إذا كنتَ من محبّي مسلسلات الجرائم والتحقيقات الجنائية، فلا بد أنك تابعت مسلسل Mindhunter، الذي عرضته نتفلكس للمرّة الأولى عبر منصّتها في العام 2017، والذي يروي كيف ساهم إنشاء وحدة التحليل السلوكي في مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) على كشف المجرمين في السبعينيات والثمانينيات.
كرَّس روبرت ريسلر حياته لمطاردة القتلة الأشرار، وحين انضمّ إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) في العام 1970، لم يعرف المحققون حينها ماذا يُطلقون على المجرمين الذين حصدوا كثيراً من الأرواح، إلى أن اخترع ريسلر مصطلح "القاتل المتسلسل".
ساعد ريسلر في إنشاء وحدة العلوم السلوكية، وأصبح أول متخصّص في التنميط الجنائي للقتلة المتسلسلين بمكتب التحقيقات الفيدرالي، بعد أن أمضى سنوات طويلة من عمره وهو يقابل أسوأ المجرمين في أمريكا ويحاورهم، بهدف متابعة سلوكهم وتحوّلاتهم النفسية.
وفي وقتٍ لم يكن أحد قد فكر من قبل في إجراء مقابلات مع القتلة بصورةٍ مباشرة، ساعدت الملفات التي أعدَّها ريسلر مكتب التحقيقات الفيدرالي في تعقُّب المجرمين. ومع أنه تقاعد في التسعينيات وتوفي في العام 2013، فإن اسم روبرت ريسلر ما زال حياً حتى اليوم، وكان ملهماً لشخصية بيل تينش التي أدّاها الممثل الأمريكي هولت مكالاني في مسلسل Mindhunter.
روبرت ريسلر ووحدة العلوم السلوكية في الـFBI
كان ريسلر مفتوناً بعلم الجريمة، وبعد حصوله على درجة الماجستير من جامعة ولاية ميشيغان، عمِل لاحقاً ضابط تحقيقات جنائية في العاصمة واشنطن، بعدما انضمّ إلى الجيش الأمريكي في السنوات التالية للحرب العالمية الثانية وخدم بمواقع مختلفة بأنحاء العالم.
في العام 1970، انضمّ إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي وجُنِّد بعد عامين في وحدة العلوم السلوكية حديثة الإنشاء، والتي لم يكن يؤمن بها أحد آنذاك. لكن، ومع تصاعد معدّلات الجريمة في الولايات المتحدة، تمكنت الوحدة -عبر ريسلر- من الإمساك بالقتلة من خلال تعاملها معهم من منظورٍ تحليلي بحت.
في كتابه I Have Lived in the Monster، يتحدث روبرت ريسلر عن براعة العقول الفاسدة للقتلة المتسلسلين، وينشر فيه مقابلات حصرية مع اثنين من أشهر القتلة المتسلسلين الأمريكيين: جون واين جاسي، وجيفري دامر.
ويقول ريسلر: "من المثير للاهتمام كيف أن القتلة المتسلسلين اختفوا تقريباً في أواخر التسعينيات، بعدما كانت حالات القتل تحصل على نطاقٍ واسع خلال الحرب العالمية الثانية، وتصاعدت بعدها بصورة كبيرة".
أمضى روبرت ريسلر السنوات الثلاثين من مسيرته المهنية، مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، مُكرِّساً حياته للإمساك بالقتلة المتسلسلين؛ لا سيما أولئك الذين لم يعرفوا ضحاياهم، وكانوا يختارونهم عشوائياً.
داخل مقابلات ريسلر مع القتلة المتسلسلين
أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي، في مدينة كوانتيكو بولاية فرجينيا، وحدة العلوم السلوكية في العام 1972. واستخدمت الوحدة أدوات علم النفس لفهم الجرائم العنيفة، ولعب ريسلر دوراً حاسماً في الوحدة الجديدة.
وفي ظلّ كون علم القتلة المتسلسلين جديداً للغاية حينها، كان الـ FBI بحاجة إلى بيانات، الكثير من البيانات. لذا، بدأ ريسلر وشريكه جون دوغلاس بإجراء مقابلات مع عشرات القتلة المتسلسلين من داخل السجن.
خلال المقابلات، كان ريسلر ودوغلاس يسألان القتلة عن طفولتهم والأسباب والدوافع التي جعلتهم يرتكبون جرائمهم. وكانوا يستمعون باهتمامٍ كبير إلى ما يقوله القتلة، حين كانوا يشرحون الطرق الوحشية التي قتلوا فيها ضحاياهم والأدوات التي نفذوا بها جرائمهم.
تشارلز مانسون، وريتشارد سبيك، وديفيد بيركويتز، هذه الأسماء وغيرها الكثير قابلاها روبرت ريسلر وشريكه جون دوغلاس. وفي كتابه Whoever Fights Monsters، يروي ريسلر قصة ديفيد بيركويترز -الملقّب بـ"ابن سام"– وكيف قتل 6 أشخاص في جميع أنحاء نيويورك في أواخر السبعينيات، وترك رسائل تسخر من الشرطة ومن جهودها غير المثمرة للقبض عليه. قصة ديفيد كانت أيضاً مصدر إلهام لإحدى قصص مسلسل Mindhunter.
كان ريسلر ودوغلاس يسألان القتلة عن طفولتهم والأسباب والدوافع التي جعلتهم يرتكبون جرائمهم
خلال مقابلة ريسلر الثالثة بمفرده مع إد كيمبر، الذي كان يبلغ طوله 2.06 متراً وقطع ذات مرة رأس والدته بالإضافة إلى قتله ثمانية نساء وهو بعمر 21 عاماً، لم يكن جرس تنبيه الحراسة يعمل.
وحين لاحظ كيمبر ذلك، قام من كرسيه وابتسم قائلاً لريسلر: "إذا ما جُنَّ جنوني هنا، ستكون في ورطة كبيرة، أليس كذلك؟ يمكنني أن أقطع رأسك وأضعها على الطاولة لتحية الحارس".
هذه واحدة من عشرات الحوادث المماثلة التي صادفها روبرت ريسلر طوال الوقت، خلال إجرائه مقابلاتٍ خاصة مع القتلة المتسلسلين، من داخل السجن وبشكلٍ منفرد.
كيف أنشأ روبرت ريسلر قاعدة بيانات وطنية؟
وبالرغم من الخطر الذي واجهه ريسلر والعملاء الآخرون، ساعدت هذه المقابلات وحدة العلوم السلوكية على إنشاء ملفات للقتلة المتسلسلين، التي ساهمت بدورها بالإمساك بالقتلة.
ووفق موقع ati، أدّت هذه المقابلات إلى إنشاء ملف مفصّل عن المجرمين: كان القتلة المتسلسلون عادةً رجالاً راشدين، ذوي ماضٍ مليء بالإساءة النفسية والجسدية. غالباً ما كانوا يعيشون بمفردهم، ومن المرجح أن يكونوا أساؤوا معاملة الحيوانات في الماضي. وقد جذبت المدن القتلة لأنها وفَّرت "أماكن يندمج فيها القاتل بين الحشود ويختبئ ويصير مجهولاً".
في العام 1977، اختبر مكتب التحقيقات الفيدرالي هذه الملفات. ففي ديسمبر/كانون الأول، هرب تيد باندي من السجن. وفيما كان القاتل المتسلسل طليقاً، أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفاً كاملاً حوله، بناءً على أبحاث ريسلر.
فقد كان سبق لريسلر وعميل آخر في وحدة العلوم السلوكية، هوارد تيتين، أن أعدّا تقييماً نفسياً لباندي. ومن خلال الملف، الذي يعتمد على أنماط باندي النفسية والسلوكية، أصبح باندي ضمن قائمة أكثر عشر مطلوبين لدى الـFBI، وهو ما ساعد على الإمساك به بعد ستة أسابيع فقط من فراره.
القصة الحقيقية وراء مسلسل Mindhunter
تقاعد روبرت ويسلر من مكتب التحقيقات الفيدرالي في العام 1990، لكنه استمر في العمل مستشاراً للمكتب. وقد قدّم النصح للمؤلف توماس هاريس، حول شخصية هانيبال ليكتر في الفيلم الشهير Silence Of The Lambs الذي صدر في العام 1991.
وفي عام 1991، انضم إلى فريق الدفاع عن جيفري دامر، الذي قتل وأكل ما لا يقل عن 17 شخصاً في ويسكونسن في السبعينات والثمانينات، ليساعدهم على تحديد حالته النفسية، وقد خرج وهو يشعر بالروع أكثر مما شعر بعد أي مقابلة من قبل.
في 5 مايو/أيار 2013، توفي روبرت ريسلر؛ لكن عمله الرائد في وحدة التحليل السلوكي بمكتب التحقيقات الفيدرالي، ما زال أساساً في عمل المكتب وأخصّائيي التنميط الجنائي حتى اليوم.