رغم مكانته التاريخية البارزة لا يحظى مسجد "سادات قريش" بالاهتمام الذي يستحقه، وغالباً ما يُشار إلى جامع عمرو بن العاص في الحديث عن أقدم الآثار الإسلامية في مصر، لكن التاريخ يقول غير ذلك، فقد سبقه مسجد سادات قريش، الذي بُني على يد عمرو بن العاص أيضاً، في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية.
تقول الرواية إن عمرو بن العاص استطاع فتح مصر في العام 642 ميلادية، بعدما انتصر على الإمبراطور البيزنطي فلافيوس أغسطس هرقل ورجاله في مصر. بعد الانتصار، قاد عمرو بن العاص الجيش الإسلامي، وجاء به عن طريق فلسطين؛ حيث فتح العريش، ووصل إلى الفرما وبلوزيوم -قرب بورفؤاد- ثم بدأ في تنظيم صفوفه، إلى أن وصل إلى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في العام 18هـ.
بينما تشير المراجع، ومنها الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار المصرية، إلى أن جامع عمرو بن العاص أنشأه الصحابي الجليل في العام 21هـ، أي بعد 3 سنوات هجرية.
ويبدو أن الوزارة لا تعترف بجامع سادات قريش، فهو غير موجود ضمن قائمة آثارها الإسلامية على الموقع؛ لا بل وفي تعريفها لجامع عمرو بن العاص تكتب أنه "أقدم وأوّل جامع في مصر وإفريقيا".
ويُشير الموقع إلى أن الجامع، الذي لُقّب بـ"تاج الجوامع"، يُعرف أيضاً بالجامع العتيق. وبحسب المقطع التعريفي عنه، فقد ذُكر أن ابن العاص بنى الجامع "بعد أن قام بفتح مصر سنة 20هـ/ 640م، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، وأسّس مدينة الفسطاط عاصمة البلاد في ذلك الوقت، وكانت تقع داخل حدود مدينة القاهرة الحديثة، حيث كان أول ما بُني داخل العاصمة".
ما يعني أن "سادات قريش" يُعتبر أقدم مسجدٍ في مصر، وبحسب اللافتة الموجودة على مدخله اليوم فقد كُتب أنه الأقدم في إفريقيا أيضاً، لكن بعض المصادر تشير إلى أنه قد يكون ثاني أقدم مسجد في إفريقيا، بعد مسجد النجاشي في الحبشة، الذي أسّسه الصحابة لدى هجرتهم إلى الحبشة عام 613.
جامع عمرو بن العاص بعد فتح بلبيس
حاصر عمرو بن العاص مدينة بلبيس شهراً كاملاً، قبل أن يتمكّن من فتحها، بعد قتالٍ شديد مع الرومان، وفي هذه الأثناء أقام مسجداً ليؤدي صلاته فيه مع الجنود، ومَن أسلم من أهل بلبيس، وذلك قبل وصوله إلى الفسطاط؛ ليكون "سادات قريش" أول مسجد بُني في مصر وإفريقيا.
يقع المسجد في شارع بورسعيد بمدينة بلبيس، وقد بُني على نحو 3 آلاف متر في مساحة مستطيلة الشكل، وقد حُدّدت القبلة بمعاونة 25 صحابياً، منهم: ثمامة الردماني مولى خارجة بن عراك، وجعشم الخير بن خليبة الصدفي.
وقد أُطلق على المسجد اسم "سادات قريش" تكريماً لشهداء المسلمين من الصحابة في معركتهم ضدّ الرومان، حيث استُشهد نحو 120 جندياً، من بينهم عدد كبير من قبيلة قريش. وفي المقابل خسر الروم نحو ألف قتيل، بينما وقع في الأسر منهم ما يقارب 3 آلاف جندي.
ما يميّز مسجد "سادات قريش" هو زيارة الإمام البوصيري له، الذي ألّف "بردة المديح" في رسول الله. وبحسب موقع "أخبار اليوم"، فإن زيارة السيدة زينب للمسجد، وإقامتها فيه شهراً كاملاً، تبقى الأشهر على الإطلاق.
تقول الرواية هنا إنه وبعد هزيمة كربلاء رأت السيدة زينب رؤيا أنها في المدينة، وأن رسول الله يأمرها بأخذ آل البيت إلى مصر، وهذا ما حصل، فقد زارت مصر واستقبلها أهل بلبيس خير استقبال، وأقامت في المسجد شهراً كاملاً.
التفاصيل الهندسية لمسجد سادات قريش
أمر الخليفة العباسي المأمون بترميم المسجد، بعد أن أقام فيه 40 يوماً حينما نزل إلى مصر ليعيد النظام إليها، بعد أن ثار المصريون، من العرب الفاتحين والأقباط، السكان الأصليين، على تعسّف الوالي العباسي عيسى بن منصور، ومن هنا أطلق على المسجد فترة من الزمن جامع المأمون.
كما تشير بعض المراجع إلى أن الأمير مصطفى الكاشف كان قد أمر أيضاً بتجديد المسجد وترميمه، عام 102 هجرية.
والمسجد الآن أعمدته رخامية فسفورية، قيل إنها كانت تضيء ليلاً، ومُقسمة إلى 4 أروقة موازية لحائط القبلة، وتيجان الأعمدة مختلفة الأشكال، حيث تعود إلى العصور الفرعونية والرومانية والبيزنطية.
ويوجد فوق كل عمود قطع خشبية تعرف بـ"السُّستة"، وبينها شدادات تقاوم الحركة عند وقوع أي زلزال، كما توجد دائرتان في الحائط على هيئة قرص الشمس. وقد شُيّدت جدرانه من الطوب اللبن، ومن جهة القبلة هناك صفّ من جذوع النخل عوضاً عن الأعمدة، وسُقّف فوقها بسعف النخيل المترابط بالطمي.
في المسجد ثلاثة أبواب و21 شباكاً، وأسفله نفق يؤدي إلى قبور الصحابة -ويقال إنها خلف المسجد- وعند المحراب يوجد مدخلٌ رئيسي للنفق، يأخذنا إلى 4 اتجاهات رئيسية تؤدي إلى سيناء، ومنطقة تل بسطة في مدينة الزقازيق، بالإضافة إلى مسجد الأشرف في القاهرة.
في الخلاصة، فإن مسجد سادات قريش يُعتبر أقدم أثرٍ إسلامي -ما زال موجوداً- في مصر(في العام 18هـ)، يليه جامع عمرو بن العاص (21هـ)، ثم يأتي مقياس النيل، في الطرف الجنوبي لجزيرة الروضة بمدينة القاهرة.