"إذا كنت أنت الوطن والمدافع عن الوطن
وإذا كانت الوطنيّة مزارعك
وإذا كانت هي ممتلكاتك وودائعك المصرفية
أو الموت جوعاً على قارعة الطريق
ومص دمائنا في مصانعك
وإذا كان الوطن هراوة الشرطي
وإذا كانت الوطنية هي القواعد والقنابل والصواريخ الأمريكية
إذاً أنا خائن".
إنها إحدى قصائد الشاعر التركي ناظم حكمت التي كتبها في العام 1962، أي قبل عام واحد فقط من وفاته، والتي ترك من خلالها أثراً عميقاً في نفوس أبناء جلدته، فباتوا يعتبرونه واحداً من أفضل شعراء تركيا على مرّ التاريخ، ليس ذلك فحسب بل إن صيته وصل إلى كثير من دول العالم حتى العربية منها.
ليس ذلك فحسب، بل إن حكمت عاش حياة صاخبة على جميع المجالات سواء الأدبية أو الاجتماعية و حتى السياسيّدة.
من هو ناظم حكمت، وما أبرز محطات حياته، وما الذي قدمه للناس من إرث فني؟
من هو ناظم حكمت؟
وُلد ناظم حكمت، في 15 يناير/كانون الثاني 1902، بمدينة سالونيك التابعة للدولة العثمانية (في اليونان حالياً)، لعائلة ثريّة ذات نفوذ، فوالده كان يخدم في السلك الدبلوماسي، ووالدته الفنانة عائشة جليل هانم التي تعزف على البيانو وترسم وتتحدث الفرنسية.
وجدُّه لوالدته هو حسن أنور باشا الشاعر واللغوي والمعلم، وهو السبب الذي جعله يتعرف على الشعر في سنّ مبكرة من حياته، ونشر أولى قصائده وهو في عمر الـ17 فقط.
نشأ حكمت في إسطنبول، وتلقى تعليمه في مدرستي "Mekteb-i Sultani" و"Nişantaşı Numune Mektebi"، قبل أن يلتحق بأكاديمية "Heybeliada" الحربية في المدينة، لكنه أجبر على تركها عام 1920؛ لمشاكل صحية.
ووفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لناظم حكمت على الإنترنت، فإنّ الشاعر التركي ذهب في بداية عام 1921 إلى الأناضول؛ للمشاركة في قوات مصطفى كمال أتاتورك في حربه لإسقاط الإمبراطورية العثمانية.
وعند احتلال تركيا من قبل الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى، انتقل حكمت إلى موسكو لدراسة الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعتها، وهناك التقى كُتاباً وفنانين من جميع أنحاء العالم.
سلسلة اعتقالات جعلته يفر بشكل نهائي إلى موسكو
بعد الاستقلال التركي عام 1924، ترك حكمت موسكو وعاد إلى إسطنبول كماركسي ملتزم بسبب تأثره الكبير بثورة أكتوبر/تشرين الأول السوفييتية، فعمل كاتباً في عدد من الصحف والدوريات التركية، وفي الوقت ذاته عمل كاتب نصوص ومخرج أفلام في أستوديوهات إيبك للأفلام بإسطنبول.
ولكن سرعان ما تمّ اعتقاله؛ لعمله في مجلة يسارية، فدفعه ذلك بعد التحرر من الفرار إلى الاتحاد السوفييتي، حيث واصل كتابة المسرحيات والقصائد، وفقاً لما ذكره موقع أكاديمية الشعراء الأمريكيين Academy of American Poets.
في عام 1928، سمح عفو عام لحكمت بالعودة إلى تركيا، استطاع بعدها خلال 10 سنوات، نشر 9 كتب شعرية هي: 5 مجموعات و4 قصائد طويلة، إضافة إلى عمله مدققاً لغوياً وصحفياً وكاتب سيناريو ومترجماً.
الحكم عليه بالسجن 28 عاماً
بعد أن تم اعتقال ناظم حكمت مرات عديدة بسبب أشعاره، أسفرت التهم الأخيرة الموجهة إليه في العام 1938 عن الحكم بسجنه 28 عاماً بتهم التحريض على الكلية البحرية، ولنشاطاته المناهضة للنازية والفرنكفونية، إضافة إلى معارضته الإقطاعية التركية ومعارضته النظام الذي أنشأه أتاتورك، على الرغم من أنه كان من أوائل المشاركين في حركة أتاتورك التجديدية.
قضى حكمت من فترة سجنه، 12 عاماً في سجن إسكودار على الجانب الآسيوي من إسطنبول، قبل أن تبدأ حملة لدعمه في العام 1949 وأحدثت أصداء كبيرة، فتم الإفراج عنه في العام التالي 1950 بموجب عفو عام من قبل الرئيس الجديد محمود جلال بيار.
إسقاط الجنسية التركية عن ناظم حكمت ومنع أشعاره
بعد خروجه من السجن، تعرض حكمت لضغوط سياسية أجبرته على الفرار إلى الاتحاد السوفييتي مجدداً، قبل أن تُسقط الحكومة التركية عنه جنسيتها، وتمنع تداول أشعاره.
ولكنه حتى يلتف على هذا القرار، نشر حكمت كتبه طيلة فترة منعه بأسماء مستعارة مثل أورخان سليم وأحمد أوغوز وممتاز عثمان وأيضاً أرجومينت ار.
كما أصدر كتابه الشهير "الكلاب تعوي والقافلة تسير" باسم أورخان سليم.
فيما بعد قامت بولندا بمنح الشاعر التركي جنسيتها، والسبب هو أنّ جده لوالدته حسن أنور باشا هو ابن قسطنطين بورزيكي، وهو مواطن بولندي هاجر إلى الإمبراطورية العثمانية من بولندا خلال انتفاضات 1848، واتخذ اسم مصطفى جلال الدين باشا عندما أصبح مواطناً عثمانياً.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة Haber Turk التركية، فإن ناظم حكمت من أصول شركسية، إذ إن والده حكمت باي هو ابن الشركسي ناظم باشا الذي كان والياً على ديار بكر وحلب وقونية وسيفاس.
وإن والدته عائشة هانم لها أصول بولندية وألمانية وجورجية وشركسية وفرنسية.
صار ناظم حكمت فيما بعد يتنقل بين عاصمتها وارسو وصوفيا، ولكنه قرر في نهاية المطاف الاستقرار بموسكو.
ووفقاً لما ذكره موقع "الجزيرة نت"، فإن تجربة الاعتقال وحياة المنفى أكسبت أشعار ناظم حكمت السهولة والبساطة، وجعلته يكتب لأطفاله وعشيقاته بينما كان في السجن.
كما أنه زار العديد من الدول الشيوعية آنذاك مثل بلغاريا وبولندا والصين وكوبا وتشيكوسلوفاكيا، كما أقام في دول أوروبية منها فرنسا وإيطاليا، مشاركاً في عشرات المؤتمرات والفعاليات الأدبية.
وفاة ناظم حكمت
توفي ناظم حكمت ران في 3 يونيو/حزيران سنة 1963 بموسكو، عندما خرج من بيته لإحضار الصحف من صندوق البريد فسقط مفارقاً الحياة، ودُفن في مقبرة نوفوديفيتشي بالمدينة وبُني صرح حجري على قبره.
وبعد نحو نصف قرن من وفاته، قررت الحكومة في عام 2002، إعادة الجنسية التركية إلى الشاعر ناظم حكمت، الذي يعتبر من ضمن قائمة أفضل 10 شعراء في العالم في القرن العشرين.
أبرز أعمال ناظم حكمت
يعد أحد الثوار المدافعين عن مذهب الرومانسية، وقد ترجمت قصائده الشعرية إلى أكثر من 50 لغة، وحصلت أعماله على العديد من الجوائز، من بينها جائزة الاتحاد السوفييتي الدولية للسلام بالتشارك مع بابلو نارودا عام 1950.
أما من أبرز أعماله فرسالة "لا تحيا على الأرض"، وقصيدة "لعلها آخر رسالة إلى ولدي محمد"، و"ملحمة الشيخ بدر الدين"، و"مناظر طبيعية وإنسانية من بلدي"، و"ملحمة حرب الاستقلال".
وكتب مسرحيات "الجمجمة"، و"الرجل المنسي"، و"فرهاد وشيرين"، و"إنه لشيء عظيم أن تكون على قيد الحياة، يا أخي".