التاريخ يكتبه المنتصرون، ولو كان الأمر حكراً على الرومان، لبقيت ذكرى الملكة كليوباترا السابعة ملكة مصر باعتبارها امرأة فاسدة ومتعطشة للسلطة، ذات ذوق فاره أفسد أعلى مراتب القيادة الرومانية.
اقترنت كليوباترا لأول مرة بالديكتاتور الروماني جايوس يوليوس قيصر، الذي ساعدها على العودة من المنفى وتولي العرش. وبعد اغتيال قيصر في عام 44 قبل الميلاد، أصبح ماركوس أنطونيوس (المعروف أيضاً باسم مارك أنتوني) أحد حكام الجمهورية الرومانية الثلاثة، والحليف التالي لكليوباترا وحبيبها.
لم يكن الرومان مستعدين لامرأة قوية، وسخر مؤرخون وكتّاب كثر من سيرتها الذاتية وإرثها، لكنهم أغفلوا تدوين حبها للعلوم والمعارف.
أجادت كليوباترا التحدث بسبع لغات على الأقل وكانت مهتمة بالعلوم والطب. أجرت أبحاثاً وتجارب (وإن كانت قاسية وغير أخلاقية) وكتبت عن نتائجها.
كانت في وقتها متخصصة في أمراض النساء وعلم الأدوية وعلم الجمال.
دعمت كليوباترا التقدم في العلوم والطب والأدب والشعر، كما ساهمت في مكتبة الإسكندرية الكبرى، التي تم تدميرها في النهاية بعد وفاتها أثناء الاحتلال الروماني.
تشير النصوص المكتوبة باللغة العربية إلى إرثها كعالمة وباحثة، وهو ما ورد في عدة كتب نقلها العرب مثل "مروج الذهب" للمسعودي، و"فتح مصر" لابن عبد الحكم في القرن التاسع، وفيها يؤكدان أن كليوباترا آخر ملوك البطالمة كانت تهوى مجالسة العلماء في قصرها بالاسكندرية.
وكان كتاب صدر عام 2004 يدعى "مصر القديمة من خلال الكتابات العربية بالعصور الوسطى" للمحاضر في جامعة لندن عكاشة الدالي كشف إلصاق ثغر الغواية بكليوباترا من قبل الرومان لطمس إنجازاتها وتشويه سمعتها.
ونقل الدالي عن ابن فاتق وابن أصيبعة اهتمام آخر ملوك العصر البطلمي، وأبحاثها في مجال صبغات الشعر وتساقطه ونمو الجنين في رحم الأم، حسب ما جاء في موقع جامعة UCL البريطانية.
ورجح الدالي في تصريحات صحافية بأن المؤرخين العرب تمكنوا من الوصول إلى كتب عن كليوباترا، وربما حتى كتب من تأليفها، إلا أن العديد من هذه النصوص لم تعد موجودة.
مجلة Discovery العلمية بدورها نشرت 3 مواضع وأمثلة موثقة عن براعة كليوباترا العلمية، نعددها في ما يلي:
1. تجارب كليوباترا في الكيمياء
استخدمت كليوباترا معرفتها الكيميائية وذكاءها للفوز برهان مشهور ضد مارك أنتوني.
وفقًا للأسطورة، كانت كليوباترا ومارك أنتوني يستمتعان بوجبة عشاء عندما راهنا على أنها يمكن أن تنفق 10 ملايين سيسترس في مأدبة، وهي العملة المعتمدة آنذاك.
في اليوم التالي، أقامت مأدبة جميلة، ولكن لم يبدُ أنها أنفقت عليها السعر المتفق عليه.
فرتبت كليوباترا أن تحضر لها الخادمة كوباً من الخل؛ نظرت إلى مارك أنتوني، وخلعت أحد أقراط اللؤلؤ الثمينة الخاصة بها وأسقطتها في الكأس.
بعد ذوبان اللآلئ، شربت كليوباترا الخل، وبالتالي تناولت أكثر من 10 ملايين سيسترسس في جلسة واحدة. أعلن السناتور الروماني لوسيوس بلانكوس أنها فازت وقتها بالرهان.
على الرغم من أن بعض العلماء يؤكدون أن الخل ليس حمضياً بدرجة كافية لإذابة اللؤلؤة، إلا أن آخرين يجادلون بأن كربونات الكالسيوم في اللؤلؤة ستتفاعل بالفعل مع حمض الأسيتيك. وسيستغرق الأمر 3 دقائق حتى يتفاعل محلول حمض الأسيتيك بنسبة 5% تماماً مع مسحوق كربونات الكالسيوم. ومع ذلك، سيكون للكوكتيل طعم مريب لم يكن ممتعاً. وهو ما يثبت أن كليوباترا جربت واختبرت ثم نفذت.
2. كليوباترا والسم
كانت كليوباترا تتوقع أن يقوم الجيش الروماني بتدمير سلالتها واختبرت السموم التي ستوفر لها الموت الأسرع والأقل إيلاماً. وذلك عبر تجربتها على السجناء المدانين، باستخدام الصبغات، وهي عبارة عن خليط من مستخلصات نباتية مذابة في الكحول، لاحظت كليوباترا المدة التي استغرقها السجين حتى يموت والآثار الجانبية التي تسببها.
عانى بعض السجناء من نوبات صرع أو غثيان، وأرادت أن تجد السم المناسب الذي يسمح لها بالموت بسرعة وبسلام.
ثم جربت الثعابين السامة؛ وقد نُسبت وفاتها إلى سم أفعى الكوبرا، لكن العلماء يختلفون في الرأي.
في وقت وفاتها، كانت كليوباترا قيد الإقامة الجبرية من قبل المحتلين الرومان، وكانوا يعتزمون إبقاءها على قيد الحياة. تمسك الرومان بوجودها للحفاظ على النظام في مصر، ومن غير المرجح أنهم كانوا سيسمحون بإدخال أفعى إلى غرفتها.
يقول بعض المؤرخين إن كليوباترا شقت يدها لتحدث جرحاً ثم وضعت سم الكوبرا على الجرح. ويقول آخرون إنها ربما شربت مزيجاً مميتاً من الشوكران والأفيون.
والحقيقة أن السبب الرئيس والحارس لوفاتها ما زال لغزاً، وربما لن يعرف أحد على الإطلاق كيف أنهت حياتها.
3. كليوباترا والعقاقير العلاجية
على الرغم من أن كليوباترا أمضت وقتاً طويلاً في البحث عن أسهل طريقة للموت، إلا أنها جربت أيضاً علاجات لأمراض مختلفة.
إذ اخترعت علاجاً للصلع من أجزاء متساوية من الفئران المحترقة والخرق وأسنان الخيول. دمجت هذه المكونات مع زيت الدب ونخاع الغزلان ولحاء القصب وغيرها من المكونات مع العسل، لصناعة مرهم يُفرك على المنطقة المصابة حتى ينمو الشعر مرة أخرى.
ينسب العلماء كتباً عن علم السموم ومستحضرات التجميل إلى كليوباترا، منها مثلاً استخدام المصريين بالمكياج الأسود البارز في عيون. وكشفت الكتب أن الكحل كان يحتوي على كميات قليلة من الرصاص، مما يدعم تنشيط أكسيد النيتريك، ويساعد في محاربة الالتهابات البكتيرية في العين.
كما ابتكرت كليوباترا وصفات لتفتيح البشرة، بالإضافة إلى مراهم للمساعدة في التئام الجروح.
ومن المرجح أنها توصلت لمسكن آلام استخدمته في اللحظات الأخيرة من حياتها كي لا تشعر بالألم.