هل فكّرتم يوماً كيف سيكون شكل العالم اليوم لو أنّ النساء كنّ الحاكمات بالأغلبية، بدلاً من الرجال؟ وفي حال كانت المرأة ربّ الأسرة؟ حاول المؤرّخون وعلماء الأنثروبولوجيا، على مدى القرن الماضي، إيجاد الجواب المناسب، من خلال بحثهم عن مجتمعٍ تحكمه النساء. فخلُص معظمهم إلى عدم وجود نظامٍ "أمومي" حقيقي.
لا توافق عالمة الأنثروبولوجيا بيغي ريفز سانداي مع هذا الرأي، وتؤكّد أن المشكلة تكمن في المفاهيم الثقافية الغربية لما ينبغي أن تكون عليه المجتمعات التي تحكمها النساء، وذلك في معرض حديثها عن مدينة مينانغ كابو الإندونيسية.
عدد كبير من المؤرّخين كانوا يبحثون -بحسب سانداي– عن مجتمعٍ حيث تدير المرأة شؤون الحياة اليومية، بما فيها السياسية. وهذا النموذج، أو المنظور الغربي للسلطة، لا يتناسب تماماً مع الثقافات غير الغربية.
استناداً إلى ذلك، وانطلاقاً من هذا الرأي، سنقدّم في هذا التقرير عيّنة من بعض المدن في العالم التي تحكمها النساء، وبعضها ممنوع على الرجال أن يعيشوا فيها.
1- قبيلة بريبري: النساء فقط يرثن الأرض
هي من أكبر القبائل الأصلية في كوستاريكا، يقيمون في سلسلة جبال تالامنكا والجزر الجنوبية المعزولة، التي تشتهر بالأنهار والأشجار. تتميّز هذه القبيلة بالاكتفاء الذاتي، فهي تشتهر بصناعة الأدوية ومواد البناء بالإضافة إلى زراعة جميع المواد الغذائية التي قد يحتاجها السكّان.
في الإسبانية، كلمة بريبري هي Valiente، وتعني في الإنكليزية الشجاعة. وهذا بالتحديد هو جوهر هذه القبيلة التي نجحت، بشجاعة سكّانها، في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وثقافتها.
القبيلة تقدّس "الإله سيبو"، وتؤمن بأنه حبس بعض الأرواح الشريرة عندما خلق الأرض. ويمكن لهذه الأرواح أن تتحرّر من سجنها، في حال انتهاك الطبيعة.
ينقسم المجتمع في هذه القبيلة إلى عشائر، وكلّ شخص ينتمي إلى عشيرة تحدّدها الأم أو أي أنثى منها. زعيم القبيلة غالباً ما يكون رجلاً أو أكثر من رجل، كما هو الوضع حالياً، لكن هناك نساء حكمن القبيلة تاريخياً.
وأيضاً، يمكن للنساء فقط أن يرثن الأرض، ما يعني أنهنّ زعيمات العشيرات لأن مورد الحياة الأساسي بيدهنّ.
ونظراً لأن زعيم العشيرة لا يربّي الأولاد، فإنّ الرجال لا يستطيعون تربية أطفالهم، بل أطفال أختهم. نساء هذه القبيلة يشتركون في قيادتها عملياً من أجل توفير الضروريات الأساسية لأسرهن، ولأنهم يعتبرون ذلك جزءاً من طقوسهنّ المقدّسة.
فالنساء هنّ الوحيدات المخوّلات بتحضير المشروب الخاص بطقوس القبيلة الدينية، أو أي مشروب يُقدّم في المناسبات الهامّة التي تُقام، بما في ذلك الزواج أو حفلات الإعلان عن الحمل، أو الجنازات.
2- قرية أوموجا: ممنوعة على الرجال
تُعتبر أحد أحدث المجتمعات التي تديرها النساء. فقد تأسّست في العام 1990 على يد 15 امرأة اعتبرنها ملاذاً آمناً بعد تعرّضهن للإساءة. فقد كنّ ينتمين إلى قبيلة سامبورو التي تعتبر المرأة ملكاً لزوجها، ويتمّ تزويجها حين تصل إلى عمر 12 عاماً.
يُحكى أنّ الهاربات من أوموجا ساو كنّ تعرّضن في الأساس للاغتصاب على يد جنودٍ بريطانيين على حدود سامبورو وإيزولو في كينيا، لجأن إلى هذه المنطقة لأنهنّ سيُطردن من المنزل بكلّ الأحوال، حين يكتشف أزواجهنّ أنهن تعرّضن للاغتصاب.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه المساحة آمنة للنساء، الهاربات من العنف المنزلي ومن الاغتصاب، فأسّسن قرية أطلقن عليها اسم أوموجو ومنعن الرجال من دخولها. وأوموجو في اللغة السواحلية تعني "الوحدة"، وتعمل نساؤها على توعية الأخريات حول حقوقهنّ.
كما أسّسن مدرسة ابتدائية، لأن معظم الهاربات أحضرن أطفالهن برفقتهن، ويعشن في أكواخٍ صغيرة صنعنها من الخشب و أغصان الأشجار.
تعمل نساء هذه القرية في صنع قلادات الخرز الملوّن، ثم يبعنها خارج القرية أو للسياح الذين يقصدونها، ثم يعطين المال إلى الأمهات لتحضير الطعام. ويقسَّم الطعام على حسب عدد الأطفال في كلّ أسرة، كما تُخصّص بعض الأموال لتعليم الفتيات.
يُمنع الرجال من العيش في أوموجا، لكن يُسمح لهم بزيارتها. الوحيدون الذين يُسمح لهم بالبقاء فيها هم الذين نشأوا في القرية، لكن حين يصل الشاب إلى عمر 18 عاماً يخرج منها.
في المساء، تجتمع النساء أمام أكواخهن المُحاطة بالأسلاك الشائكة لمنع دخول الرجال أو تسلّلهم. وحين يحاول أحدهم دخول القرية، يطردنه ويبلّغن الشرطة المحليّة التي تتدخل.
في أحد الوثائقيات التي صوّرت حياة النساء في هذه القرية، تقول إحداهنّ -وتُدعى لوسي- إنّه من غير المسموح للرجال العيش فيها لأنهم ليسوا جيّدين.
3- ناغوفيزي: يمتنع الرجل عن جوز الهند من حديقة زوجته لو تشاجرا
يعيش سكّانها، وهم جيران إندونيسيا وأستراليا، على جزيرة استوائية كبيرة. وناغوفيزي هي واحدة من 3 قبائل في جنوب بوغانفيل تقع غرب غينيا. ومثل قبيلة بريبري، فإن إنتاج الغذاء هو محور الحياة. فتلعب النساء دوراً ريادياً في تنفيذ ومتابعة تلك المشاريع.
فالمرأة ترث أرض أجدادها، وتبدأ بالاهتمام بالزراعة والإشراف على الأرض بمجرّد بلوغها سنّ الـ18، وتمرّر هذا الحقّ إلى ابنتها. في حين يقوم رجال القبيلة بمهام العمل اليدوي في هذا المجال. فيحرثون الأرض ويزرعون ويحصدون.
بحسب المؤّرخان جيل ناش وزوجها دونالد دي ميتشل، فإن الزراعة تُعتبر واجباً أساسياً. فقد وجدا أن "هناك شعوراً قوياً بأن العمل المشترك في الزراعة يعتبر جزءاً أساسياً من الزواج".
الزوجان أجرا عدة دراسات ميدانية حول القبيلة ما بين 1969 و1973، ويقولان إن النساء تعمل في حدائقهن 3 مرّات أسبوعياً، ولا يكون حضور الزوج ضرورياً دائماً، إلا في حال رغب بذلك.
يعتمد الرجال على النساء في الزراعة من أجل الغذاء، وتفتخر النساء بمسؤوليتها. وبحسب المؤرخين، فإن الرجل قد يتوقف عن أكل جوز الهند من حديقة زوجته في حال تشاجرا. أحياناً لأنها تمنعه، وأحياناً أخرى لأنه اختار أن يعاقبها. وحين يمتنع الزوج عن الأكل من حديقة زوجته، فهذا يعني الطلاق حكماً.
بحسب موقع Listverse، فإنّ الزواج ليس شائعاً في هذه القبيلة؛ ولكن على الرغم من ذلك، فإذا شوهد رجلٌ وامرأة يتجوّلان معاً، فسيتمّ اعتبارهما متزوّجين على الفور، كذلك الأمر في حال عمل الرجل في حديقة المرأة.