خبز بالخميرة البلدي، سمك "شابل"، عسل وزبدة ونعناع.. هذه أطباق يعدها المغاربة المسلمون بحب كبير، ويطرقون أبواب جيرانهم اليهود، وأول ما يُفتَح الباب ينطقون بعبارة "تفرحوا وتسعدوا"، مباركين لهم حلول عيد ميمونة.
ميمونة هو عيد يهودي بامتياز، يحتفل به كل سنة اليهود المغاربة في يومي 23 و24 أبريل/نيسان، وهي الأيام التي تلي عيد الفصح مباشرة، وبدأ الاحتفال بها قبل 3 قرون.
ومع توالي السنوات، وهجرة جزء كبير من يهود المغرب إلى إسرائيل، لم يعد عيد ميمونة حكراً على اليهود المغاربة فقط، فتحول إلى عيد كل اليهود في إسرائيل، وأعلنته تل أبيب عيداً وطنياً.
لكن ذلك لم يمنع جزءاً من اليهود المغاربة من استغلال فتح الطيران مع تل أبيب والسفر إلى المملكة بأعداد كبيرة في الأسبوع الماضي؛ للاحتفال بعيد الفصح اليهودي في البلد الأصل.
أكل عيد ميمونة.. كل شيء تقليدي
في عيد ميمونة تمنع الشريعة اليهودية اليهود من طبخ وأكل جميع أنواع المخبوزات طيلة أيام الفصح، وفي آخر ليلة يُحتفَل بعيد ميمونة، فيستأنفون أكل الخبز بكل أنواعه المحضّر من الدقيق الخالص والخميرة البلدية.
في ليلة ميمونة يتم تحضير أنواع الطعام من الكعك والحلويات والخبز، وطبق "موفليطة"، وهو عبارة عن نوع من المخبوزات يُحضَّر بالدقيق والماء والملح، ويعجن بالزيت ويطهى في المقلاة.
تحضير أطباق احتفال ميمونة ليس حكراً على اليهود المغاربة فقط، بل حتى المسلمون كانوا يحرصون على إعداد الطعام والاحتفال مع جيرانهم اليهود، وهذا ما يبرز تعايش اليهود والمسلمين في المغرب طيلة قرون.
ويجلب المسلمون السمن البلدي المملَّح في المنازل، والزبدة البلدية، والنعناع، والخميرة البلدية، وأنواعاً مختلفة من الدقيق، وأنواعاً من السمك "الشابل"، واللبن المستخرج من الحليب، والعسل الأصلي.
أيضاً، يعد طبق المفتولة اليهودي من الأطباق التقليدية الأصيلة التي تُحضَّر في عيد ميمونة، والثريد، والسفنج المغربي وحلوى الشباكية.
كل هذه الأطباق اليهودية، التي لا يزال يزخر بها المطبخ المغربي، لا يمكن أن تكتمل دون الشاي المغربي، والذي يحضَّر بعناية في عيد ميمونة، من النعناع المقطوف من الأحواض الخاصة، والمحلَّى بسكر القالب الخاص.
وإذا صادف عيد ميمونة يوم السبت، كما حصل هذه السنة، فيختار اليهود إكرام ضيوفهم بإعداد طبق السخية الشهي، المكون من الحمص، والبطاطس، واللحم، والبيض، والأرز، والتمر، وشعيرات الزعفران.
ميمونة اليهود وتسامح المسلمين
اختلف المؤرخون في أصل تسمية ميمونة، منهم من قال: إنها مشتقة من كلمة "ميمون" بالمغربية، التي تعني الحظ، والبعض قال: إنها تحايل على اسم الحاخام ميمون بن يوسف، الذي توفي في ذلك اليوم.
أما البعض الآخر فيقول: إن أصل تسمية العيد بميمونة راجع إلى كلمة "مونة"، وهو نوع من الحلويات كان معروفاً في إسبانيا أتى به اليهود المهاجرون من الأندلس.
لطالما رفع اليهود المغاربة خلال قرون عيشهم في المغرب شعار التسامح والعيش المشترك مع المسلمين، وهذا ما يرمز له عيد ميمونة، فهو فرصة سنوية
يقصد المسلمون فيها بيوت اليهود، ويقدمون أطباقهم ويهنئونهم بالعيد بعبارة "تفرحوا وتسعدوا"، بعدما ينطلق الاحتفال تحت نغمات موسيقية مغربية أصيلة، بعضها من أداء فنانين يهود، والبعض الآخر من أداء المسلمين.
ورغم رحيل اليهود من المغرب إلى إسرائيل قبل عقود، إلا أن القليل منهم مازال يسكن في المملكة، ويحرص كل سنة على تنظيم احتفالية ميمونة في البيوت والمراكز الثقافية، وذلك بحضور المسلمين كما كانوا دائماً.
احتفال في المغرب
في هذه السنة، احتفل اليهود المغاربة في المغرب بعيد ميمونة، ولعل أبرز الاحتفالات كانت في مدينة الصويرة، هذه الأخيرة التي تمثل رمز التعايش بين اليهود والمسلمين بالمملكة.
وجرى هذا الحفل، الذي أقيم تحت شعار التقاسم والعيش المشترك، ونظمته جمعية ميمونة، واتحاد السفارديم الأمريكي، وجمعية الصويرة – موكادور، والزاوية القادرية بالصويرة، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في أجواء احتفالية ودافئة، التأم خلالها اليهود والمسلمون داخل فضاء بيت الذاكرة.
وقال ريشارد أوحيون، منسق تنظيم هذه الأمسية وعيد الفصح: إن هذا الحفل الذي نظِّم بالفضاء الرمزي لبيت الذاكرة، الذي يحكي ذاكرة وتاريخ مدينة الصويرة في كل تعددياتها، يأتي إيذاناً بانتهاء الاحتفال بعيد الفصح.
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الأمسية شكلت أيضاً مناسبة لليهود والمسلمين بالصويرة، من أجل تقاسم أطباق ولحظات تآخٍ في أجواء احتفالية، مشيراً إلى أن هذا العيد اليهودي المغربي الصرف، والحامل لقيم الإيمان، يعكس بشكل صريح أن التسامح وتقريب الشعوب والعيش المشترك لا يزال ممكناً.
وأكد أن "هذا الحفل نُظِّم لإظهار ذلك. أن تكون يهودياً أو مسلماً أو مسيحياً بالمغرب، نحن هنا لنضرب المثل للعالم بأسره على أن الأخوة والتسامح موجودان بين الشعوب والطوائف، وأننا نعيش بالفعل معاً".