تحتل كليوباترا مكانة مميزة في تاريخ مصر الفرعونية القديمة؛ فهي الملكة التي حكمت أرجاء مصر، وكانت واحدة من أنجح وأقوى الملكات على مدار التاريخ، ولا يزال الغموض يحيط بحياتها.
فقد كانت حياة الملكة الفرعونية، الشهيرة بجمالها وذكائها المبهرين، مليئة بالمواضيع المثيرة للاهتمام؛ فقد أغوت يوليوس قيصر، ووقعت في حب أنطونيو، وانتحرت بلدغة أفعى.
لكن نادراً ما يتحدث أحد عن أختها الصغرى التي حملت اسم "أرسينوي الرابعة"، الفتاة التي قادت جيشاً لمحاربة يوليوس قيصر وهزمته في إحدى المعارك وهي في سن لم تتجاوز فيه الخامسة عشرة.
فمن هي أرسينوي الرابعة التي كانت أختاً لامرأة تطمح في الانفراد بالسلطة؟ ولماذا ماتت اغتيالاً على درج معبد مقدس في مدينة أفسس التركية اليوم؟ إليكم القصة:
كليوباترا، واحدة من خمسة أبناء كانوا يتنافسون على السلطة
بطليموس الثاني عشر كان والداً لخمسة أبناء: بطليموس الثالث عشر، وابنته كليوباترا، وبطليموس الرابع عشر، وأختهم غير الشقيقة التي حملت اسم أرسينوي الرابعة، وبيرنيس الرابعة التي كانت أكبر بناته، والتي قتلها بنفسه ليستعيد عرشه منها بعد عودته من المنفى.
وبعد وفاة بطليموس الثاني عشر، ترك الحكم شراكة بين ابنه "بطليموس الثالث عشر" وابنته كليوباترا. ومن أجل الحفاظ على نقاء السلالة، وبغرض توطيد السلطة، تزوج الإخوة، حسب التقاليد العائلية.
لكن كان هناك صراع آخر على السلطة بين الأخوين الآخرين بطليموس الرابع عشر وأخته أرسينوي الرابعة، اللذين كانا يتطلعان أيضاً للوصول للحكم.
بطليموس ينفي كليوباترا بتحريض من أرسينوي
في وقت كانت فيه الإمبراطورية الرومانية تتوسع باتجاه مصر، كانت كليوباترا تعتقد أن مصر يجب أن تتعامل مع هذا التوسع الخطير من خلال تشكيل تحالف مع الروم، بدلاً من الدخول في حرب بين أكبر جيوش العالم.
لكن أختها الصغرى أرسينوي عارضتها، واتخذت موقفاً ضدها بالتحالف مع القادة العسكريين، وضغطت على أخيها بطليموس الثالث عشر، الذي كان زوج وشقيق كليوباترا وشريكها في الحكم، لنفيها.
وبالفعل طردها من الإسكندرية في عام 48 قبل الميلاد، وفقاً لموقع Dangerous Women Project.
لكن كليوبترا لم تستسلم ولم ترض بذلك، وكانت على استعداد لفعل أي شيء للعودة لعرشها.
وصول يوليوس قيصر لمصر وخيانة كليوباترا لبلدها معه
في الواقع، كان الشجار بين الأشقاء هو الذي جلب يوليوس قيصر إلى مصر في عام 48، في رحلة أسطورية كانت سبب الكثير من المكائد والخيانة والفضائح والتمرد.
إذ يشير موقع History Politics، إلى أن الوصية الملكية لوالدهم، بطليموس الثاني عشر، نصت على استدعاء يوليوس قيصر للتوسط في أي نزاع يتعلق بخلافة العرش المصري.
وقد مهّد وصول يوليوس قيصر إلى الإسكندرية المسرح لعودة كليوباترا إلى وطنها، وأشعل نيران المواجهة بين الأشقاء الملكيين: كليوباترا وبطليموس وأرسينوي.
ويروي الفيلم الوثائقي "Cleopatra Portrait of a Killer"، الذي أنتجه موقع Timeline المختص بالأفلام الوثائقية، مستشهداً بما كتبه المؤرخ الروماني "بلوتارخس"، أن كليوباترا أبحرت إلى الإسكندرية في مركب صغير، وهبطت بالقرب من القصر، واستطاعت الدخول دون اكتشافها.
واستطاعت كليوباترا بسحرها وجمالها إغواء قيصر، الذي كان في الـ52 من العمر، ويكبرها بـ30 عاماً كاملة، وإقناعه لدعمها وإعادتها إلى عرشها.
لم يكن ما قامت بها كليوباترا خيانة لزوجها فقط، بل لإخوتها ومصر بأكملها. فقد باعت نفسها ومصر للإمبراطورية الرومانية للعودة لعرشها.
أرسينوي تشن حرباً ضد يوليوس قيصر وتتوج ملكة لمصر
عندما وجد بطليموس أخته الكبرى المنفية في سرير يوليوس قيصر في صباح اليوم التالي، قام أنصار أرسينوي وبطليموس بمحاصرة المقر الملكي، الذي كان يقيم فيه يوليوس قيصر، وشن الجنود الذين أيدوهم هجوماً على قوات يوليوس قيصر الصغيرة في الإسكندرية.
لكن قيصر وجنوده داخل القصر استطاعوا أخذ بطليموس الثالث عشر وأخته أرسينوي رهائن، وسط الفوضى العارمة التي اجتاحت المكان.
لم يشك يوليوس قيصر نفسه في القدرات السياسية لأرسينوي أو بطليموس، الذين كان يخشى أن يتحولوا إلى قادة يحاربونه هو وإمبراطوريته، على عكس كليوباترا التي وافقت على التحالف معه.
أرسل يوليوس قيصر طلباً لإرسال التعزيزات، لكن الأمر كان سيستغرق عدة أسابيع؛ لذلك أمر رجاله بإشعال النار في السفن في الميناء، الأمر الذي دفع الرجال الداعمين لأرسينوي وبطليموس بعيداً عن القصر، حيث وجهوا انتباههم إلى كبح حريق المدينة.
وعندما كان يوليوس قيصر مشغولاً بإرسال قواته إلى إحدى عجائب الدنيا القديمة، وهي منارة فاروس، التي كانت تسيطر على جميع السفن التي تدخل الإسكندرية، انتهزت أرسينوي الفرصة للفرار من سجنها الملكي.
انضمت أرسينوي لجيش المتمردين على الجيش الروماني التوسعي، الذين نصبوها ملكة لمصر وفرعوناً بعد أن بات مصير بطليموس غير معروف. وشنت قوات المتمردين بقيادتها هجوماً مفاجئاً على يوليوس قيصر في منارة فاروس؛ ما اضطر يوليوس قيصر للهروب سباحة لينجو بحياته بالكاد، ويعود إلى كليوباترا في القصر.
ورفعت أرسينوي عباءة يوليوس قيصر الأرجوانية على منارة فاروس، علامةً على انتصارها الرائع وهزيمة ساحقة لبطل روما على يد فتاة بلغت لتوها سن المراهقة.
أرسينوي تقع رهينة مرة أخرى وتُنفى إلى أفسس
ومع ذلك، فإن فوز أرسينوي على يوليوس قيصر وكليوباترا لم يدم طويلاً؛ إذ وصلت تعزيزات يوليوس قيصر من سوريا، وشنت هجوماً مضاداً ضد أرسينوي ورجالها دخلت نتيجته الجيوش الرومانية إلى مصر وأغرقت بطليموس، بينما كان يحاول الفرار عبر النيل.
وبذلك مات أحد المنافسين الرئيسيين لكليوباترا على العرش.
أما أرسينوي التي بقيت على قيد الحياة، فقد استطاع يوليوس قيصر اختطافها رهينةً مرة أخرى وأخذها معه إلى روما، ليثأر من الملكة التي تجرأت على تحدي إمبراطور روما.
احتفل القيصر بانتصاره في روما في عرض الأسرى المصريين الذين تعرضوا للأسر في الإسكندرية، وعلى رأسهم أرسينوي. وكانت العادة تقضي بأن يؤخذ الأسير الرئيس في نهاية العرض، ويُشنَق حتى الموت في هذه الحالة.
لكن الجماهير الرومانية، لم تر أرسينوي قائدة ثورية بقدر ما بدت طفلة. وأوضح المؤرخ كاسيوس ديو في كتاباته عن التاريخ الروماني أنه رغم إعجاب الجمهور بالعرض، إلا أنه نشأ شعور بالتعاطف مع الملكة المصرية الصغيرة وسط الجماهير؛ ما دفعه للتخلي عن فكرة قتلها.
لذلك قرر نفيها في معبد أرتميس في مقاطعة أفسس الرومانية الكبيرة، والذي اعتبر لاحقاً إحدى عجائب الدنيا السبع.
كليوبترا لم تنس ما فعلته أختها بها وتآمرت مع مارك أنتوني لقتلها
لسوء الحظ ، لم تعد سلامة أرسينوي مضمونة في المعبد في بلاد المنفى البعيدة، بعد أن تعرض يوليوس قيصر للطعن سنة 44 قبل الميلاد، ليترك موته أرسينوي في قبضة أختها الكبرى مرة أخرى.
أغرت كليوباترا الحاكم الروماني الجديد مارك أنتوني ليقع في حبها ويتعاون معها لاغتيال أرسينوي على درجات معبد أرتميس.
وقد دفن جسد أرسينوي تحت هيكل مطابق لمنارة فاروس في مدينة أفسس، ليرمز لانتصارها على قيصر روما وكليوباترا، كما يشير موقع Ancient Histories.