في الخامس من سبتمبر/أيلول 1975، نجا الرئيس الأمريكي جيرالد فورد من محاولة اغتيالٍ كادت تودي بحياته، قبل 17 يوماً من محاولة أخرى نفّذتها سارة جين مور. القاسم المشترك الوحيد بين المحاولتين أن المنفّذ كان امرأة.
في الأولى توجهت لينيت فروم إلى مكان وجود الرئيس في مدينة ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، وصوَّبت نحوه مسدساً من عيار 45 ملم، لكن أحد عملاء الخدمة السرية لحماية الرئيس طرحها أرضاً. فصرخت فروم: "المسدس لم يطلق النار، ما هذا؟ لم يطلق النار".
لم يكد يمر على تلك الحادثة 17 يوماً، حتى حاولت امرأة أخرى- تُدعى سارة جين مور- اغتيال فورد، في 22 سبتمبر/أيلول 1975، لكن الرصاص انطلق من السلاح هذه المرّة.
ومع ذلك، لم تنجح مور في الوصول إلى غايتها باغتيال الرئيس الأمريكي ذلك اليوم، حين كان في فندق سانت فرانسيس بمدينة سان فرانسيسكو.
كيف حاولت سارة جين مور اغتيال جيرالد فورد
كان فورد في سبيله إلى مغادرة فندق سانت فرانسيس، حين رمته سارة جين مور برصاص مسدسها من مسافةٍ تُقارب 12 متراً. لكن في اللحظة التي أطلقت فيها النار، أمسك أحد المارة بذراعها ونازعها السلاح، فطاشت الرصاصة بعيداً عن هدفها.
ارتدّت الرصاصة من الحائط خلف فورد، وبادر عملاء الخدمة السرية بنقله إلى سيارة الليموزين وانطلقوا مسرعين. أخفقت محاولة الاغتيال الثانية خلال شهرٍ واحد، في اغتيال الرئيس، لكن عملاءه كادوا أن يقتلوا فورد خنقاً حين انكبّوا فوقه يغطّونه داخل السيارة.
قال فورد لاهثاً من أرضية الليموزين: "ستسحقونني حتى الموت، إنها سيارة مصفحة. إليكم عنّي".
اضطربت الأمور في ذلك الوقت بفندق سانت فرانسيس، وساد الهرج والمرج؛ فقد أصابت الرصاصة، التي ارتدّت من الحائط، سائقَ سيارة أجرة. أما الرجل الذي حاول أن يأخذ سلاح سارة جين مور، فقد أحكم سيطرته عليها ضامناً أن تعتقلها الشرطة.
لاحقاً اكتُشف أن الرجل نجح بحماية الرئيس، لأنه جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية ويُدعى أوليفر سيبل، وكان قد تعرّض في السابق لإصابةٍ أبعدته عن الخدمة خلال حرب فيتنام.
استجوبت الشرطة مور لمعرفة دوافعها، لكن التباس إجاباتها خيَّب مساعيهم.. سُرّب لاحقاً بعض من محضر التحقيق معها، حين قالت للشرطة: "لو كان معي مسدس عيار 44 ملم، لكنت نلت منه".
جاء تقييم وكيل مكتب التحقيقات الفدرالي ريتشارد فيتامانتي موافقاً لادّعاء مور، فقد أكد قائلاً: "كانت رصاصتها ستُصيب رأس الهدف على الأقل، ولربما كانت أنهت حياته فوراً، فقد كانت تتدرب.. أخطأت رميتها الهدف بنحو 15 سنتم فقط".
حياة سارة جين مور قبل محاولة الاغتيال
قال جيمس هيويت، المحامي الذي دافع عن سارة جين مور: "لم أحصل منها قط على إجابة وافية عن سبب إقدامها على محاولة الاغتيال".
كانت مور أمّاً تبلغ من العمر 45 عاماً وتعمل محاسبة، ما يعني أن سيرتها عادية جداً ولا تتوافق مع ما نتصوّره عن حياة القاتل التقليدي. كانت قد تزوّجت خمس مرات، منها زواج بطبيب وآخر بمدير تنفيذي في هوليوود، وسبق لها أن تطوعت بالعمل في برنامجٍ لإطعام المحتاجين.
نشأت مور في ولاية فرجينيا الغربية، وأرادت احتراف التمثيل؛ لكن القدر ساقها إلى للعمل كمُخبرة لمكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، الذي كلّفها بالتسلل إلى داخل المنظمات المتطرفة، إلا أن المكتب قطع علاقته بها قبل 4 أشهر فقط من محاولة اغتيال فورد.
في مقابلةٍ أُجريت معها عام 1982، قالت مور: "كنت سأُقتل على أي حال. وما دام النظام عازماً على قتلي، أردتُ أن أُدلي بتصريحٍ ما قبل ذلك"؛ كما جاء في موقع ati.
لاحقاً، بحلول العام 2007، عبّرت مور عن أسفها لما فعلته. وفي لقاءٍ آخر معها، قالت: "أظن أني كنت تحت تأثير عملي، ساقتني حماسة الإدرينالين، والتبست عليَّ الأمور. لم أكن أسمع إلا ما أردتُ سماعه".
محاكمة المرأة التي حاولت اغتيال جيرالد فورد
خلال جلسة النطق بالحكم في قضيتها، قالت سارة جين مور: "هل أنا نادمة لأني حاولت؟ نعم، ولا؛ نعم، لأن ما فعلته لم يجلب لي إلا إهدار ما تبقى من حياتي. ولا، لأني حاولت. ما فعلته بدا لي حينها أنه التعبير الصحيح عن غضبي".
عندما أطلقت مور النار على فورد، كانت تظن أن الحكومة تدبِّر إعدام اليساريين، وكانت الشرطة زارتها في اليوم نفسه الذي أطلقت فيه النار على فورد. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد حاولت الاتصال بحرس الرئيس خمس مرات في ذلك اليوم، لسببٍ بقيَ مجهولاً.
خالفت مور نصيحة محاميها، وأقرَّت بأنها مذنبة، ليُحكم عليها بالسجن مدى الحياة. في السجن، زعمت أن عميلاً بالحكومة رافقها إلى تاجر الأسلحة لشراء المسدس، الذي استخدمته في إطلاق النار، وادَّعت أيضاً أن إدارة شرطة سان فرانسيسكو كانت تبتزها.
وقد صرّحت مور في السجن بأن محاولة اغتيال فورد الأولى، على يد لينيت فروم، كادت تدفعها إلى إلغاء خطتها، لأنها توقعت أن يشدّد الأمن تدابير حماية الرئيس.
دوافع جريمة سارة جين مور
أمضت سارة جين مور ولينيت فروم سنوات، في السجن نفسه بفرجينيا الغربية. وبعد أن قضت مور 32 عاماً من عقوبتها، أفرجت عنها السلطات في العام 2007، ولحقت بها فروم بعد ذلك بعامين. أما الرئيس فورد، فقد تُوفي قبل عام من إطلاق سراح مور.
أوضحت مور دوافع ارتكاب الجريمة في مقابلة أجرتها مع CNN، بعد الإفراج عنها، وقالت: "لا يتذكر الناس تلك الحقبة الآن. لقد كنا نخوض حرباً في ذلك الوقت. إنها حرب فيتنام، كانت هذه الحرب مستحوذة عليك، وعليَّ، وعلينا جميعاً".
وتابعت سارة جين مور: "كنا نقول لأنفسنا إن البلاد تحتاج إلى التغيير. والسبيل الوحيد لهذا التغيير كان إشعال ثورة عنيفة. لقد آمنتُ حقاً بأن إطلاق النار على فورد قد يُشعل ثورة جديدة في هذا البلد".