لم يعد إرنستو فونسيكا كاريلو يشكّل تهديداً كبيراً لمواطني المكسيك اليوم؛ فهو يعيش اليوم في الإقامة الجبرية، منذ عام 2016، حين نُقل من السجن بسبب تدهور حالته الصحية بعدما اعتقلته السلطات المكسيكية وحكمت عليه بالسجن 40 عاماً.
ومع ذلك فقد سيطر تاجر المخدرات السابق، والمعروف بلقب "دون نيتو" (Don Neto)، على كارتيل المخدرات في غوادالاخارا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكان يتمتع بسلطة هائلة جعلته يقتل أي شخص يعارضه، بمن فيهم المسؤولون الأمريكيون.
لم يعمل "دون نيتو" بمفرده؛ فقد بنى إمبراطوريته مع زميليه المهرِّبين ميغيل أنخيل فيليكس غالاردو ورافائيل كارو كوينتيرو. وحتى عندما طُرد تجار المخدرات المكسيكيون من سينالوا، من قِبل عمليات مكافحة المخدرات الحكومية، أعاد الثلاثي الهارب تجميع صفوفه في مدينة خاليسكو وأسّسوا مع بعض "كارتل غوادالاخارا"، وأطلقوا عليه الاسم الشهير La Federaciòn (أو الاتحاد).
كان لدى الكارتل أكبر مزرعة للماريغوانا بالتاريخ، في رانشو بوفالو بولاية شيواوا المكسيكية، كما استورد أطناناً من الكوكايين الكولومبي للمتاجرة بها في الولايات المتحدة. وبحسب مسلسل Narcos: Mexico، فقد حصد الكارتل 5 مليارات دولار سنوياً، حتى تورط كاريلو في تعذيب وقتل عميلٍ مزدوج لإدارة مكافحة المخدرات والحكومة الأمريكية.
صعود "دون نيتو" وشهرته
تختلف المصادر حول تاريخ ولادة إرنستو فونسيكا كاريلو؛ يقول البعض إنه وُلِد في الأول من أغسطس/آب 1930 في مدينة باديراغواتو بولاية سينالوا المكسيكية. ومع ذلك، تعتقد إدارة مكافحة المخدرات أن كاريلو وُلِد بعد أكثر من ذلك بعقدٍ، في عام 1942.
بدأ "دون نيتو" بتهريب المخدرات من الإكوادور في السبعينيات، حين كانت البلاد قادرة على تحويل أوراق الكوكا إلى كوكايين، تماماً مثل كولومبيا. واعتمدت هذه الأخيرة في الغالب على ولاية فلوريدا، كبوابة لها إلى الولايات المتحدة، لكن اليقظة المتزايدة من المسؤولين الأمريكيين دفعت مجموعات مثل كارتل كالي للجوء إلى المكسيك كبديل.
تزامن ذلك مع انتقال السلطات في أنحاء المكسيك. كان كاريلو يعمل لدى زعيم المخدرات في سينالوا، بيدرو أفيليس بيريز، حتى توفي الأخير في تبادلٍ لإطلاق النار مع الشرطة القضائية الفدرالية.
وبعد أن سيطر على طرق التهريب، شهد برنامج "عملية كوندور" الحكومي- للقضاء على الأفكار الشيوعية- انتقال تجار المخدرات من سينالوا إلى مدينة غوادالاخارا، حيث اتحد كاريلو "دون نيتو" مع كوينتيرو وغالاردو.
اشتهر غالاردو بتحويل المسؤولين الحكوميين إلى عملاء مرتشين، بينما كان كوينتيرو يعرف كاريو منذ بداياته في سينالوا. وبحلول العام 1980 كان كارتل La Federación يعمل بكامل طاقته، من خلال الاعتماد على البنية التحتية لكولومبيا، للحفاظ على تهريب الكوكايين.
استخدم الاتحاد نفوذه للمطالبة بما يصل إلى 50% من الكوكايين، الذي كان ينقله إلى الكولومبيين، وبدا أنه لا يمكن المساس به.
وفي عام 1981، أرسلت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية عميلها الخاص إنريكي "كيكي" كامارينا لاختراق الكارتل. تعلّم كامارينا الكثير خلال السنوات الأربعة التالية، حتى إنه عثر على محاصيل الماريغوانا لرانشو بوفالو ودمّره.
لاحقاً في العام 1982، علمت إدارة مكافحة المخدرات أن غالاردو (شريك "دون نيتو") كان يغسل 20 مليون دولار شهرياً، بواسطة Bank of America في سان دييغو بولاية كاليفورنيا. في غضون ذلك، كشف الكارتل بشكلٍ مأساوي هوية كامارينا الحقيقية.
وقد شوهد كامارينا آخر مرة على قيد الحياة في 7 فبراير/شباط 1985، عندما اختطفه مسلّحون خارج الولايات المتحدة داخل القنصلية الأمريكية في غوادالاخارا، قبل أن يُعثر على جثته في مارس/آذار على مشارف المدينة. وقد وُجِد في الجثة ثقبٌ محفور في جمجمته، بالإضافة إلى أضلاعه المكسورة.
بقيت جثة كامارينا مختفية لثلاثة أيام، عُلم لاحقاً أنها كانت الأيام التي خضع فيها للتعذيب على يد الكارتل، قبل أن يقتله بشكلٍ مأساوي. وعلى إثر تلك الجريمة، أطلقت حكومة المكسيك في وقت لاحق عملية "ليندا" لسحق الكارتل مرة واحدة وإلى الأبد، واعتقال مؤسّسيه.
سقوط "دون نيتو" وزملائه
اتهمت إدارة مكافحة المخدرات إرنستو فونسيكا كاريلو، "دون نيتو"، بعمليات غسيل الأموال في سان دييغو عام 1982؛ الأمر الذي جعله يهرب عائداً إلى المكسيك، حيث استأنف عملياته من مخبئه، إلى أن ألقى الجيش المكسيكي القبض عليه أخيراً في فيلا بويرتو فالارتا، بعد مرور شهرين على مقتل كامارينا، الذي قيل إن Don Neto اعترف بارتكابه الجريمة.
وفي حين أُلقي القبض على كوينتيرو، قبل ثلاثة أيام من اعتقال كاريلو، أثناء نومه في قصره في مقاطعة ألاخويلا بكوستاريكا؛ تمكن غالاردو من الإفلات من العدالة، حتى اعتقلته السلطات المكسيكية في الثامن من أبريل/نيسان 1989.
الشركاء الثلاثة، مؤسّسو كارتل الاتحاد، اتُّهموا باختطاف كامارينا وقتله، وحُكم عليهم بالسجن 40 عاماً.
في 9 أغسطس/آب 2013، أُلغيَت إدانة كوينتيرو عندما قضت محكمة الاستئناف بأن محاكمته كان ينبغي عقدها على مستوى الولاية، وليس في محكمة فدرالية.
وبحلول الوقت الذي نقضت فيه المحكمة العليا حكم الإدانة وأصدرت مذكرة توقيف، هرب كوينتيرو، على الرغم أنه لا يزال مدرجاً في قائمة العشرة المطلوبين الهاربين لمكتب التحقيقات الفدرالي.
غالاردو لا يزال قابعاً خلف القضبان في سجن بوينتي غراندي في ولاية خاليسكو. وما زال الرجل البالغ من العمر 76 عاماً، والمصاب بالشلل الجزئي ونصف العمى والصم في أذن واحدة، ينفي أي تورط له في مقتل كامارينا.
كانت صحيفة nbc News نجحت بإجراء لقاءٍ صحفي معه، في أغسطس/آب من العام الماضي 2021 من داخل سجنه في خاليسكو- ووسط إجراءات أمنية مكثفة- نفى خلاله أيضاً تورطه في مقتل كامارينا.
أما بالنسبة لكاريلو، "دون نيتو"، فقد قرّرت محكمة الاستئناف إخراج زعيم المخدرات السابق من السجن، في يوليو/تموز 2016 بسبب تدهور صحته، ونقله إلى الإقامة الجبرية؛ وقد بقي ما يعادل الـ9 سنوات من فترة حكمه.
اليوم.. لم يعد مطلوباً منه ارتداء سوار مراقبة؛ وشكّل هذا القرار صدمة كبرى بالنسبة لرئيس السجون الفدرالية إدواردو غيريرو وعدد لا يحصى من المدنيين، الذين اعتبروه متسرعاً.
يقول غيريرو في هذا الإطار: "لا ترى الحكومة أنه من الصواب أن يقضي الشخص، الذي تسبب في الكثير من الضرر لهذا البلد، نهاية عقوبته في خارج السجن. فقد تسبب في أضرار جسيمة للمجتمع، ويجب أن يبقى داخل سجنٍ فيرالي".