يعتبر جامع الأقمر أحد مساجد القاهرة الفاطميّة، وقد سُمي باسمه هذا نسبة إلى لون حجارته البيضاء الشبيهة بلون القمر، كما يُشبه باسمه أيضاً مساجد فاطميّة أخرى سُميت بأسماء مُضيئة وضّاحة مثل جامع الأزهر وجامع الأنور.
جامع الأقمر في القاهرة الذي أُعدم من بناه!
يقع جامع الأقمر على ناصية شارعين هما شارع المعز لدين الله الفاطمي وشارع النحاسين وسط العاصمة المصريّة القاهرة، ويتميز بحجمه الصغير، حتى إنه يعد واحداً من أصغر مساجد العاصمة المصرية.
وعلى الرغم من تواضع حجمه مقارنة مع المساجد الأخرى، فإنّ له تاريخاً كبيراً وميزات مختلفة.
ووفقاً لما ذكره موقع "مصر عبر العصور" المحلي فإنّ المسجد بُني على يد الوزير المأمون البطائحي بأمر من الخليفة الآمر بأحكام الله أبي علي منصور في فترة ما بين 1120 و1125، مكان أحد الأديرة التي كانت تسمى بـ "بئر العظمة" لاحتوائها على عظام شهداء الأقباط.
فيما يُقال إنّ وزير المأمون البطائحي قُتل بعد بناء الجامع الأقمر بنحو 3 سنوات على يد الآمر بأحكام الله الفاطمي لتدخُّله في شؤون الحكم.
أما عن الخليفة الآمر بأحكام الله فيقول موقع "المصري اليوم" نقلاً عن المؤرخ تقي الدين المقريزي إنّ الخليفة كان رجلاً مستهتراً بحياته وينساق وراء ملذاته، لدرجة أنه كان يُغرم بالجاريات البدويات حادات الطباع، حتى علم بأنّ المواصفات التي يريدها موجودة في إحدى الفتيات الشاعرات منهنَّ وأنها تعيش في صعيد مصر.
وأضاف الموقع أنّ الآمر بأحكام الله ذهب بنفسه إلى موطنها وطلبها للزواج، وقد وافق أهلها على الطلب خوفاً منه، كما قام ببناء قصر ملكي خاص لها دُعي بـ"الهودج"، لكنّ هذا الزواج لم يكن مثالياً، إذ كانت زوجته تخونه عندما تلتقي بابن عمّها خلسة من وراء علمه أمام القصر الملكي.
وذلك إلى حين مقتل الخليفة في هودجه وهو لا يزال في الـ33 من عمره، عندما هاجمته جماعة مسلحة بالسيوف والتي يروي المقريزي أنها تابعة للنزارية الذين أرادوا الانتقام منه لما كان من شقاق ما بين أبيه المستعلي بالله وعمه نزار على عرش الفاطميين في مصر.
ليبقى مسجد الأقمر مرتبطاً باسم الخليفة الفاطمي الذي أطلق عليه لقب "الآمر المسكين المقتول بالسكين".
تجديد جامع الأقمر على يد المماليك
مع انتهاء الخلافة الفاطمية ودخول المماليك إلى مصر، قام الوزير يلبغا السالمي في عام 1396 بتجديد جامع الأقمر بأمر من السلطان الظاهر سيف الدين برقوق الذي طلب بناء مئذنة جديدة على الطراز المملوكي للجامع الذي سقطت مئذنته بسبب زلزال ضرب مصر، كما طلب تجديد المحراب وإنشاء منبر عليه كتابات تدل على صاحب الفضل ببنائها.
ميزات جامع الأقمر العمرانية
أبرز ما يميز جامع الأقمر هو واجهته التي تحتوي على زخارف ونقوش مميزة جداً، إضافة إلى 7 دوائر مُزخرفة تبدو وكأنها "شمس ساطعة" تتوسطها نجمة سداسية، منقوش داخلها اسم "علي بن أبي طالب"، وهي سمة امتاز بها الفاطميون في مجال البناء.
وعن الشموس التي امتاز بها الفاطميون في بناء مساجدهم، يقول أستاذ الحضارة الإسلامية "أحمد فكري" في كتابه "مساجد القاهرة وآثارها": "الظاهرة الأولى للزخرفة في واجهة مسجد الأقمر هي الإشعاعات الصادرة عن مركز يمثل الشمس في أغلب الأحيان، وإذا ما اتجهت الأنظار إلى الطاقة الكبرى التي تعلو الباب سنلاحظ أنه يتوسطها في دائرة صغيرة نقش لاسم سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، وعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وتحيط بها 3 حلقات، نُقش على الحلقة الوسطى منها بالخط الكوفي ما نصه بسم الله الرحمن الرحيم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)، وكأنما أريد بهذه الشموس المضيئة أن تعبر عن قوله تعالى (جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً)".
أما بالنسبة لتصميم الجامع فقد صُمم على نفس شكل المتحف القبطي في مجمع الأديان، ويتكون من صحن مكشوف صغير مربع مساحته 10 أمتار تقريباً ويحتوي على 4 إيوانات تمثل المذاهب الأربعة، يحيط بها 4 أروقة أحدها له 3 جوانب و3 أروقة في الجانب الجنوبي الشرقي.
أما المحراب فهو عبارة عن عقد مكسو برخام ملون دقيق تعلوه لوحة تذكارية تسجل أعمال تجديد الجامع التي أجراها الأمير يلبغا السالمي بأمر السلطان برقوق.