفته وامتطى حصانه متجهاً إلى تشارلستون لإخطار السلطات.
أصبحت الشرطة تمتلك إذاً شهادةً من روس وبيبولز ضدّ آل فيشر، فتحرّكت على الفور. وفي فبراير/شباط 1819، ألقت الشرطة القبض على آل فيشر وأربعة أعضاء آخرين في العصابة من النُّزل، ثم أضرموا النيران فيه.
وتُشير بعض الروايات إلى أنهم عثروا على مخبأ البقرة المفقودة في أحد المباني الخارجية، قبل اقتياد جون ولافينيا فيشر إلى السجن، وأن رجال الشرطة حفروا في الأراضي المحيطة بالنُّزل وعثروا على متاهةٍ من الممرات السرية.
ويُقال إنهم وجدوا أيضاً أغراضاً تعود لعشرات النزلاء، وآلية لفتح ألواح الأرضية الموجودة تحت كل سرير، وكثيراً من الرفات البشري.
سجن وإعدام جون ولافينيا فيشر
أنكر جون ولافينيا التهم المنسوبة إليهما، لكن هيئة المحلفين حكمت عليهما بالإعدام شنقاً في مايو/أيار عام 1819؛ لارتكابهما جريمة الاعتداء بنيَّة القتل. ومع ذلك، منحت المحكمة آل فيشر وقتاً للاستئناف على إدانتهما.
لكنها في يناير/كانون الثاني 1820، رفضت استئناف آل فيشر وحددت موعداً لإعدامهما في الرابع من فبراير/شباط. وجرى تأجيل هذا الموعد لاحقاً؛ حتى يتسنى لآل فيشر التوبة. لكن وفي صباح 18 فبراير/شباط، نُقل جون ولافينيا فيشر من زنزانتهما إلى المشنقة.
أدى جون صلواته مع القس فورمان في هدوء، ثم أعلن براءته أمام حشود المتفرجين التي اجتمعت لمشاهدة الإعدام. لكن الأسطورة تقول إن لافينيا لم تفارق الحياة بهدوء، بل ارتدت فستان زفافها الأبيض، وصرخت وتوسّلت من أجل الرحمة. ورفضت أن تمشي إلى المشنقة، فاضطرّ الحراس إلى جرّها.
وبعد أن تقبّلت مصيرها في النهاية، قيل إنها صرخت في الحشود قائلةً: "إذا كانت لديكم رسالة إلى الجحيم، فيمكنكم أن تخبروني بها، سأوصلها إلى هناك"! ثم قفزت لتقتل نفسها قبل أن يشنقها الجلاد.
حقيقة أسطورة آل فيشر
من الصعب إيجاد التفاصيل الحقيقية خلف تلك الرواية، لكن الأكيد أن قصة جون ولافينيا فيشر قد تمّ تضخيمها بفعل الزمن، رغم نشر عدة مقالات صحفية بين عامي 1819 و1820 لتغطية الملابسات المحيطة بالقبض على آل فيشر وإعدامهم.
بدوره، وفي كتابه Six Miles to Charleston، نفى محقق جرائم القتل السابق بروس أور كثيراً من الأساطير المرتبطة بقصة لافينيا فيشر؛ وأوضح أن القصة الحقيقية لا تحتوي على بابٍ سرّي أسفل الأسرة، ولا يوجد أي بيت يحتوي على قبو في كارولينا الجنوبية.
كذلك فقد أكّد أن القصة الحقيقية لا تتضمّن فستان زفاف لحظة الإعدام، حتى إنه يمكن القول إن قصة الإعدام مفبركة بالكامل تقريباً.
وحسب أور، فقد نصّت النسخة المطبوعة من إحدى الصحف المحلية في الصباح التالي لمقتل آل فيشر على التالي: "بعد الساعة الثانية بقليل، عانق الزوج والزوجة بعضهما على المنصة؛ وبمجرد إعطاء الإشارة، سقطا معاً لينطلقا في رحلتهما إلى الخلود".
وهو ما يعني أن لافينيا ماتت من دون المشهد المسرحي الذي تذكره الأسطورة.
ومن المحتمل كذلك، أنه لم تكن هناك أي جرائم قتل، إذ عُثِر فقط على جثتين في الغابات المحيطة بالنزل بعد وقتٍ قصير من القبض على فيشر. ولم يُعثر على ما يربط بين الجثتين وجون ولافينيا.
وفقاً لموقع ati الأمريكي، فإنَّ شبح لافينيا فيشر يحوم اليوم حول السجن الذي قضت داخله العام الأخير من حياتها.. فمن يدري؟ ربما يكشف شبحها، في يومٍ من الأيام، عن الحقيقة من الأسطورة في روايتها.