استطاع المسلمون قبل الاحتلال البريطاني للهند تأسيس مملكةٍ قوية دامَ حكمها قرابة 8 قرون وامتدت في أوجها لتشمل معظم أراضي شبه القارة الهندية (والتي تضم الهند وباكستان وبنغلاديش وبوتان ونيبال)، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة انتشر الإسلام في الهند ليصبح اليوم ثاني أكبر ديانة في البلاد بعد الهندوسية، ومع انتشار الإسلام انتشرت كذلك المعالم الإسلامية في طول البلاد وعرضها، ولا تزال تلك المعالم شاهدة إلى اليوم على عظمة العمارة الإسلامية، تعالوا نتعرف معاً على أبرزها:
أبرز المعالم التاريخية الإسلامية في الهند
بدأ الفتح الإسلامي في بلاد السند أولاً؛ حيث فتحها القائد المسلم محمد بن القاسم الثقفي عام 672 عندما كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره. ولم تكن هناك محاولات عسكرية جدية لفتح الهند حتى بداية تأسيس الدولة الغزنوية في مدينة غزنة (بأفغانستان الحالية) عام 961، حيث قاد محمود الغزنوي 17 حملة هناك.
مع ذلك لم تتشكل سلطنة إسلامية حقيقية في الهند إلا في عهد الغوريين، الذين تمكنوا من القضاء على آخر سلاطنة الغزنويين و استطاعوا تأسيس دولتهم الخاصة لتكون الهند وجهتهم بعد ذلك، وبالفعل تمكن الغوريون من بسط سيطرتهم على مناطق واسعة من الهند واتخذوا من دلهي عاصمة لهم عام 1193، لتبدأ العمارة الإسلامية بالانتشار حينها في الهند.
وبعد أفول الدولة الغورية، تأسست الدولة المملوكية في الهند، وبرز نجم "سلطنة دلهي" التي حكمها المماليك قرابة 90 عاماً، وتميزت هذه الفترة كذلك بانتشار معماري إسلامي واسع.
ومع نهاية حكم المماليك تتالت سلالات مسلمة أخرى على حكم "سلطنة دلهي" التي بقيت قائمة طوال 320 عاماً، لتنهار بعد ذلك وتقوم مقامها إمبراطورية إسلامية جديدة هي إمبراطورية المغول الذين حكموا الهند قرابة 300 عام وأدخلوا أنماطاً جديدة من الفنون الفارسية وفنون غرب أوراسيا إلى العمارة الإسلامية في الهند.
وعلى مر تلك القرون، كانت المساجد والمقابر من أبرز معالم العمارة الإسلامية في الهند، وقد صُممت بأنماط معمارية لم تكن موجودة من قبل في شبه القارة الهندية، فقد تميزت بالقباب والأقواس التي لم تكن تدخل في تصميم المعابد الهندوسية.
تاج محل.. جوهرة الفن الإسلامي
عندما نتحدث عن المعالم التاريخية الإسلامية في الهند فلا بد لنا أن نبدأ بتاج محل الملقب بـ" جوهرة الفن الإسلامي في الهند"، والذي بناه السلطان شاه جيهان ليكون ضريحاً لزوجته الراحلة ممتاز محل.
على ضفة نهر يامونا في مدينة أغرا، شيد تاج محل بالمرمر الأبيض بأسلوب معماري فريد يجمع بين الطراز المعماري الفارسي والتركي والعثماني والهندي.
وقد استغرق بناؤه قرابة 21 عاماً؛ إذ أعطى الإمبراطور شاه جيهان الأوامر ببنائه في العام 1632 ولم تكتمل المهمة حتى عام 1653.
لا نعلم على وجه التحديد هوية المهندس الذي قام بتصميم هذا الصرح، لكن يرجح المؤرخون أنه المهندس الفارسي "أستاذ أحمد لاهوري"، ويقال كذلك إنه من المحتمل أن مهمة التصميم كانت مسندة إلى المهندس التركي عيسى أفندي والشيرازي محمد سيازي خان.
شارك في بناء "تاج محل" حوالي 22 ألفاً من العمال والمهندسين القادمين من مختلف بقاع الأرض، فقد تم جلب المعماريين والحرفيين من بغداد ومن القصور العثمانية في تركيا وقدم مصممو الحدائق من كشمير والخطاطون من شيراز والحجارون والنحاتون وحرفيو الجص ومصممو القباب والبناؤون من بخارى والقسطنطينية وسمرقند.
وقد بُني ضريح الإمبراطورة المغولية من الرخام الأبيض النقي الذي تم استخراجه من محجر جبل "ماكراتا" والذي يبعد 563 كم (في إقليم راجستان)، وتم استحضار الحجر الرملي الأحمر من دلهي، كما أحضرت الحجارة الكريمة بالقوافل من كل أنحاء الأرض: اليشب من البنجاب، والعقيق الأحمر من بغداد، والفيروز من التيبت، والملكيت واليشم والكريستال من تركستان، وغيرها من اللؤلؤ والماس والزمرد والصفير؛ إذ استُخدم في بناء تاج محل أكثر من أربعين نوعاً من الأحجار الكريمة.
وفضلاً عن الأسلوب المعماري الفريد الذي اتبع في بناء هذا الضريح، استخدم المهندسون العديد من أساليب الخداع البصري التي جعلت من تاج محل تحفة ترقى لمستوى واحدة من عجائب الدنيا السبع؛ إذ يتغير لون البناء مع اختلاف أوقات النهار بحسب موقع الشمس وانعكاس الماء على المرمر الأبيض.
لذا لا عجب أن تعلن اليونيسكو عام 1983 أن تاج محل موقع تراث عالمي وأن تصفه بأنه: "درة الفن الإسلامي في الهند ومن أجمل نماذج التراث العالمي".
القلعة الحمراء في دلهي
تعتبر القلعة الحمراء في دلهي من أبرز معالم العمارة الإسلامية المغولية في الهند، وعلى غرار تاج محل، فقد تم بناؤها أيضاً بأمر من السلطان شاه جهان الذي يتميز عصره بأنه العصر الذهبي للفن والعمارة المغولية.
وقد تم بناء هذه القلعة المعروفة أيضاً باسم "لال قلعة" في منتصف القرن السابع عشر، ولا تزال إلى اليوم إحدى أهم المعالم السياحية في الهند، وقد تم تصنيفها في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي عام 2007.
أسوار القلعة الضخمة مبنية من الحجر الرملي الأحمر، ويبلغ ارتفاعها 75 قدماً (23 متراً)، وتضم مجمعاً من القاعات، والشرفات البارزة، والحمامات، والقنوات الداخلية، والحدائق، بالإضافة إلى مسجد مزخرف.
ووفقاً لما ورد في موقع britannica، تعتبر قاعة الجمهور (Diwan-i-ʿAm) الموجودة في القلعة من أشهر المباني هناك، وتضم 60 عموداً من الحجر الرملي الأحمر.
ضريح همايون.. الأول من نوعه في شبه القارة الهندية
ضريح همايون مثال رائع آخر عن العمارة الإسلامية في عصر الإمبراطورية المغولية.
بدأت القصة عام 1556، عندما توفي الإمبراطور المغولي نصير الدين همايون، ودفنت جثته آنذاك في قصره في دلهي. لكن زوجته حميدة بانو بيجوم حزنت عليه حزناً شديداً، وقررت أن تكرس حياتها لبناء نصب تذكاري له لا يوجد له مثيل في الإمبراطورية المغولية كلها، وهذا ما كان بالفعل.
في عام 1558 بدأ المهندس الفارسي ميراك ميرزا غياس وابنه سيد محمد بتصميم هذه التحفة المعمارية الفريدة، وعندما عادت الإمبراطورة المكلومة من مكة المكرمة بعد أدائها لفريضة الحج أشرفت بنفسها على عملية البناء التي لم تنته حتى عام 1572.
وقد تم بناء الضريح في موقع بالقرب من نهر يامونا في دلهي، وكانت تكلفته 1.5 مليون روبية دفعتها الإمبراطورة بالكامل.
ويعتبر ضريح همايون المقبرة الأولى من نوعها في شبه القارة الهندية، وقد شكًل سابقة في تاريخ العمارة المغولية، ولا يزال إلى اليوم أحد أبرز المعالم التي يحرص السياح على زيارتها، وقد تم تصنيفه عام 1993 كموقع تراث عالمي لليونسكو.
قطب منار.. ثاني أطول مئذنة في التاريخ الإسلامي
وبالعودة بالزمن إلى الوراء قليلاً نجد أن الغوريين الذين سبقوا المغول في الهند قد تركوا لنا كذلك تحفاً معمارية مبهرة أبرزها "قطب منار".
قطب منار هو معلم تاريخي يتألف من عدد من الأبنية أبرزها مسجد ومنارة أو مئذنة يصل ارتفاعها إلى 72.5 متر؛ مما يجعلها أطول مئذنة في العالم مبنية من الطوب، وهي المنارة الأطول من نوعها في الهند وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في أشبيلية. ويبلغ قطر قاعدة المئذنة 14.3 متر ويتناقص ليصل إلى 2.7 متر في الجزء العلوي من القمة.
تم بناء "قطب منار" في الغالب بين عامي 1199 و 1220 على يد قطب الدين أيبك، أول حكام سلطنة دلهي. ويعد قطب منار من أقدم المباني الموجودة في شبه القارة الهندية.
تحتوي مئذنة قطب منار على درج حلزوني مكون من 379 درجة، وتتميز بتأثرها بأساليب العمارة في المعابد الهندوسية، فعلى الرغم من أن المهندسين المشرفين على عمارة قطب منار كانوا مسلمين إلا أن الغوريين اعتمدوا كذلك على العمال والحرفيين الهندوس؛ لذلك كان قطب منار يختلف إلى حد ما عن الطراز والتصميم النموذجي للمساجد التي شُيّدت في الشرق الأوسط.
وإلى يومنا هذا يستقطب قطب منار جموعاً كبيرة من السياح كل عام. وقد قامت منظمة اليونسكو بإدراجه في قائمة التراث العالمي كذلك.