عندما صعدت الحركة النازية متمثلة في الحزب النازي الألماني إلى المشهد السياسي الألماني قبيل الحرب العالمية الثانية، كان هناك تأييد شعبي عريض للحزب ورجله الأول أدولف هتلر الذي تقلد الحكم في ألمانيا عام 1933، ومن ثم بدأ مشواره الذي تحول إلى واحد من أبرز أنظمة الحكم الديكتاتوري في التاريخ الحديث؛ إن لم يكن على رأسها.
وقد يعتقد البعض أن تأييد الألمان لهتلر إبان الحرب العالمية الثانية كان نابعاً من تأييد شعبي كامل إما عن قناعة بعد غسل عقولهم عن طريق البروباجندا النازية أو حتى خوفاً من بطش الحزب ورجاله بهم؛ ولكن في الحقيقة فإن تاريخ ألمانيا المظلم أثناء الحرب العالمية الثانية لم يكن مظلماً تماماً؛ إذ برزت نقطة نور لوهلة تلخصت في اسم جماعة الوردة البيضاء، الخلية التي دفعت ثمناً باهظاً للوقوف أمام طوفان النازي، وانتهت حياة مؤسسها وشقيقته بالإعدام. هذه قصة جماعة الوردة البيضاء.
كيف نبتت الوردة البيضاء؟
بدأ تكوين جماعة الوردة البيضاء في منتصف عام 1942 عندما التقى مؤسسها هانز شول -الذي كان في الأساس هو وشقيقته صوفي شول عضوين في منظمة شباب هتلر النازية التي كانت تهدف لخلق جيل من الشباب معتنقي الفكر النازي العنصري التوسعي- بمجموعة صغيرة من الشباب داخل حرم جامعة ميونيخ بعد تبادل الحديث معهم حول أنشطة الحزب النازي الآخذة في التزايد؛ وخاصة الأنشطة التي تركز على التطهير العرقي ومعسكرات التشغيل القسري والتي كانت تركز بشكل كبير على يهود ألمانيا وما حولها بجانب الأعراق الأخرى مثل السود والغجر، وأفرز هذا الحديث الذي تبادله الشباب في همس عن تكوين نواة صغيرة كان هدفها مقاومة سياسات هتلر ومعارضة أفعاله من خلال توعية الجموع عن طريق طبع وتوزيع المنشورات.
كيف بدأت أعمال المقاومة؟
كان هانز شول، الذي كان يدرس الطب في جامعة ميونيخ، ميالاً إلى انتقاد منظمة شباب هتلر أولاً ثم بدأت انتقاداته هو وشقيقته تتزايد مع ازدياد نشاط الحزب النازي غير الأخلاقي خاصة تجاه الأعراق الأخرى، وتجاه أي شخص ينتقد الحزب النازي ولو بشكل بسيط، بعدها استطاع أن يقنع كُلاً من: ألكساندر شومريل وكريستوف بروبست وويلي جراف بالانضمام إليه لتأسيس نواة جماعة سماها الوردة البيضاء، وأقنعهم بأن مقاومة الحزب النازي عبر طبع وتوزيع المنشورات التحفيزية التي تفضح ممارسات النازية.
ولكن قبل أن تبدأ الجماعة الصغيرة المكونة من هانز وشقيقته والثلاثة أصدقاء كانت الجبهة الشرقية -حدود بولندا وروسيا- تعاني نقص الجنود، وسرعان ما كان الشباب الأربعة في بين المجندين إجبارياً في الجيش الألماني المُرسل إلى الحدود الشرقية عام 1942، وهناك ازداد اقتناع المجموعة بنواياهم في معارضة الحزب النازي بعد أن شهدوا العديد من الفظائع التي ارتكبها النازيون في حق يهود بولندا تحديداً.
المنشورات في يد الجستابو
بعد عودة هانز ورفاقه للدراسة في جامعة ميونيخ في العام التالي 1943، كانت شقيقته صوفي شول قد التحقت بجامعة ميونيخ لدراسة الأحياء، فصارت أقرب إلى أنشطة جماعة الوردة البيضاء، وسرعان ما انضمت لهم في عملية توزيع المنشورات التي كان شقيقها هانز قائماً على كتابتها وطباعتها. ثم انضم للخمسة المناضلين عضو سادس هو كورت هوبر أحد الأساتذة الذين درّسوا الفلسفة والموسيقى في الجامعة.
وفي مطلع عام 1943 كانت هناك آلاف المنشورات تغرق ميونيخ، والتي حملت في طياتها انتقادات العنصرية الممنهجة ضد الأعراق الأخرى وعلى رأسها اليهود الذين تعرضوا لألوان مختلفة من التنكيل بحسب رواية هانز نفسه لما رآه في الجبهة الشرقية.
وحملت منشورات أخرى -والتي وصل عددها إلى 6 منشورات- عدة تنبيهات للشعب الألماني الذي استسلم لأفعال "حكومته الشريرة".
ولكن في مطلع 1943 كان واحد من تلك المنشورات يقبع أمام مكتب أحد ضباط جهاز الأمن الاستخباراتي النازي المرعب "الجستابو"، وأصبح الجهاز الأمني القمعي الأشهر في تاريخ العالم الحديث على دراية بأن هناك "خلية مقاومة" سرية تحاول أن تقلب الألمان ضد الحزب الحاكم، لذا كان اعتقالهم ومحاكمتهم هو الهدف الأول للجهاز.
الاعتقال والحكم القاسي
بعد عدة أسابيع من نشاط الجماعة المتزايد تلقى جهاز الجستابو بلاغاً من أحد المواطنين المؤيدين للحزب برؤيته لصوفي شول أثناء إلقائها منشوراً داخل أحد المنازل، ومن ثم تم التربص بها وألقي القبض عليها هي وشقيقها هانز وزميلهما كريستوف بروبست، وكان بحوزتهم حقائب امتلأت بالمنشورات المعادية لهتلر والحزب النازي.
وبعد أقل من أسبوع تم تحويلهم إلى محاكمة عاجلة، وحُكم عليهم بالإعدام بالمقصلة بتهم معاداة الحزب وممارسة أنشطة مضادة له، وأضيفت تهمة ممارسة الشذوذ الجنسي إلى هانز شول، وفي 22 فبراير/شباط أعدم هانز وصوفي شول وكريستوف بروبست، ليصير اسم جماعتهم التي لم يكتب لها أن تتسع واحداً من أبرز أسماء جماعات المقاومة التي واجهت طغيان النازية داخل ألمانيا، وحتى اليوم تحتفل ألمانيا بذكرى ميلاد ووفاة الأخوين شولتز بصفتهما رمزين لمقاومة الألمانيين للحكم النازي.