في بحثهم عن أفضل الطرق لعلاج جسم الإنسان، جرَّب المعالجون والأطباء عبر التاريخ الكثير من الطرق والممارسات الطبية الغريبة واستخدموا العديد من الوسائل والعقاقير، التي قد يعتبر بعضها اليوم خطيراً ومثيراً للاشمئزاز وحتى غير أخلاقي في الطب.
في هذا التقرير سنتحدث عن تاريخ إحدى الممارسات الطبية التي استمرت لمئات السنين وهي تناول مسحوق المومياء أو البقايا البشرية الأخرى لعلاج حالات صحية مختلفة مثل تسكين الألم وتمييع الدم وغيرها الكثير من الأمراض.
تاريخ استخدام الجثث للعلاجات الطبية
تعود ممارسة وصف الرفات البشرية أو منتجات الجثث لتصنيع العقاقير الطبية للشفاء إلى مئات السنين.
ففي فصل من كتاب أكل لحوم البشر لأهداف طبية في الأدب والثقافة الإنجليزية الحديثة المبكرة، أشارت الكاتبة لويز نوبل، إلى أن بعض أشهر الأطباء في التاريخ القديم، مثل جالينوس وباراسيلسوس، تحدثوا عن الاستخدام الطبي للرفات البشرية المحنطة لعلاج الأمراض باعتبارها تحمل طاقة علاجية عجيبة سحرية.
وكتبت نوبل أن جالينوس، وهو طبيب وفيلسوف روماني عاش في القرن الثاني، "كان يؤمن بالتأثير العلاجي لإكسير مصنوع من عظام بشرية محترقة على الصرع والتهاب المفاصل".
ويلاحظ باراسيلسوس، وهو كيميائي وطبيب سويسري عاش في الفترة من 1493 إلى 1541، "أن أنبل دواء للإنسان هو جسم الإنسان". وتحدث في أبحاثه عن القوة الطبية للمومياء ودم الإنسان والدهون والنخاع والبراز والجمجمة في علاج العديد من الأمراض.
استمر استخدام هذه المادة التي اشتهرت باسم "ماميا" لسنوات طويلة تتراوح بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر على الأقل، واشتهرت على نطاق واسع في الدول الأوروبية.
ووفقاً لأطروحة دوائية من القرن الثامن عشر، يمكن أن يشير المصطلح "ماميا" إلى مواد مختلفة مستخرجة من بقايا بشرية محنطة مثل السوائل أو المسحوق.
ويعتقد الباحثون أن اعتقاد الأوروبيين بأن "الماميا" لها قدرات علاجية عجيبة كان مبنياً على تشبيههم لها بالقار أو "البيتومين" الطبيعي المستخرج من البحر الميت وأماكن أخرى في الشرق الأوسط ذي الخصائص الطبية والذي كان يعتقد أنه استخدم لتحنيط الجثث.
كما كانت كلمة (مومياء) كلمة فارسية مشتقة من ماميا أي الزفت، وكان القار الشرقي مشهوراً في علاج الجروح والكدمات والغثيان والكسور وغيرها، وهو قريب الشبه من الراتنج الذي كان يستخدمه المصريون القدماء في التحنيط.
ولذلك عندما شح هذا القار بدأ الأوربيون بالبحث عن مصادر أخرى له مثل المومياوات المصرية ثم تطور الأمر لاستخدام الجثة نفسها.
كانت بعض هذه العقاقير عبارة عن سائل راتنجي يُزعم أنه تسرب من الجثث. وفي أحيان أخرى كان يشار له باسم "مسحوق المومياء"، وهو عبارة عن عظام مطحونة بدقة مع بقايا أخرى.
الاستخدامات الطبية لـ"الماميا"
- كانت تستخدم كمميع للدم المتخثر.
- مسكن للألم مثل أوجاع الرأس وآلام الطحال.
- مثبط لنوبات السعال.
- مضاد للالتهابات والعدوى البكتيرية والفيروسية.
- وسيلة مساعدة للدورة الشهرية وتسكين آلامها.
- وسيلة لتعزيز التئام الجروح وشفائها.
لكن الأجزاء الأخرى من الرفات البشرية كانت تستخدم أيضاً لعلاج مجموعة مختلفة من الأمراض. على سبيل المثال استخدام جلد الجثث لعلاج العواطف الهستيرية، والدهون لتخفيف الألم وعلاج الندبات، والعظام لعلاج نزلات البرد وتدفق الحيض والزحار والإسهال.
تجارة المومياوات بين مصر وأوروبا تتحول لسرقة الجثث
كان يتم تصدير المومياوات الكاملة من مصر، أو كانت الجثث تباع على شكل رفات معبأ في علب ليُباع في أوروبا. وكان الأوروبيون يدفعون للأهالي 25 قطعة ذهبية مقابل مئة مومياء محنطة.
وكان من بين الأوروبيين الكثر الذين عملوا بهذه التجارة، الرحالة الألماني "جوهان هلفريخ"؛ الذي زار مصر عام 1565م وقام بنبش عدد كبير من القبور بحثاً عن المومياوات، ولكنه فشل في ذلك.
ويوضح مقال نُشر في موقع The Lancet، أن بعض الأطباء في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانوا يشكون بأن العديد من أدوية "المومياء" لم يتم استخراجها من مومياوات مصرية قديمة حقيقية- ولكنها مزيفة وتم تصنيعها من جثث ناس عاديين توفوا في تاريخ حديث. أو حتى من جثث المجرمين المحليين الذين تم إعدامهم مؤخراً.
وكانت هذه الشكوك في مكانها. فقد دفع إقبال الأوروبيين على شراء المومياوات المصرية؛ الأهالي في مصر لبيع الجثث حديثة العهد على أنها مومياوات من أجل الحصول على الأموال، ولكن هذه الحيل لم تنطلِ على تجار المومياوات الذين اكتشفوها!
ومع ازدياد الطلب على المومياوات في القرنين السادس عشر والسابع عشر وعدم القدرة على تأمين الكميات المطلوبة من العقاقير، بدأ الصيدلانيون والأطباء بتوظيف خاطفي الجثث المستأجرين بحثاً عن جثث جديدة لم يطالب بها أحد من المجرمين الذين تم إعدامه.
ومع تقدم العلم، تلاشت العلاجات التي كانت تعتمد على أكل لحوم البشر. وتضاءلت هذه الممارسة في القرن الثامن عشر.
لكن هناك حادثة واحدة مسجلة في عام 1847، عندما نصح طبيب إنجليزي بخلط جمجمة امرأة شابة مع دبس السكر وإطعامه لطفلة لعلاج الصرع دون الوصول لأي نتائج بالتأكيد.