يخبرنا التاريخ قصص الكثير من الملكات والنساء الحاكمات اللواتي استطعن إدارة البلاد وقيادة الجيوش وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات وحاربن في ساحات الوغى بكل شجاعة وجرأة وأحرزن الانتصارات.
واليوم سنروي لكم قصة "إيرين الأثينية" التي عُرفت باسم "أغسطه" وكانت أول امرأة أطلقت على نفسها لقب "إمبراطورة" في تاريخ بيزنطة متفردة بالحكم لنفسها، حتى أنها كانت توقع باسم "الإمبراطور باسيليوس" بدلاً من صيغة المؤنث "الإمبراطورة باسيليا".
تعرّفوا معنا في هذا التقرير على قصة إيرين أثينا، الإمبراطورة البيزنطية المحنكة والذكية التي وصلت للحكم عبر مسابقة للجمال وسملت عيني ولدها لتتفرد بالسلطة.
وصولها للأسرة الحاكمة كان عن طريق مسابقة جمال
لا يُعرف سوى القليل عن طفولة وشباب إيرين إلا أنها وُلدت عام 752 لعائلة يونانية نبيلة من أثينا تُعرف باسم سارانتيبشو، وكانت يتيمة وجميلة للغاية.
بدأت حياة إيرين الاستثنائية عندما ذهبت إلى القسطنطينية بأمر الإمبراطور قسطنطين الخامس في عام 769، لتشارك في مسابقة جمال على مستوى الإمبراطورية بهدف اختيار عروس لابنه ليو الرابع.
وقع الاختيار على إيرين وتزوجت الإمبراطور المستقبلي ليو الرابع في نفس العام، وأنجبت منه قسطنطين السادس.
لكن زوجها لم يعش طويلاً فقد حكم فترة خمس سنوات فقط بين عامي (775 – 780) وانتهى عهده عندما توفي بسبب الحمى عن عمر يناهز 30 عاماً أثناء حملته ضد البلغار. لكن رغبة إيرين في السلطة لم تمت معه فقد كان طموحها العرش ولا شيء أقل منه.
إيرين وصية على العرش
حكم قسطنطين السادس، إبن إيرين وليو، من عام 780 إلى 797 م، وقد ورث لقبه في سن التاسعة فقط. لذلك أصبحت إيرين وصية على عرش روما حتى يبلغ ابنها السن القانونية لتولي مقاليد الحكم بالبلاد، وكانت الآمرة الناهية في العقد الأول من فترة حكمه.
قامت بإيرين بتوطيد حكمها هي وابنها وأثبتت قوتها عندما أخمدت تمرداً قاده أبناء قسطنطين الخامس الآخرون ضدها هي وابنها. أقالت بعده الوزراء والعسكريين الذين كان ولاؤهم محل شك.
وفي عام 783 م، أرسلت جيشاً بيزنطياً لمحاربة السلاف في اليونان، وفي العام التالي حققت إيرين أول نجاحاتها العسكرية في عهدها ضد الجيوش السلافية، كما يشير موقع Thought Co.
أعادت تكريم الأيقونات موحدة كنيسة روما والكنيسة الأرثوذكسية
يبدو أن الشؤون الدينية كانت دائماً في صدارة خطط إيرين لإحكام سيطرتها على بيزنطة، ففي عام 784 م عينت سكرتيرتها السابق تاراسيوس بطريركاً (أسقفاً) للقسطنطينية، على الرغم من أنه لم يتم ترسيمه.
وبعد ذلك، عقدت مجلساً كنسياً في القسطنطينية عام 786 م لوضع حد رسمي لتدمير الأيقونات، الذي كان نفي تلك الفترة.
ومع ذلك، عارض أعضاء نافذون في الجيش مثل هذه الخطوة، ونظموا أعمال شغب أدت إلى إغلاق اجتماعات المجلس وحاولوا القيام بحملة عسكرية ضدها. لكن إيرين استطاعت التعامل معها وقمعهم واستبدلتهم بمن يكنون الولاء لها.
ثم قامت بعقد مجلس في نيقية في 787 م بحضور 350 من الأساقفة لاستعادة عقيدة تبجيل الأيقونات في الكنيسة المسيحية وإنهاء تحطيمها.
كان اضطهاد محبي الأيقونات سمة رئيسية في عهود الأباطرة السابقين، وخاصة والد زوجة إيرين قسطنطين الخامس، لذلك لم ترد الإمبراطورة أن تكون قاسية جداً عليهم وتخاطر بتنفير أفراد الأسرة في المحكمة.
بدلاً من ذلك، سُمح لهم بالتوبة عن خطاياهم والترحيب بهم مرة أخرى في الكنيسة المتلألئة بأيقوناتها الثمينة.
وقعت إيرين وابنها الوثيقة التي اعتمدها المجلس والتي أعادت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية إلى الوحدة مع كنيسة روما، ما حسّن العلاقات مع البابوية.
ابنها يثور عليها ويتولى الحكم لكنه يفشل ويطلب العون من والدته
في عام 788، أقامت إيرين عرضاً لاختيار عروس لابنها، ووقع اختيارها على ماريا أمنية، حفيدة القديس فيلاريتوس وابنة مسؤول يوناني ثري. وتم الزواج في نوفمبر من نفس العام.
لكن سرعان ما اندلعت ثورة عسكرية ضد إيرين عام 790 عندما لم تسلم السلطة لابنها قسطنطين البالغ من العمر 16 عاماً.
وتمكن قسطنطين، بدعم من الجيش، من تولي السلطة الكاملة كإمبراطور، على الرغم من احتفاظ إيرين بلقب الإمبراطورة.
إلا أن قسطنطين لم يكن إمبراطوراً ناجحاً. وسرعان ما هُزم في معركة من قبل البلغار ثم العرب ما اضطره لتوقيع هدن معهم، وحاول أعمامه غير الأشقاء السيطرة على الحكم مرة أخرى. فكان رد قسطنطين انتقاماً قاسياً بقطع ألسنة أعمامه عندما فشل تمردهم.
ويشير موقع Biography، إلى أنه في عام 792، عادت إيرين إلى البلاط بدعوة من ابنها كمحاولة أخيرة لاستعادة بعض النظام، واستعادت قوتها كحاكم مشارك مع ابنها على مدى السنوات الخمس التالية.
وبحلول عام 794، كان لقسطنطين عشيقة تسمى، ثيودوت، ولم يكن هناك ورثة له من زوجته ماريا، فطلقها ونفاها مع بناته. ثم تزوج من ثيودوت على الرغم من أن البطريرك اعترض ولم يشارك في الزواج.
ومما زاد الأمور سوءاً، أن الزوجين أنجبا ابناً بعد 18 شهراً من زواجهما. ما أثار غضب الرهبان ورجال الدين الذين اعتبروا أن طلاقه كان غير قانوني وبالتالي في الزواج مرة أخرى فإنه ارتكب الزنا.
وبذلك فقد الإمبراطور دعم القوة الدينية له بصفته حاكماً شرعياً. كما خسر شعبيته بين شعبه ولم يتبق له أي شيء لمنع إقالته من السلطة من قبل والدته.
أسرت ابنها وسملت عينيه لتتفرد بالسلطة
في عام 797، نجحت محاولة إيرين لاستعادة السلطة لنفسها. وبعد أن حاول قسطنطين الفرار أسرته ثم أمرت بسمل عينيه في نفس الغرفة الأرجوانية في القصر التي وُلد فيها. وضمنت بذلك أنه لن يكون هناك تمرّد آخر ضد حكمها، بحسب ما جاء في موقع World History.
توفي قسطنطين بعد ذلك بوقت قصير نتيجة لإصاباته التي كانت تهدف لقتله وليس تشويهه فقط. ومع وفاة وريثه في وقت سابق من نفس العام، لم يتبقَ أي منافس لإيرين.
وتشير العديد من سجلات الدولة الرسمية إلى أنها كانت توقع أوراقها أحياناً باسم "الإمبراطور باسيليوس" وأحياناً أخرى "الإمبراطورة باسيليسا"، وكانت أول امرأة في تاريخ بيزنطة تحكم وحدها المملكة.
لم يستطع شعبها أن يغفر لها رغم اهتمامها به
واصلت إيرين الاهتمام بجميع شؤون إمبراطوريتها: من السياسة والحرب إلى أمور الدين مجتمعة وحاولت كسب التأييد من خلال الإعلان عن تخفيضات في الضرائب على شعبها.
لكن كان التمرد مستمراً عليها من قبل أبناء قسطنطين الخامس غير الأشقاء لابنها والذين قاموا بانتفاضة عام 799 لإزاحتها من الحكم، لكنها سملت عينيهم أيضاً وقامت بنفيهم.
لم يستطع الناس أن يغفروا لها جرائمها، حتى لو وفرت الطعام للفقراء والإيواء للمسنين ورمت الذهب من عرباتها عليهم. وكانت الأوقات العصيبة في انتظار حاكمة بيزنطة الأكثر طموحاً وقسوة.
إزاحتها عن الحكم ونفيها وموتها حسرة
لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تحكمها في ذلك الوقت امرأة، والتي بموجب القانون لا تستطيع قيادة الجيش أو تولي العرش بمفردها، أعلن البابا ليو الثالث العرش شاغراً، وأقام تتويجاً لشارلمان في روما في يوم عيد الميلاد عام 800، وأطلق عليه اسم إمبراطور الرومان.
ولكي تحافظ على سلطتها، حاولت إيرين ترتيب زواج بينها وبين شارلمان، لكن المخطط فشل.
وفي أكتوبر 802 م، اجتمع كبار مسؤولي المحكمة في القسطنطينية في وقرروا إزالة إيرين، ونفيها إلى دير في ليسبوس وتعيين خلفها نيكيفوروس الأول، أحد وزراء المالية السابقين للإمبراطورة.
توفيت إيرين في غضون عام من فقدان العرش الذي كانت تحبه كثيراً وتمسكت به لفترة طويلة.
وقد قام المؤرخ ج.ج.نوريتش بكتابة هذا التقييم الكئيب لعهد إيرين:
"استهلكها الطموح والتعطش للسلطة، وجلبت الخلاف والكارثة إلى الإمبراطورية، بالإضافة إلى كونها مذنبة بارتكاب واحدة من أبشع جرائم القتل التي سجلها التاريخ البيزنطي".
حكم نيكفوروس حتى وفاته في معركة عام 811 م، غير قادر على وقف تدهور الإمبراطورية البيزنطية التي نافستها إمبراطورية شارلمان في الغرب وهددها العباسيون المسلمون من الشرق.
كما استمرت دورة الاغتيالات الملكية التي بدأتها إيرين بقتل ابنها حتى شهد البيزنطيون تولي ستة أباطرة الحكم في غضون 15 عاماً فقط.